﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن
يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي
اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾
قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك، ومجاهد: إن سبب
نزول هذه
الآية انه لما أرجف بان النبي صلى الله عليه وآله قتل يوم أحد وأشيع ذلك، قال
ناس لو كان نبيا ما قتل. وقال آخرون نقاتل على ما قاتل عليه حتى نلحق به،
وكان سبب انهزامهم وتضعضعهم اخلال الرماة بمكانهم من فم الشعب، وكان النبي
صلى الله عليه وآله نهاهم عن الاخلال به، وحذرهم من الانصراف عن الشعب
مخافة أن يخرج منه كمين عليهم. فلما انهزم المشركون في الجولة الأولى،
فتبعوهم المسلمون وتواقعوا في غنائمهم فقال الموكلون بالشعب: يغنمون ولا
نغنم. فقال لهم رئيسهم: الله الله لا تفعلوا فان النبي صلى الله عليه وآله
أمرنا ألا نبرح، فلم يقبلوا منه وانصرفوا، وثبت رئيسهم مع اثني عشر رجلا،
فقتلوا، خرج عليهم خالد بن الوليد في مأتي فارس من الشعب، وكان كامنا فيه،
وكان ذلك سبب هزيمة المسلمين، وإصابة رباعية النبي صلى الله عليه وآله
وجرحه، وكان الذي جرحه وكسر رباعيته عتبة بن أبي وقاص، وقيل إن عبد الله
ابن قمية ضربه على حبل عاتقه، ومضى إلى المشركين، وقال قتلت محمدا وشاع ذلك
فأنزل الله هذه
الآية فان قيل: كيف دخل الاستفهام على الشرط، وإنما هو كغيره من الانقلاب
والتقدير أتنقلبون إن مات أو قتل؟قيل: لأنه لما انعقد الشرط به صار جملة
واحدة وخبرا واحدا بمنزلة تقدير الاسم قبل الفعل في الذكر إذا قيل أزيد
قام، وكذلك تقديمه في القسم، والاكتفاء بجواب الشرط من جواب القسم، كما قال
الشاعر: (1)
حلفت له إن تدلج الليل لا يزل * أمامك بيت من بيوتي سائر (2)
أي حلفت له لا يزال امامك بيت وأجاز الفراء في مثله أفإن مات أو قتل "
تنقلبون بالرفع، والجزم ومعنى " انقلبتم على أعقابكم " أي ارتددتم كفارا
بعد إيمانكم، لان الرجوع عن الحق إلى الباطل بمنزلة رجوع القهقرى في القبح،
والتنكيل (3) بالنفس فجرى كالمثل في هذا المعنى، والألف في قوله " أفإن "
ألف انكار بصورة ألف استفهام، لان التقرير به يظهر ما فيه من المنكر، فلذلك
أخرج مخرج الاستفهام مع أن معناه الانكار. ومثله أتختار الفساد على الصلاح
والخطأ على الصواب. وقوله: (أفإن مات أو قتل) يدل على أن الموت غير القتل
لأنه لو كان هو إياه لما عطف به عليه، لان الشئ لا يعطف على نفسه. والقتل
هو نقض بنيه الحياة، والموت في الناس من قال: هو معنى يضاد الحياة وفيهم من
قال: هو افساد البنية التي تحتاج الحياة إليها بفعل معان فيه تضاد المعاني
التي تحتاج إليها الحياة. وقوله: " ومن ينقلب على عقبيه " أي من يرتد
ويرجع عن الاسلام " فلن يضر الله شيئا " لأنه لا يجوز عليه المضار بل مضرته
عائدة عليه، لأنه يستحق العقاب الدائم. وقوله: " وسيجزي الله الشاكرين "
معناه يثيب الله الشاكرين على شكرهم لنعم الله واعترافهم بها. ووجه اتصال
هذا بما قبله اتصال الوعد بالوعيد، لان قوله: " فلن يضر الله شيئا " دليل
على معنى الوعيد، لان معناه إنما يضر نفسه باستحقاقه العقاب " وسيجزي الله
الشاكرين " بما يستحقونه من الثواب.
1- هو الراعي.
2- معاني القرآن للفراء 1: 69 - 236 والمعاني الكبير: " 805. وخزانة
الأدب 4. 450 ورواية المعاني الكبير (عائر) بدل (سائر) وقال: أي بيت هجاء عائر.
من قولهم: عار الفرس: إذا ذهب وجاء مترددا ويقال: قصيدة عائرة أي سائرة في
كل وجه. أدلج: سار في أول الليل.
3- في المخطوطة (والسيل) والصحيح ما في المطبوعة.
سبب
نزول الآية (177) من
سورة آل عمران
﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى
حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ
فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
قيل: إن هذه
الآية نزلت لما حولت القبلة، وكثر الخوض في نسخ تلك الفريضة، صار كأنه لا يراعى
بطاعة الله إلا التوجه للصلاة، فأنزل الله تعالى الآية، وبين فيها أن البر
ما ذكره فيها، ودل على أن الصلاة إنما يحتاج إليها لما فيها من المصلحة
الدينية، وإنه إنما يأمر بها، لما في علمه أنها تدعوا إلى الصلاح، وتصرف عن
الفساد، وإن ذلك يختلف بحسب الأزمان، والأوقات.
سبب
نزول الآية (144) من
سورة آل عمران
﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً
تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا
كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ
الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ
بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾
وقال قوم ان هذه
الآية نزلت قبل التي تقدمتها: وهي قوله: (سيقول السفهاء).
سبب
نزول الآية (140) من
سورة آل عمران
﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ
مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ
اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ
يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾
وقال ابن عباس، والحسن، والربيع: القرح ما أصاب المسلمين يوم أحد وأصاب المشركين يوم بدر. وقال الزهري، وقتادة، وابن أبي نجيح: هذه
الآية نزلت تسلية للمسلمين لما نالهم يوم أحد من القتل، والجراح، وكان سبب
نزول الآية ما قدمنا ذكره من أن الله تعالى أراد أن يرعب الكفار، فأمر المسلمين أن
يتبعوا المشركين على ما بهم من الجراح، والألم وحثهم على ذلك ونهاهم عن
الوهن والحزن، ووعدهم بأنهم الأعلون إن تمسكوا بالايمان، لان المشركين
كانوا هموا بالعود إلى المدينة، والغارة فيها، فلما بلغهم عزيمة المسلمين
على تتبعهم خافوهم. وقال بعضهم لبعض يوشك أن يكون انضم إليهم من كان قعد
عنهم، وأعانهم أحلافهم من بني قريظة، والنضير فدسوا نعيم بن مسعود الأشجعي
وبذلوا له عشر قلائص على أن يثبط المسلمين عن تتبعهم، ويقول: إنهم تجمعوا
وانضم إليهم حلفاؤهم، وهم يريدونكم ولا طاقة لكم بهم، وأسرعوا المسير إلى
مكة فأوحى الله بذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وأعلمه ما قالوا لنعيم،
فلما قال لهم ما قال، قال المسلمون: " حسبنا الله ونعم الوكيل " وفيهم نزلت
الآية (1) " الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم " إلى قوله: " والله ذو
فضل عظيم " (2) وما بعده. وإنما قال: " إن كنتم مؤمنين " مع أنهم كانوا
مؤمنين للبيان عن أن الايمان يوجب تلك الحال، وتقديره إن من كان مؤمنا يجب
عليه ألا يهن ولا يحزن، لثقته بالله. يحتمل أيضا أن يكون معناه إن كنتم
مصدقين بوعدي لكم بنصرتي إياكم حتى تستعلوا على عدوكم، وتظفروا بهم.
1- في المخطوطة (أ) زيادة: وهي قوله تعالى.
2-
سورة آل
عمران آية: 173.
سبب
نزول الآية (123) من
سورة آل عمران
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
هذه
الآية نزلت في وصف ما من الله تعالى على المؤمنين من النصر والامداد بالملائكة
وظفر المؤمنين بالمشركين مع قلة المؤمنين وقوة المشركين. فإنه روي عن ابن
عباس (ره) أنه قال كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا والأنصار مئتين
وستة وثلاثين رجلا الجميع ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وكان المشركون نحوا من
ألف رجل. وبدر ما بين مكة والمدينة وقال الشعبي سمي بدرا لان؟ك ماء لرجل
يسمى بدرا، فسمي الموضع باسم صاحبه. وقال الواقدي عن شيوخه إنما هو اسم
للموضع كما يسمى كل بلد باسم يخصه من غير أن ينقل إليه اسم صاحبه. وقوله:
(وأنتم أذلة) جملة في موضع الحال. والذلة الضعف عن المقاومة، وضدها العزة،
وهي القوة على الغلبة، ويقال للجمل المنقاد من غير صعوبة: ذلول لانقياده
انقياد الضعيف، فأما الذليل فإنما ينقاد على مشقة. ومنه تذليل الطريق،
ونحوه، وهو توطئة الأصل. وفيه الضعف عن المقاومة. وقوله: " أذلة " جمع ذليل
وفعيل قياسه أن يجمع على فعلاء إذا كان صفة، مثل ظريف وظرفاء، وكريم
وكرماء، وعليم وعلماء، وشريك وشركاء، فجمع على أفعلة كراهية التضعيف، فعدل
إلى جمع الأسماء نحو؟وأقفزة، فقيل ذليل وأذلة وعزيز وأعزة.