علي احمد الوائلي
مدير عام المنتدى رقم العضوية : 52 الجنــس : المواليد : 01/03/1972 التسجيل : 06/02/2013 العمـــــــــــــــــر : 52 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 979 نقـــــــــاط التقيم : 2363 السٌّمعَــــــــــــــة : 0 علم بلدك : 15000
| موضوع: سماحة الشيخ ضياء الدين الخميس فبراير 21, 2013 11:46 pm | |
|
<table id="author" align="right" border="0"><tr></tr></table>
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء ، وجعل مدادهم خيراً من دماء الشهداء ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء ، محمد وآله الأصفياء
(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ، وَاعْفُ عَنَّا ، وَاغْفِرْ لَنَا ، وَارْحَمْنَا ، أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
السلام عليكم أيها الإخوة والأبناء النجباء ورحمة الله وبركاته
لا بد ان البعض منكم ينتظر مني -وأنا أقف أمامكم في حفل استذكار لسيدي الوالد (قدس سره) ولقربي المباشر من سماحته- أن أتعرض لشيء من سيرته الخاصة أو العامة ، كعلم من أعلام الأمة ، ومرب لأجيال إسلامية ، كان له شرف المساهمة في وضعها في الطريق الإسلامي القويم ، من خلال كتاباته الإسلامية الرائدة ، أو محاضراته ورسائله وكلماته التي واكب فيها عصر الصحوة الإسلامية في العراق بل وكان هو أول من أدخل التجديد للحوزة العلمية في النجف الأشرف –كما ينقل الشيخ التسخيري عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) أو أتعرض لسيرته كمرجع من مراجع الدين ، شارك مع إخوته من مراجع الأمة في حمل مشعل الهدى وقيادة ركب الأمة المؤمنة في مرحلة هي من أصعب مراحل تأريخها على امتداد القرون
ولكني أعتذر إليكم عن الدخول في هذه المجالات الآن ، لأنني أرى أن التأريخ التفصيلي لسيرة هؤلاء الأفذاذ ، ينبغي أن يكون التركيز عليه في مواقف أخرى ، مهيأة لهذه الأمور ، لا في مثل هذا اللقاء الذي يستهدف فيه شد الأواصر بين الأمة المؤمنة وأعلامها الأفذاذ ، حيث لا بد أن تُستكنَه العظمة من مكامنها ، وتستلهم القدوة من مواردها ، لتحقيق ما يصبو إليه الإسلام ذاته ، وما يفتقر إليه المؤمنون من غايات رفيعة في القدوة التربوية والأخلاقية لأفرادهم ، وما يحتاجونه من استيضاح لمعالم الهدى والنور في مصادرها .
فحسب الأمة –في مثل هذه الاجتماعات- أن تعلم من عظمة هؤلاء الأزكياء أن العناية الإلهية ، التي هيأتهم لمرجعية الأمة ، لم تكن لتسند هذا المنصب العظيم لهم دون إعداد ذاتي كامل ، من العلم والورع والتقوى ، والتفاني في سبيل إعلاء كلمة الله (تعالى) ، وهي صفات الكمال الأولى التي تندرج فيها كل الصفات السامية التي تراءى في هذه النخبة من عظماء الأمة .
أما ما وراء هذا من تفصيلات سيرتهم ، فينبغي أن يكون من مهمة دراسات أخرى ، تستهدف التعرف على أطوار حياتهم ، والتدبر الواعي لسجاياهم ومواقفهم .
ولهذا السبب رأيت أن أستغل هذه الفرصة الثمينة معكم –أيها الأحبة- لأستعرض معكم واحداً من أهم مواضيع الساعة في هذه الأيام ، ولكن من كلمات سماحة الشيخ نفسه وأحاديثه .
إنه الرؤية المرجعية للمذهبية الإسلامية في تراثه ، إذ كان (قدس سره) أحد الوجوه المتصدية لبيان هذا الجانب من الحوزة العلمية في النجف الأشرف على مدى عقود من القرن الماضي ، منذ أن كان في أيام شبابه معتمداً للمرجعيات العليا فيه ، حيث أسند إليه فقيه عصره آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره) الإجابة عن الدكتور أحمد أمين المصري ، في كتابه المعروف عن (المهدي والمهدوية) في بداية الخمسينات من القرن الماضي ، وحتى وصوله إلى دور المرجعية حيث أسند إليه آية الله العظمى السيد الخوئي له كتابة كلمته في افتتاح المؤتمر الذي عقد في لندن سنة 1990 بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على موقف الرسول (ص) في غدير خم لإعلان ولاية علي (ع) سنة عشر من الهجرة .
أيها الإخوة ..
وما ينبغي علمه في هذا المجال –حتى قبل البدء في تفصيل الحديث فيه-: أن مذهب التشيع لأهل البيت (ع) لا يختلف في أصوله وركائزه ، عما لدى المذاهب الإسلامية الأخرى ، حتى فيما عرف عنه من حب أهل البيت (ع)، وتوليهم واتباع نهجهم ، لأن هذه الأصول –في مفاهيمها العامة- تعتبر من أركان الإسلام الأولى ، التي لا ريب فيها من مسلم أبداً .
فهي مما صرحت به آيات الكتاب العزيز إذ قال (تعالى) : ( ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) .(الشورى : 23 )
وفيه تواترت فيه نصوص الإسلام ، والمسلّمة لدى جميع المسلمين ، بدءاً من صحابة رسول الله (ص) الكرام ، وانتهاء بأئمة المذاهب الإسلامية وأتباعها كافة .
فمن المستفيض بين المسلمين جميعاً قول النبي (ص) في أهل بيته : (من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي) .
وما عن الخليفة الأول أبي بكر من أنه قال : رأيت رسول الله (ص) خيم خيمة ، وهو متكئ على قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) ، فقال : (معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، ولي لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة) . (يراجع المحب الطبري في الرياض النضرة - ج : 2 – ص : 199)
وما عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب من قوله : نصب رسول الله (ص) علياً علماً ، فقال : (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، واخذل من خذله ، وانصر من نصره ، اللهم أنت شهيدي عليهم ).
قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح قال لي : يا عمر؛ لقد عقد رسول الله (ص) عقداً لا يحله إلا منافق ، فأخذ رسول الله (ص) بيدي وقال : (يا عمر ، انه ليس من ولد آدم ، لكنه جبرائيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي) .
ولهذا بقي تسليم الخلفاء بهذا الحب وهذه الولاية والاتباع ، وإعلانهم لها أمام الأشهاد حتى أيام خلافتهم ، حيث استفاضت الأحاديث بذلك عنهم ، كما عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، وقد جاءه أعرابيان يختصمان ، فقال لعلي (ع) اقض بينهما يا أبا الحسن ، فقضى علي (ع) بينهما ، فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا ؟ ، فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال : ويحك ما تدري من هذا ؟ ، هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، ومن لم يكن هذا مولاه فليس بمؤمن .
كما قال في حديث آخر عنه : تحببوا إلى الأشراف وتوددوا ، واتقوا على أعراضكم من السفلة ، واعلموا أن الشرف لا يتم إلا بولاية علي بن أبي طالب .
وكان يعتبر قول علي من السنة التي يجب الرجوع إليها عند الاختلاف ، ولا نفيض في اقتباس الشواهد ، فالموضوع أوضح من أن يحتاج إلى مزيد منها .
نعم ، الخلاف بين الطوائف الإسلامية إنما هو فيما يتفرع من هذه الولاية التزامات ، وما تستوجبه المودّة من حدود ، وما يتجلى به الاتباع من فروض ، وهي مرحلة لاحقة لا تمس أصل الإيمان بها ، فالقضية في هذه المرحلة الثانية ، وما يتلوها هي قضية اجتهاد ، أو هي (قضية إيمان وعلم معاً) –كما يقول الشيخ زين الدين (قدس سره) .
ولكن السؤال المهم هو : ما الذي يعنيه الاجتهاد في الإسلام ، لنعلم –من ثم- ما تعنيه قضية الخلاف بين الطوائف الإسلامية في كل من الإيمان والعلم معاً ؟ .
هنا يجيب سماحة الشيخ الوالد (قدس سره) في مقدمته لكتاب المناظرات للحجة الشيخ علي الخنيزي القطيفي (قده) بقوله :
من مآثر دين الإسلام أنه شرّع للإنسان حقّ الاجتهاد في الأحكام ، وليس لهذا الدين الحنيف ضريب بهذه المأثرة ، وهي إحدى ممكّناته من مسايرة الحياة ، وإحدى مؤهّلاته للخلود .
والنصوص الإسلامية التي تخّول الإنسان هذا الحق كثيرة وفيرة ، وهو -بعد- ليس موضع ريبة عند أحد من المسلمين ، ولا مظنة للخلاف فيما بينهم ، ولا موقعاً للموازنة والترجيح ، وإعمال الفكر واستعمال الأقيسة ، ليس موضعاً لشيء من ذلك ليقول قائل : إنه إثبات للاجتهاد بالاجتهاد ..
.. ولكنه الحق الذي لا جدال فيه من أحد ، واليقين الذي لا مِراء فيه من احد ، والتسالم الذي لا خلاف فيه من أحد .
ومن شواهد ذلك ؛ هذه الوفرة الكبيرة من المجتهدين في كل فرقة من فرق المسلمين ، على تنوّع مسالكهم في الاجتهاد ، وعلى تقاربهم أو تباعدهم في مبادئه ، واجتماعهم أو اختلافهم في نتائجه .
وإنها لكرامة ومنزلة ليس وراءها مطمح ، أن يخوّل الله عباده حق النظر في أحكامه ، والتراجيح بين أدّلتها ، والغوص في أغوارها ، والفقه لأسرارها ، ثم هو يزيدهم -من لدنه- كرامة ومنزلة ، فيضاعف المثوبة لمن أصاب ، ويتفضّل بأجر الصواب على من أخطأ .
و(لكن) هذا الحق الذي منحه الله لعباده ، وهذه الكرامة التي اختصّ بها من اجتهد منهم ، إنما تعني أن يأتوا بالشريعة من أبوابها ، وأن يأخذوا أحكام الله من مصادرها ..
.. من الأبواب التي فتحها الله للناس لمعرفة أحكامه ، ومن المصادر التي أعدّها لبيان حَلاله وحرامه .. من كتاب الله الخالد المعصوم ، الذي تأذّن الله بحفظه ، وكفل برعايته ، ووعد بإتمام نوره ، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه .
ومن السنّة الصحيحة المطهّرة التي روتها الثقاة ، وجمعتها الحفظة ، ومحّصتها النقدة ، ووقف على رجالها العلماء الأثبات .
ومن المصادر الشرعية الأخرى التي ترجع إلى هذين ، وتستند اليهما ، ومن القواعد اليقينيّة التي لا يرتاب احدٌ في ثبوتها ، ولا يمتري عاقل في الركون إليها .
أما الاجتهاد الذي يميل صاحبه مع الأهواء ، أو يتّبع فيه الأوهام ، فليس من حقّ الإنسان -أبدا- أن يدخله في دين الله ، ويُعمله في أحكامه) .
هذا هو الاجتهاد الذي أقره الإسلام ، وبهذه الحدود حدده ، وبه اكتسب صفة الأبدية الخالدة مع الزمن ولا سيما بعد انحصار طريق الوصول إلى حقائقه به ، ومن خلاله فحسب .
ويفترض أن تصبح هذه الحقيقة ركناً مبدئياً في نظرة المسلمين للبعد المذهبي في الإسلام ، لتصبح –من ثم- ركناً في حياة الأمة المسلمة ، فتحترم الآراء التي تنهل من المعين الذي أقره الإسلام لاحترام الإسلام نفسه لها حينئذ ، وأن تنبذ الآراء التي تنأى عنه لخروجها عن حدوده التي أقرها وبينها .
ولكن المؤسف أن مجريات الأمور في المسلمين تمضي على خلاف ذلك ، إذ–وكما يقول الشيخ الوالد (قدس سره) في رسالته للشيخ حسن الباقوري وزير الأوقاف المصرية في أواسط القرن الميلادي الماضي- :
(لم أر -كالإسلام- ديناً يتسّع لمذاهب الفكر ويكبر نتاج العلم ، ولم أر -كالقرآن- كتاباً ينشّط حركة الرأي ويكره خمود الوعي ، ثم لم أر –كالمسلمين- أتباعاً يحرجون بما انفسح له دينهم ، ويبرمون بما نشط له كتابهم .
إن المسلم يرث من سلفٍ له قولاً ، أو يرى باجتهاد منه رأيا ، فيخال ان الإسلام حكر على رأيه، فلا إسلام وراء الأكمة ، ولا إيمان خارج المضيق .
وإذا لم يكن إسلام ، فلا أخوة ترتجى ، بل ولا كرامة تحتشم ، ولا رأي يحترم ..
لقد فصلتني عن أخي فواصل . نعم ؛ ولكن أليس بيني وبينه ما يجمع ؟ ..
أليس من حقي أن أحصي ما لديه من ثراء ، فلعله اختصّ بشيء من تراث أبي ؟ ..
أقول : اختص ، ولا أقول : استأثر ، لأنني أراه يدعوني لمشاركته ما بيديه .
وأخي ، أليس من حقه أن يطلع على ما بيدي ؟ .
لئن كان هذا الإعراض عن زهد ، فان الزهد هنا مما يضحك ، وان كان من قطيعة فان القطيعة هنا مما تبكي .
وإذا لم يكن محيص عن القول في أخي ، وإذا لم يكن بدّ من الخصام ، أفليس من واجب العلم أن أطلع على القول الذي أنقد فأنقل بأمانة ، ثم أخاصم على علم ؟ .
أخي ، آن لنا أن ننظر ببصر يخرق الحجب ، وببصيرة تمزّق الغشاوات ، وبصبر يتحّدى المعوقات.
آن لنا أن نستيقن أن حجباً فرّقت بيننا في الصورة لا تقوى على أن تباعد مابيننا في الجوهر ، ولا تشجع ان تخالف ما بيننا في الروح ، ولا تملك شيئا من ذلك ، ولن تملكه أبداً ما دامت ضالّتنا الهدى ، وما دام قائدنا الرسول الكريم (ص) ، ورائدنا القرآن العظيم .
وقضية السنة والشيعة – كما قلتم – قضية إيمان وعلم معاً– وإذا كانت كذلك فمن أولى بحلها من العالم المؤمن ، إذا كان يستطيع أن يقول ، ويستطيع أن يعمل ؟ .
هذا هو الرأي الفصل لمذهب أهل البيت (ع) في موضوع المذهبية الإسلامية بكل صراحة وشفافية ، وعلى هذا الرأي جرت طبيعة الفقاهة والاجتهاد في هذا المذهب ، وعلى هذا جرى احترام الفقهاء الشيعة لآراء غيرهم من فقهاء الأمة ، سواء كانوا من مذهبهم أم من المذاهب الأخرى ، منذ القديم وحتى اليوم ، وإلى حيث شاء الله من الزمن .
أيها الأحبة ..
أما من يقف في الطرف الآخر من هذه الحقيقة .. أما من أراد لنفسه أن لا يخرج عن مضيق العصبية الطائفية ، فإن الشيخ (قدس سره) يقسم هذا الرعيل إلى فئتين :
الفئة الأولى ، وهي تلك التي لم تستطع أن تتجاوز ذلك المضيق الذي ألفته ، حيث قصرت نظرتها عن التعامل مع الحقيقة في سعتها وآفاقها الإسلامية الكبرى .
والوظيفة الشرعية مع هؤلاء هي أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، والارتفاع ببصائرهم إلى تلك الآفاق الإسلامية العليا ، وفتح مداركها لأنوارها وعطاءاتها التي لا تنضب ، ولا سيما حين يلمس منهم الإخلاص لله في القول والعمل ، ويرى لديهم مدى من الثقافة والعلم .
وفي هذه الفئة يقول شيخنا الإمام (قدس سره) في رسالة بعثها للأستاذ عبد القادر العماوي حين نشر كتابه (مستقبل الإسلام) الذي وصم فيه مذهب أهل البيت (ع) بما ليس فيه –لقصوره في النظر، وعدم تمحيصه للحقائق- :
(أخي : كم يحز في نفسي ، وفي نفس كل غيور من أنصار الإسلام وأبناء القرآن ، هذا التناحر الذي نجده بين المسلمين ، وبين الكتّاب المسلمين على الأخص ؟ .
كم يحزّ في نفوسنا هذا التناحر حول هذه الأسماء التي سموها فرقاً ، واعتبروها مذاهب ، فأضاعوا بها جوهر الإسلام ، ولوّثوا بها قداسة القرآن ؟ .
أليس من العجيب – أيها الأخ – أن يعمد الكاتب المسلم ، الذي يريد أن يساهم في خدمة الإسلام ، فيصوّر أخاه المسلم ، الذي يجتمع معه في أهم الروابط وأقواها ، ويتحد معه في أكثر الأشياء التي توجب الوحدة ..
أليس من العجيب ان يصور أخاه هذا بأبشع صورة ، ويسمه بأقبح سمة ؟؟ .
أليس من العجيب أن يختلق الأكاذيب اختلاقاً ، ليصف أخاه بأشنع الصفات ، وهو لا يعلم من آراء أخيه الخاصة به شيئاً ، ولا يعرف من سيرتهِ قليلاً ولا كثيرا ، وكل ما يعرفه عن آرائه وأقواله سخافات يتقوّلها مستشرقون ، وخيالات يتوهمها مغرضون .
تأمل -أيها الأستاذ- فيما لو قابله أخوه بالمثل -وبيده قلم أجرى ، وبين جنبيه قلب أجرأ- فكال له بالصاع صاعاً ، وكافأه على العمل جزاءاً ، بشريعة القصاص ، واقتداءاً بسنة العدل ، فوضع له صورة تشبه الأولى في الوضع ، وتزيد عليها في القبح ؟ .
تأمل –أيها الأستاذ– ماذا يأخذ الغرباء عن هاتين الصورتين من تصوير فني للإسلام بأيدي أبنائه، وتفكرّ فيما يجر عليه ذلك من بلاء ، وما يعقبه من ويلات ، ثم انظر أليست المسؤولية تقع في ذلك على المسلم الأول ، الذي أراد أن يساهم في خدمة الإسلام فأوقع الضربة الكبرى على رأسه .
تأملوا -أيها الكتّاب- فيما تكتبون ، وتجرّدوا للعقل عن العاطفة ، وسايروا البرهان في استنتاجاتكم ، ثم اكتبوا بعد ذلك ما تشاؤون .
تأمّلوا فان الكتابة ليست حبراً على ورق ، ولكنها تحكّم في عقول ، وحكم على مبادئ .
ضعوا لهذا التنابز حداً ، فان في الحقائق غنى عن الخيال) .
الفئة الثانية : وهي الفئة التي اتخذت من المذهبية الإسلامية معولاً لهدم كيان الإسلام ذاته ، وذريعة للتجاوز على مقدراته ، بل وأعلنت حربها للرسول (ص) من خلال بغضها لآله المطهرين .
وقد علم المسلمون كافة –وبالنصوص المتواترة لدى الجميع- أن الرسول (ص) أعلن كلمة الله في هؤلاء صريحة واضحة ، لا ريب فيها ولا غموض ، حيث حكم عليهم بأنهم عدو له ، وحرب عليه -كما قرأناه في الروايتين اللتين رواهما الخليفتان الأول والثاني- .
وحكم عليهم (ص) بقوله الصريح : (ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة) .
بل وقرأناه في روايتي الخليفتين الأول والثاني السابقتين حكمه عليهم برداءة الولادة ، والكل يعلم ما تعنيه رداءة الولادة من كناية .
ولهذا فعبد الله بن أحمد بن حنبل يروي عن أبيه عن الشافعي قال : سمعت مالك بن أنس يقول : ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغضه لعلي بن أبي طالب . (يراجع كتاب الفرق المفترقة بين أهل الكفر والزندقة ، لأبي عثمان عبد الله بن أحمد العراقي الحنفي ، ص : 27 - ط : أنقرة) .
والروايات في هذه المضامين أكثر من تستوعب في حديث سريع كهذا .
نعم ، يجب تمييز هذه الفئة عن المذاهب الإسلامية المعروفة ، وهي قلة نادرة بين أبناء الأمة ، حيث لا يرى أحد من المسلمين يتجاهر ببغضه لأهل البيت إلا نادراً ، ولكن –مع هذا- لا بد لفقهاء الإسلام كافة -وفقهاء الشيعة منهم- أن يتخذوا منها نفس موقف الرسول (ص) ، ويعلنوا حجة الله فيها أمام الأشهاد ، لئلا تستشري نارها في جسم الأمة، وتأكل الأخضر واليابس من كيانها ومقدراتها.
وفي هذه الفئة يقول سماحة الشيخ (قده) في رده على بعض المتطاولين على مقام الإمامة بما لا يليق ذكره :
دعونا يا أدعياء ..
دعوا الإسلام يضمد جراحه ، ويؤلّف شتاته ..
دعوا المسلمين يُجمعوا أمرهم ، ويوحّدوا كلمتهم ، ويثبّتوا أقدامهم ..
دعوا دين الله يأسُ جراحه التي تركتها المناحرات الشديدة بين أبنائه ، والغارات اللئيمة من أعدائه .
دعوا الغيارى من أنصار الله ، وحملة الحقّ ، تنبه الراقدين ، وتدعو الشاردين ، فقد هدّد الحق ، وأنذرت الكرامة ، واقتحمت الحدود ، ولم يبق مساغ للغفلة ، ولم يبق مجال للإبطاء .
دعوا أنصار الله الغيارى تجمع أوصال الأمةِ المتفرقة ، وتؤلفّ قواها المبعثرة ، وتسمعها -من جديد قولة الله (تعالى) في كتابه العزيز :
(وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) . (الأنفال : 46)
دعوا المصلحين يسمعوا الأمة هذه القولة الكريمة ، وأخواتها من آيات الله بلهجة جديدة ، وبلحنٍ جديد ..
.. بلحن جديد ، هو لحن السماء يوم أنزلت هذه الآيات ، ولهجة جديدة هي لهجة الرسول (ص) يوم قرأها أول مرة على أسلافنا الصالحين من المؤمنين .
دعونا يا أدعياء ..
إن الأمر أشد خطراً من أن نشتغل عنه بكم ، أو نكترث لأغاليطكم ، وإن أقوالكم أتفه وأسفه من أن تصرف المسلمين عن عمل ، أو تؤيسهم من أمل ..
دعونا ، فلسنا بمبتعدين عن إخوان كرام أعزة علينا ، مدّوا إلينا أيديهم ، وصافونا بقلوبهم ، وأيقنا بصدقٍ العزيمة فيهم ..
لسنا بمبتعدين عنهم ، وليسوا بمبتعدين عنّا أبداً ، وإن جُدعت أنوف ، ووُغِرت صدور .
دعوا أمة القرآن تتعارف وتتآلف ، وتتصافح كفّاً بكفٍ ، وتتلاثم فماً بفمٍ ، فقد آن لها أن تفيد من عبر الماضي ما يقيها أخطار الحاضر ، وأخطار المستقبل ، وقد آن لها أن يفهم بعضها بعضاً ، وأن يشدّ بعضها أزر بعض ، وآن لها ان تعي أن منابذة بعضها بعضاً إنما تعني هدم كيان الإسلام ، ونسفَ هيكله العام .
دعوا جنود الله تتناصر ، وكتائب الله تتآزر ، ولا تشغلوها بهرير ... وعواء .. .
فقد عرف المسلمون -سنّيّهم وشيعيّهم- قيمة القول الذي تقولون ، وضعف الهدف الذي تستهدفون ..
نعم ، وعرفوا القوى الدافعة ، والأيدي المحرّضة التي استخدمتكم لهذا الإفك ، وحرّضتكم على دسّ هذه السموم .
دعونا ، فلستم ملقين علينا حديثاً جديداً لم نسمعه منكم ، كالحيوان يجتر أخبث ما في أمعائه .
أيها الأحبة :
أما القمة من علماء الإسلام ومصلحيهم ، أما أولئك الأبدال الذين وعوا مسؤولياتهم الكبرى في وحدة الأمة ، فجهدوا للوفاء بها حق الوفاء ، وأرادوا الله (تعالى) فيما قدموه من أعمال صالحة في هذا السبيل ، أما أولئك الأزكياء ؛ فيخاطبهم المرحوم الشيخ -من خلال خطابه للشيخ الباقوري- قائلاً –بعد تأكيده على أن قضية السنة والشيعة قضية إيمان وعلم معاً- :
وقـد بدأتم الشوط .. وكانت خطواتكم موفقة مبرورة ، يباركها الله ، ويباركها العلماء المؤمنون .
يباركها العلماء المؤمنون لأن القضية قضيتهم ، والشوط شوطهم ، والمدى مداهـم ، ومن يـبخل من العلماء المؤمنين أن يكون نصيرا لله على غايته ، وردءاً للعلم والإيمان في قضيتهما ؟ .
بدأتم الشوط وكانت خطواتكم موفقه مبرورة ، وإن الإيمان والعلم ليبتـهلان إلى الله أن يسدّدكم في الخطى ، وأن يوفقكم لإتمام السعي ، وان يهنئكم النجاح ، ويلقيكم عقبى الفائزين.
أيها الأحبة :
هذا هو رأي مرجعية شيعة أهل البيت (ع) في الجانب المذهبي من الإسلام :
مأثرة من مآثر دين الله القويم ، وإحدى ممكّناته من مسايرة الحياة ، وبعض مؤهّلاته للخلود ، وهو باب مشرعة لجميع المسلمين ضمن الحدود التي رسمها هو للتعامل مع نصوصه ، وضمن هذه الحدود جعل احترامه لنتائج الاجتهاد ، فأعطى للمصيب أجرين وللمخطئ أجراً ، وما على المسلمين كافة ، إلا أن ينهلوا من معينه الأبدي ، ويقبسوا من أنواره الخالدة ، ليتخذوا موقعهم الذي أراده الله لهم في العزة الإيمانية بين الأمم ، والشهادة على الناس مع الزمن ، ومع التطور الحضاري والعلمي .
وها هي المرجعية الشيعية اليوم -كما كانت بالأمس ، وستبقى حتى الأبد- تلتزم هذا النهج ، وتعتبره أصلاً من أصول مقومات وجودها في هذه الحياة ، وركناً من أركان علاقتها مع الشريعة ومع الأمة معاً ، وميزاناً من الموازين الأساسية التي تقاس فيها استقامتها فيما يصدر عنها من مواقف وكلمات ورؤى ، ولعل فيما يراه العالم من مواقف المرجعية الشيعية في الظروف القائمة رغم قسوتها وشدتها على أتباع أهل البيت (ع) أوضح شاهد على هذه الحقيقة .
رحم الله شيخنا الفقيد الراحل ، ورحم الماضين من علماء الأمة ومراجعها العظام ، وحفظ الموجودين منهم ، وسدد خطاهم في إصلاح أمرها ، وتوحيد كلمتها ، وأخذ بأيديهم إلى ما فيه رضاه، إنه أرحم الراحمين .
وأخيراً ، أكرر شكري لإخوة أجلاء ، بذلوا من الجهد والعطاء ما هيأ لنا هذه الفرصة المباركة ، وبارك لهم في خطواتهم باستذكار أبيهم العظيم ، ولقّاهم ثمار برهم به توفيقاً دائماً في حياتهم الدنيا ، وثواباً جزيلاً في الأخرى .
يا من أنوار قدسه لأبصار محبيه رائقة ، وسبحات وجهه لقلوب عارفيه شائقة ، يا منى قلوب المشتاقين ، ويا غاية آمال المحبين ، أسألك حبك ، وحب من يحبك ، وحب كل عمل يوصلني إلى قربك ، وان تجعلك أحب إليّ مما سواك ، وان تجعل حبي إياك قائداً إلى رضوانك ، وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك ، وامنن بالنظر إليك علي ، وانظر بعين الود والعطف إلي ، ولا تصرف عني وجهك ، واجعلني من أهل الإسعاد والحظوة عندك ، يا مجيب ، يا أرحم الراحمين ، وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
|
| |
|
أبو سجاد الرتبــــــة
رقم العضوية : 9 الجنــس : المواليد : 15/05/1973 التسجيل : 19/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 51 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 10278 نقـــــــــاط التقيم : 14107 السٌّمعَــــــــــــــة : 6 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام مشرف منتدى الامام علي عليه السلام
| موضوع: رد: سماحة الشيخ ضياء الدين السبت فبراير 23, 2013 9:31 pm | |
| | |
|
عهد الوفاء الرتبــــــة
رقم العضوية : 44 الجنــس : المواليد : 25/06/1977 التسجيل : 21/01/2013 العمـــــــــــــــــر : 47 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 8799 نقـــــــــاط التقيم : 11721 السٌّمعَــــــــــــــة : 3 علم بلدك : مشرفة الاجتماعيات والكتاب الشيعي
| موضوع: رد: سماحة الشيخ ضياء الدين الأحد فبراير 24, 2013 12:46 am | |
| جزاك الله كل جزاء على الموضوع القيم | |
|