•
الآية 67
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن
لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴿67﴾
بيان:
معنى
الآية في نفسها ظاهر فإنها تتضمن أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتبليغ
في صورة التهديد، ووعده (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعصمة من الناس، غير
أن التدبر في
الآية من حيث وقوعها موقعها الذي وقعت فيه، وقد حففتها الآيات المتعرضة لحال أهل
الكتاب وذمهم وتوبيخهم بما كانوا يتعاورونه من أقسام التعدي إلى محارم
الله والكفر بآياته.
وقد اتصلت بها من جانبيها الآيتان، أعني قوله: ﴿ولو أنهم أقاموا التوراة
والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ الآية،
وقوله تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل
وما أنزل إليكم من ربكم﴾ الآية.
ثم الإمعان في التدبر في نفس
الآية وارتباط الجمل المنضودة فيها يزيد الإنسان عجبا على عجب.
فلو كانت
الآية متصلة بما قبلها وما بعدها في سياق واحد في أمر أهل الكتاب لكان محصلها
أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد الأمر بتبليغ ما أنزله الله
سبحانه في أمر أهل الكتاب، وتعين بحسب السياق أن المراد بما أنزل إليه من
ربه هو ما يأمره بتبليغه في قوله: ﴿قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى
تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم﴾ الآية.
وسياق
الآية يأباه فإن قوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ يدل على أن هذا الحكم المنزل
المأمور بتبليغه أمر مهم فيه مخافة الخطر على نفس النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) أو على دين الله تعالى من حيث نجاح تبليغه، ولم يكن من شأن
اليهود ولا النصارى في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتوجه إليه
من ناحيتهم خطر يسوغ له (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمسك عن التبليغ أو
يؤخره إلى حين فيبلغ الأمر إلى حيث يحتاج إلى أن يعده الله بالعصمة منهم إن
بلغ ما أمر به فيهم حتى في أوائل هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى
المدينة وعنده حدة اليهود وشدتهم حتى انتهى إلى وقائع خيبر وغيرها.
على أن
الآية لا تتضمن أمرا شديدا ولا قولا حادا، وقد تقدم عليه تبليغ ما هو أشد وأحد
وأمر من ذلك على اليهود، وقد أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ
ما هو أشد من ذلك كتبليغ التوحيد ونفي الوثنية إلى كفار قريش ومشركي العرب
وهم أغلظ جانبا وأشد بطشا وأسفك للدماء، وأفتك من اليهود وسائر أهل الكتاب،
ولم يهدده الله في أمر تبليغهم ولا آمنه بالعصمة منهم.
على أن الآيات المتعرضة لحال أهل الكتاب معظم أجزاء سورة
المائدة فهي نازلة فيها قطعا، واليهود كانت عند نزول هذه السورة قد كسرت سورتهم،
وخمدت نيرانهم، وشملتهم السخطة واللعنة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله
فلا معنى لخوف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم في دين الله، وقد
دخلوا يومئذ في السلم في حظيرة الإسلام وقبلوا هم والنصارى الجزية، ولا
معنى لتقريره تعالى له خوفه منهم واضطرابه في تبليغ أمر الله إليهم، وهو
أمر قد بلغ إليهم ما هو أعظم منه، وقد وقف قبل هذا الموقف فيما هو أهول منه
وأوحش.
فلا ينبغي الارتياب في أن
الآية لا تشارك الآيات السابقة عليها واللاحقة لها في سياقها، ولا تتصل بها في سردها، وإنما هي آية مفردة نزلت وحدها.
والآية تكشف عن أمر قد أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إما مجموع
الدين أو بعض أجزائه وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاف الناس من
تبليغه ويؤخره إلى حين يناسبه، ولو لا مخافته وإمساكه لم يحتج إلى تهديده
بقوله: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ كما وقع في آيات أول البعثة الخالية
عن التهديد كقوله تعالى: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ إلى آخر سورة العلق،
وقوله: ﴿يا أيها المدثر قم فأنذر﴾: المدثر: 2، وقوله: فاستقيموا إليه
واستغفروه وويل للمشركين﴾: حم السجدة: 6، إلى غير ذلك.
فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخافهم ولم يكن مخافته من نفسه في جنب
الله سبحانه فهو أجل من أن يستنكف عن تفدية نفسه أو يبخل في شيء من أمر
الله بمهجته فهذا شيء تكذبه سيرته الشريفة ومظاهر حياته، على أن الله شهد
في رسله على خلاف ذلك كما قال تعالى: ﴿ما كان على النبي من حرج فيما فرض
الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا الذين
يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا﴾:
الأحزاب: 39 وقد قال تعالى في أمثال هذه الفروض: ﴿فلا تخافوهم وخافون إن
كنتم مؤمنين﴾: آل عمران - 157، وقد مدح الله سبحانه طائفة من عباده بأنهم
لم يخشوا الناس في عين أن الناس خوفوهم فقال: ﴿الذين قال لهم الناس إن
الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل﴾:
آل عمران: 137.
وليس من الجائز أن يقال: إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخاف على نفسه
أن يقتلوه فيبطل بذلك أثر الدعوة وينقطع دابرها فكان يعوقه إلى حين ليس فيه
هذه المفسدة فإن الله سبحانه يقول له (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ليس لك
من الأمر شيء﴾: آل عمران: 182، لم يكن الله سبحانه يعجزه لو قتلوا النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحيي دعوته بأي وسيلة من الوسائل شاء، وبأي
سبب أراد.
نعم من الممكن أن يقدر لمعنى قوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ أن يكون النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) يخاف الناس في أمر تبليغه أن يتهموه بما يفسد به
الدعوة فسادا لا تنجح معه أبدا فقد كان أمثال هذا الرأي والاجتهاد جائزا
له مأذونا فيه من دون أن يرجع معنى الخوف إلى نفسه بشيء.
ومن هنا يظهر أن
الآية لم تنزل في بدء البعثة كما يراه بعض المفسرين إذ لا معنى حينئذ لقوله
تعالى: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ إلا أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) يماطل في إنجاز التبليغ خوفا من الناس على نفسه أن يقتلوه فيحرم
الحياة أو أن يقتلوه ويذهب التبليغ باطلا لا أثر له فإن ذلك كله لا سبيل
إلى احتماله.
على أن المراد بما أنزل إليه من ربه لو كان أصل الدين أو مجموعة في
الآية عاد معنى قوله: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ إلى نحو قولنا: يا أيها الرسول بلغ الدين وإن لم تبلغ الدين فما بلغت الدين.
وأما جعله من قبيل قول أبي النجم: أنا أبو النجم وشعري شعري.
كما ذكره بعضهم أن معنى الآية: وإن لم تبلغ الرسالة فقد لزمك شناعة القصور
في التبليغ والإهمال في المسارعة إلى ايتمار ما أمرك به الله سبحانه، وأكده
عليك كما أن معنى قول أبي النجم: إني أنا أبو النجم وشعري شعري المعروف
بالبلاغة المشهور بالبراعة.
فإن ذلك فاسد لأن هذه الصناعة الكلامية إنما تصح في موارد العام والخاص
والمطلق والمقيد ونظائر ذلك فيفاد بهذا السياق اتحادهما كقول أبي النجم:
شعري شعري أي لا ينبغي أن يتوهم على متوهم أن قريحتي كلت أو أن الحوادث
أعيتني أن أقول من الشعر ما كنت أقوله فشعري الذي أقول اليوم هو شعري الذي
كنت أقوله بالأمس.
وأما قوله تعالى: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ فليس يجري فيه مثل هذه
العناية فإن الرسالة التي هي مجموع الدين أو أصله على تقدير نزول
الآية في أول البعثة أمر واحد غير مختلف ولا متغير حتى يصح أن يقال: إن لم تبلغ
هذه الرسالة فما بلغت تلك الرسالة أو لم تبلغ أصل الرسالة فإن المفروض أنه
أصل الرسالة التي هي مجموع المعارف الدينية.
فقد تبين أن
الآية بسياقها لا تصلح أن تكون نازلة في بدء البعثة ويكون المراد فيها بما أنزل
إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مجموع الدين أو أصله، ويتبين بذلك
أنها لا تصلح أن تكون نازلة في خصوص تبليغ مجموع الدين أو أصله في أي وقت
آخر غير بدء البعثة فإن الإشكال إنما ينشأ من جهة لزوم اللغو في قوله
تعالى: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ كما مر.
على أن قوله: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ لا يلائم النزول في
أي وقت آخر غير بدء البعثة على تقدير إرادة الرسالة بمجموع الدين أو أصله،
وهو ظاهر.
على أن محذور دلالة قوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخاف الناس في تبليغه على حاله.
فظهر أن ليس هذا الأمر الذي أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكدت
الآية تبليغه هو مجموع الدين أو أصله على جميع تقاديره المفروضة، فلنضع أنه بعض
الدين، والمعنى: بلغ الحكم الذي أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته إلخ، ولازم هذا التقدير أن يكون المراد بالرسالة مجموع ما حمله رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدين ورسالته، وإلا فالمحذور السابق
وهو لزوم اللغو في الكلام على حاله إذ لو كان المراد بقوله: ﴿رسالته﴾
الرسالة الخاصة بهذا الحكم كان المعنى: بلغ هذا الحكم وإن لم تبلغه فما
بلغته، وهو لغو ظاهر.
فالمراد أن بلغ هذا الحكم وإن لم تبلغه فما بلغت أصل رسالته أو مجموعها،
وهو معنى صحيح معقول، وحينئذ يرد الكلام نظير المورد الذي ورده قول أبي
النجم: ﴿أنا أبو النجم وشعري شعري﴾.
وأما كون هذا الحكم بحيث لو لم يبلغ فكأنما لم تبلغ الرسالة فإنما ذلك لكون
المعارف والأحكام الدينية مرتبطة بعضها ببعض بحيث لو أخل بأمر واحد منها
أخل بجميعها وخاصة في التبليغ لكمال الارتباط، وهذا التقدير وإن كان في
نفسه مما لا بأس به لكن ذيل
الآية وهو قوله: ﴿والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾ لا
يلائمه فإن هذا الذيل يكشف عن أن قوما كافرين من الناس هموا بمخالفة هذا
الحكم النازل أو كان المترقب من حالهم أنهم سيخالفونه مخالفة شديدة،
ويتخذون أي تدبير يستطيعونه لإبطال هذه الدعوة وتركه سدى لا يؤثر أثرا ولا
ينفع شيئا وقد وعد الله رسوله أن يعصمه منهم، ويبطل مكرهم، ولا يهديهم في
كيدهم.
ولا يستقيم هذا المعنى مع أي حكم نازل فرض فإن المعارف والأحكام الدينية في
الإسلام ليست جميعا في درجة واحدة ففيها التي هي عمود الدين، وفيها الدعاء
عند رؤية الهلال، وفيها زنى المحصن وفيها النظر إلى الأجنبية، ولا يصح فرض
هذه المخافة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوعد بالعصمة من الله
مع كل حكم حكم منها كيفما كان بل في بعض الأحكام.
فليس استلزام عدم تبليغ هذا الحكم لعدم تبليغ غيره من الأحكام إلا لمكان
أهميته ووقوعه من الأحكام في موقع لو أهمل أمره كان ذلك في الحقيقة إهمالا
لأمر سائر الأحكام، وصيرورتها كالجسد العادم للروح التي بها الحياة الباقية
والحس والحركة، وتكون
الآية حينئذ كاشفة عن أن الله سبحانه كان قد أمر رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بحكم يتم به أمر الدين ويستوي به على عريشة القرار، وكان من المترقب
أن يخالفه الناس ويقلبوا الأمر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث
تنهدم أركان ما بناه من بنيان الدين وتتلاشى أجزاؤه، وكان النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) يتفرس ذلك ويخافهم على دعوته فيؤخر تبليغه إلى حين بعد حين
ليجد له ظرفا صالحا وجوا آمنا عسى أن تنجح فيه دعوته، ولا يخيب مسعاه
فأمره الله تعالى بتبليغ عاجل، وبين له أهمية الحكم، ووعده أن يعصمه من
الناس، ولا يهديهم في كيدهم، ولا يدعهم يقلبوا له أمر الدعوة.
وإنما يتصور تقليب أمر الدعوة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإبطال
عمله بعد انتشار الدعوة الإسلامية لا من جانب المشركين ووثنية العرب أو
غيرهم كأن تكون
الآية نازلة في مكة قبل الهجرة، وتكون مخافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من
الناس من جهة افترائهم عليه واتهامهم إياه في أمره كما حكاه الله سبحانه
من قولهم: ﴿معلم مجنون﴾: الدخان: 14.
وقولهم: ﴿شاعر نتربص به ريب المنون﴾: الطور: 30: وقولهم: ﴿ساحر أو مجنون﴾:
الذاريات: 52 وقولهم: ﴿إن تتبعون إلا رجلا مسحورا﴾: الإسراء: 47 وقولهم:
﴿إن هذا إلا سحر يؤثر﴾: المدثر: 24 وقولهم: ﴿أساطير الأولين اكتتبها فهي
تملى عليه بكرة وأصيلا﴾: الفرقان: 5 وقولهم: ﴿إنما يعلمه بشر﴾: النحل: 130
وقولهم: ﴿أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد﴾: ص: 6 إلى غير ذلك
من أقاويلهم فيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
فهذه كلها ليست مما يوجب وهن قاعدة الدين، وإنما تدل - إذا دلت - على
اضطراب القوم في أمرهم، وعدم استقامتهم فيه على أن هذه الافتراءات والمرامي
لا تختص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يضطرب عند تفرسها ويخاف
وقوعها فسائر الأنبياء والرسل يشاركونه في الابتلاء بهذه البلايا والمحن،
ومواجهة هذه المكاره من جملة أممهم كما حكاه الله تعالى عن نوح ومن بعده من
الأنبياء المذكورين في القرآن.
بل إن كان شيء - ولا بد - فإنما يتصور بعد الهجرة واستقرار أمر الدين في
المجتمع الإسلامي والمسلمون كالمعجون الخليط من صلحاء مؤمنين وقوم منافقين
أولي قوة لا يستهان بأمرهم، وآخرين في قلوبهم مرض وهم سماعون - كما نص عليه
الكتاب العزيز - وهؤلاء كانوا يعاملون مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
- في عين أنهم آمنوا به واقعا أو ظاهرا - معاملة الملوك، ومع دين الله
معاملة القوانين الوضعية القومية كما يشعر بذلك طوائف من آيات الكتاب قد
تقدم
تفسير بعضها في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب.
فكان من الممكن أن يكون تبليغ بعض الأحكام مما يوقع في الوهم انتفاع النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) بتشريعه وإجرائه يستوجب أن يقع في قلوبهم أنه
ملك في صورة النبوة وقانون ملكي في هيئة الدين كما ربما وجد بعض شواهد ذلك
في مطاوي كلمات بعضهم.
وهذه شبهة لو كانت وقعت هي أو ما يماثلها في قلوبهم ألقت إلى الدين من
الفساد والضيعة ما لا يدفعه أي قوة دافعة، ولا يصلحه أي تدبير مصلح فليس
هذا الحكم النازل المأمور بتبليغه إلا حكما فيه توهم انتفاع للنبي (صلى
الله عليه وآله وسلم)، واختصاص له بمزية من المزايا الحيوية لا يشاركه فيها
غيره من سائر المسلمين، نظير ما في قصة زيد وتعدد الأزواج والاختصاص بخمس
الغنائم ونظائر ذلك.
غير أن الخصائص إذا كانت مما لا تمس فيه عامة المسلمين لم يكن من طبعها
إثارة الشبهة في القلوب فإن الإزدواج بزوجة المدعو ابنا مثلا لم يكن يختص
به والإزدواج بأكثر من أربع نسوة لو كان تجويزه لنفسه عن هوى بغير إذن الله
سبحانه لم يكن يمنعه أن يجوز مثل ذلك لسائر المسلمين، وسيرته في إيثار
المسلمين على نفسه في ما كان يأخذه لله ولنفسه من الأموال ونظائر هذه
الأمور لا تدع ريبا لمرتاب ولا يشتبه أمرها لمشتبه دون أن تزول الشبهة.
فقد ظهر من جميع ما تقدم أن
الآية تكشف عن حكم نازل فيه شوب انتفاع للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
واختصاصه بمزية حيوية مطلوبة لغيره أيضا يوجب تبليغه والعمل به حرمان الناس
عنه فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاف إظهاره فأمره الله بتبليغه
وشدد فيه، ووعده العصمة من الناس وعدم هدايتهم في كيدهم إن كادوا فيه.
وهذا يؤيد ما وردت به النصوص من طرق الفريقين أن
الآية نزلت في أمر ولاية علي (عليه السلام)، وأن الله أمر بتبليغها وكان النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) يخاف أن يتهموه في ابن عمه، ويؤخر تبليغها وقتا
إلى وقت حتى نزلت
الآية فبلغها بغدير خم، وقال فيه: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
وكون ولاية أمر الأمة مما لا غنى للدين عنه ظاهر لا ستر عليه، وكيف يسوغ
لمتوهم أن يتوهم أن الدين الذي يقرر بسعته لعامة البشر في عامة الأعصار
والأقطار جميع ما يتعلق بالمعارف الأصلية، والأصول الخلقية، والأحكام
الفرعية العامة لجميع حركات الإنسان وسكناته، فرادى ومجتمعين على خلاف جميع
القوانين العامة لا يحتاج إلى حافظ يحفظه حق الحفظ؟ أو أن الأمة الإسلامية
والمجتمع الديني مستثنى من بين جميع المجتمعات الإنسانية مستغنية عن وال
يتولى أمرها ومدبر يدبرها ومجر يجريها؟ وبأي عذر يمكن أن يعتذر إلى الباحث
عن سيرة النبي الاجتماعية؟ حيث يرى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا
خرج إلى غزوة خلف مكانه رجلا يدير رحى المجتمع: وقد خلف عليا مكانه على
المدينة عند مسيره إلى تبوك فقال: يا رسول الله أ تخلفني على النساء
والصبيان؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) ينصب
الولاة الحكام في ما بيد المسلمين من البلاد كمكة والطائف واليمن وغيرها،
ويؤمر رجالا على السرايا والجيوش التي يبعثها إلى الأطراف، وأي فرق بين
زمان حياته وما بعد مماته دون أن الحاجة إلى ذلك بعد غيبته بالموت أشد،
والضرورة إليه أمس ثم أمس.
قوله تعالى: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ خاطبه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة لكونها أنسب الصفات إلى ما تتضمنه
الآية من الأمر بالتبليغ لحكم الله النازل فهو كالبرهان على وجوب التبليغ الذي تظهره
الآية وتقرعه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الرسول لا شأن له إلا
تبليغ ما حمل من الرسالة فتحمل الرسالة يفرض عليه القيام بالتبليغ.
ولم يصرح باسم هذا الذي أنزل إليه من ربه بل عبر عنه بالنعت وأنه شيء أنزل
إليه، إشعارا بتعظيمه ودلالة على أنه أمر ليس فيه لرسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) صنع، ولا له من أمره شيء ليكون كبرهان آخر على عدم خيرة
منه (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتمانه وتأخير تبليغه، ويكون له عذرا في
إظهاره على الناس، وتلويحا إلى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مصيب في ما
تفرسه منهم وتخوف عليه، وإيماء إلى أنه مما يجب أن يظهر من ناحيته (صلى
الله عليه وآله وسلم) وبلسانه وبيانه.
قوله تعالى: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ المراد بقوله: ﴿رسالته﴾ وقرىء
﴿رسالاته﴾ كما تقدم مجموع رسالات الله سبحانه التي حملها رسوله (صلى الله
عليه وآله وسلم)، وقد تقدم أن الكلام يفيد أهمية هذا الحكم المرموز إليه،
وأن له من المكانة ما لو لم يبلغه كأن لم يبلغ شيئا من الرسالات التي
حملها.
فالكلام موضوع في صورة التهديد، وحقيقته بيان أهمية الحكم، وأنه بحيث لو لم
يصل إلى الناس، ولم يراع حقه كان كأن لم يراع حق شيء من أجزاء الدين
فقوله: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت﴾ جملة شرطية سيقت لبيان أهمية الشرط وجودا
وعدما لترتب الجزاء الأهم عليه وجودا وعدما.
وليست شرطية مسوقة على طبع الشرطيات الدائرة عندنا فإنا نستعمل ﴿إن﴾
الشرطية طبعا فيما نجهل تحقق الجزاء للجهل بتحقق الشرط، وحاشا ساحة النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) من أن يقدر
القرآن في حقه احتمال أن يبلغ الحكم النازل عليه من ربه وأن لا يبلغ، وقد قال تعالى: ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته﴾: الأنعام - 142.
فالجملة أعني قوله: ﴿وإن لم تفعل فما بلغت﴾ إلخ، إنما تفيد التهديد بظاهرها
وتفيد إعلامه (عليه السلام) وإعلام غيره ما لهذا الحكم من الأهمية، وأن
الرسول معذور في تبليغه.
قوله تعالى: ﴿والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾ قال
الراغب: العصم بالفتح فالسكون الإمساك والاعتصام الاستمساك - إلى أن قال -
والعصام بالكسر ما يعتصم به أي يشد، وعصمة الأنبياء حفظه إياهم أولا بما
خصهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية، ثم
بالنصرة وبتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق
قال تعالى: ﴿والله يعصمك من الناس﴾.
والعصمة شبه السوار، والمعصم موضعها من اليد، وقيل للبياض بالرسغ عصمة
تشبيها بالسوار، وذلك كتسمية البياض بالرجل تحجيلا، وعلى هذا قيل: غراب
أعصم، انتهى.
وما ذكره من معنى عصمة الأنبياء حسن لا بأس به غير أنه لا ينطبق على
الآية ﴿والله يعصمك من الناس﴾ بل لو انطبق فإنما ينطبق على مثل قوله: ﴿وما
يغرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان
فضل الله عليك عظيما﴾: النساء: 131.
وأما قوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ فإن ظاهره أنها عصمة بمعنى الحفظ
والوقاية من شر الناس المتوجه إلى نفس النبي الشريفة أو مقاصده الدينية أو
نجاح تبليغه وفلاح سعيه، وبالجملة المعنى المناسب لساحته المقدسة.
وكيف كان فالمتحصل من موارد استعمال الكلمة أنها بمعنى الإمساك والقبض
فاستعماله في معنى الحفظ من قبيل استعارة اللازم لملزومه فإن الحفظ يلزمه
القبض.
وكان تعليق العصمة بالناس من دون بيان أن العصمة من أي شأن من شئون الناس
كتعدياتهم بالإيذاء في الجسم من قتل أو سم أو أي اغتيال، أو بالقول كالسب
والافتراء، أو بغير ذلك كتقليب الأمور بنوع من المكر والخديعة والمكيدة
وبالجملة السكوت عن تشخيص ما يعصم منه لإفادة نوع من التعميم، ولكن الذي لا
يعدو عنه السياق هو شرهم الذي يوجب انقلاب الأمر على النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) بحيث يسقط بذلك ما رفعه من أعلام الدين.
والناس مطلق من وجد فيه معنى الإنسانية من دون أن يعتبر شيء من خصوصياته
الطبيعية التكوينية كالذكورة والأنوثة أو غير الطبيعية كالعلم والفضل
والغنى وغير ذلك.
ولذلك قل ما ينطبق على غير الجماعة، ولذلك أيضا ربما دل على الفضلاء من
الإنسان إذا كان الفضل روعي فيه وجود معنى الإنسانية كقوله تعالى: ﴿إذا قيل
لهم آمنوا كما آمن الناس﴾ أي الذين وجد فيهم معنى الإنسانية، وهو ملاك درك
الحق وتمييزه من الباطل.
وربما كان دالا على نوع من الخسة وسقوط الحال، وذلك إذا كان الأمر الذي
يتكلم فيه مما يحتاج إلى اعتبار شيء من الفضائل الإنسانية التي اعتبرت
زائدة على أصل معنى النوع كقوله: ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾: الروم: 30
وكقولك: لا تثق بمواعيد الناس، ولا تستظهر بسوادهم نظرا منك إلى أن الوثوق
والاستظهار يجب أن يتعلقا بالفضلاء من الإنسان ذوي ملكة الوفاء بالعهد
والثبات على العزيمة لا على من ليس له إلا مجرد صدق اسم الإنسانية، وربما
لم يفد شيئا من مدح أو ذم إذا تعلق الغرض بما لا يزيد على أصل معنى
الإنسانية كقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم
شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾: الحجرات: 13.
ولعل قوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ أخذ فيه لفظ الناس اعتبارا بسواد
الأفراد الذي فيه المؤمن والمنافق والذي في قلبه مرض، وقد اختلطوا من دون
تمايز، فإذا خيف خيف من عامتهم، وربما أشعر به قوله: ﴿إن الله لا يهدي
القوم الكافرين﴾ فإن الجملة في مقام التعليل لقوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾
وقد تقدم أيضا أن
الآية نزلت بعد الهجرة وظهور شوكة، الإسلام وكان السواد الأعظم من الناس مسلمين بحسب الظاهر وإن كان فيهم المنافقون وغيرهم.
فالمراد بالقوم الكافرين قوم هم في الناس مذكوري النعت ممحوي الاسم وعد
الله سبحانه أن يبطل كيدهم ويعصم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من شرهم.
والظاهر أيضا أن يكون المراد بالكفر الكفر بآية من آيات الله وهو الحكم
المراد بقوله: ﴿ما أنزل إليك من ربك﴾، كما في قوله في آية الحج: ﴿ومن كفر
فإن الله غني عن العالمين﴾: آل عمران: 97، وأما الكفر بمعنى الاستكبار عن
أصل الشهادتين فإنه مما لا يناسب مورد
الآية البتة إلا على القول بكون المراد بقوله: ﴿ما أنزل إليك من ربك﴾ مجموع رسالات الدين، وقد عرفت عدم استقامته.
والمراد بعدم هدايته تعالى هؤلاء القوم الكافرين عدم هدايته إياهم في كيدهم
ومكرهم، ومنعه الأسباب الجارية أن تنقاد لهم في سلوكهم إلى ما يرومونه من
الشر والفساد نظير قوله تعالى: ﴿إن الله لا يهدي القوم الفاسقين﴾:
المنافقون: 6، وقوله تعالى: ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾: البقرة: 285،
وقد تقدم البحث عنه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
وأما كون المراد بعدم الهداية هو عدم الهداية إلى الإيمان فغير صحيح البتة
لمنافاته أصل التبليغ والدعوة فلا يستقيم أن يقال: ادعهم إلى الله أو إلى
حكم الله وأنا لا أهديهم إليه إلا في مورد إتمام الحجة محضا.
على أن الله سبحانه قد هدى ولا يزال يهدي كثيرين من الكفار بدليل العيان،
وقد قال أيضا: ﴿والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾: البقرة: 231.
فتبين أن المراد بعدم هداية الكافرين عدم تخليتهم لينالوا ما يهمون به من
إبطال كلمة الحق وإطفاء نور الحكم المنزل فإن الكافرين وكذا الظالمين
والفاسقين يريدون بشامة أنفسهم وضلال رأيهم أن يبدلوا سنة الله الجارية في
الخلقة وسياقة الأسباب السالكة إلى مسبباتها ويغيروا مجاري الأسباب الحقة
الظاهرة عن سمة عصيان رب العالمين إلى غايتهم الفاسدة مقاصدهم الباطلة
والله رب العالمين لن يعجزه قواهم الصورية التي لم يودعها فيهم ولم يقدرها
في بناهم إلا هو.
فهم ربما تقدموا في مساعيهم أحيانا ونالوا ما راموه أوينات واستعلوا
واستقام أمرهم برهة لكنه لا يلبث دون أن يبطل أخيرا وينقلب عليهم مكرهم ولا
يحيق المكر السيىء إلا بأهله، وكذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الباطل
فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
وعلى هذا فقوله: ﴿إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾
تفسير قوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ بالتصرف في سعة إطلاقه، ويكون المراد
بالعصمة عصمته (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن يناله الناس بسوء دون أن
ينال بغيته في تبليغ هذا الحكم وتقريره بين الأمة كأن يقتلوه دون أن يبلغه
أو يثوروا عليه ويقلبوا عليه الأمور أو يتهموه بما يرتد به المؤمنون عن
دينه، أو يكيدوا كيدا يميت هذا الحكم ويقبره بل الله يظهر كلمة الحق ويقيم
الدين على ما شاء وأينما شاء ومتى ما شاء، وفيمن شاء قال تعالى: ﴿إن يشأ
يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا﴾: النساء: 133.
وأما أخذ
الآية أعني قوله: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ بإطلاقه على ما فيه من السعة والشمول فمما ينافيه
القرآن والمأثور من الحديث والتاريخ القطعي، وقد نال (صلى الله عليه وآله وسلم)
من أمته أعم من كفارهم ومؤمنيهم ومنافقيهم من المصائب والمحن وأنواع الزجر
والأذى ما ليس في وسع أحد أن يتحمله إلا نفسه الشريفة، وقد قال (صلى الله
عليه وآله وسلم) كما في الحديث المشهور: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت قط.
بحث روائي:
في
تفسير العياشي، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله
تعالى نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينصب عليا علما في الناس
ليخبرهم بولايته فتخوف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا:
خابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه. قال: فأوحى الله إليه هذه الآية: ﴿يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله
يعصمك من الناس﴾ فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بولايته يوم
غدير خم.
وفيه، عن حنان بن سدير، عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما نزل
جبرئيل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع بإعلان
أمر علي بن أبي طالب (عليه السلام) ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك﴾ إلى آخر
الآية قال: فمكث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثا حتى أتى الجحفة فلم يأخذ
بيده فرقا من الناس. فلما نزل الجحفة يوم غدير في مكان يقال له ﴿مهيعة﴾
فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
من أولى بكم من أنفسكم؟ فجهروا فقالوا: الله ورسوله ثم قال لهم الثانية،
فقالوا: الله ورسوله، ثم قال لهم الثالثة، فقالوا: الله ورسوله. فأخذ بيد
علي (عليه السلام) فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله فإنه مني وأنا منه، وهو مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
وفيه، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أنزل الله على
نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿يا أيها الرسول - بلغ ما أنزل إليك من
ربك - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس - إن الله لا يهدي
القوم الكافرين﴾ قال: فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي
(عليه السلام) فقال: يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان من
قبلي إلا وقد عمر ثم دعاه فأجابه، وأوشك أن أدعى فأجيب، وأنا مسئول وأنتم
مسئولون فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك
فجزاك الله أفضل ما جزى المرسلين، فقال: اللهم اشهد. ثم قال: يا معشر
المسلمين ليبلغ الشاهد الغائب أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي، ألا إن
ولاية على ولايتي عهدا عهده إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه، ثم قال: هل سمعتم؟
ثلاث مرات يقولها فقال قائل: قد سمعنا يا رسول الله.
وفي البصائر، بإسناده عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): في
قوله: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته﴾ قال: هي الولاية.
أقول: وروى نزول
الآية في أمر الولاية وقصة الغدير معه الكليني في الكافي، بإسناده، عن أبي
الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، وروى هذا المعنى الصدوق
في المعاني، بإسناده عن محمد بن الفيض بن المختار، عن أبيه عن أبي جعفر
(عليه السلام) في حديث طويل، ورواه العياشي أيضا عن أبي الجارود في حديث
طويل، وبإسناده عن عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) مختصرا.
وعن
تفسير الثعلبي، قال: قال جعفر بن محمد: معنى قوله: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل
إليك من ربك﴾ في فضل علي، ، فلما نزلت هذه أخذ النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه وعنه، بإسناده عن الكلبي عن
أبي صالح عن ابن عباس: في هذه
الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب، أمر الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أن يبلغ فيه فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من
والاه، وعاد من عاداه.
وفي
تفسير البرهان، عن إبراهيم الثقفي بإسناده عن الخدري، وبريدة الأسلمي ومحمد بن علي: نزلت يوم الغدير في علي.
ومن
تفسير الثعلبي، في معنى
الآية قال: قال أبو جعفر محمد بن علي: معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي.
وفي
تفسير المنار، عن
تفسير الثعلبي: أن هذا القول من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في موالاة علي
شاع وطار في البلاد فبلغ الحارث بن النعمان الفهري فأتى النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) على ناقته، وكان بالأبطح فنزل وعقل ناقته، وقال للنبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) وهو في ملإ من أصحابه يا: محمد أمرتنا من الله أن
نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ثم ذكر سائر أركان
الإسلام ثم لم ترض بهذا حتى مددت بضبعي ابن عمك، وفضلته علينا، وقلت: ﴿من
كنت مولاه فعلي مولاه﴾ فهذا منك أم من الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله
وسلم): والله الذي لا إله إلا هو هو أمر الله، فولى الحارث يريد راحلته،
وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء
أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على
هامته وخرج من دبره، وأنزل الله تعالى: ﴿سأل سائل بعذاب واقع - للكافرين
ليس له دافع﴾ الحديث.
أقول: قال في المنار بعد نقل هذا الحديث ما لفظه: وهذه الرواية موضوعة،
وسورة المعارج هذه مكية، وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش: اللهم إن كان
هذا هو الحق من عندك كان تذكيرا بقول قالوه قبل الهجرة، وهذا التذكير في
سورة الأنفال، وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول
المائدة ببضع سنين، وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلما فارتد ولم
يعرف في الصحابة، والأبطح بمكة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرجع
من غدير خم إلى مكة بل نزل فيه منصرفة من حجة الوداع إلى المدينة، انتهى.
وأنت ترى ما في كلامه من التحكم: أما قوله: (إن الرواية موضوعة، وسورة
المعارج هذه مكية) فيعول في ذلك على ما في بعض الروايات عن ابن عباس وابن
الزبير أن سورة المعارج نزلت بمكة، وليت شعري ما هو المرجح لهذه الرواية
على تلك الرواية، والجميع آحاد؟ سلمنا أن سورة المعارج مكية كما ربما تؤيده
مضامين معظم آياته فما هو الدليل على أن جميع آياتها مكية؟ فلتكن السورة
مكية، والآيتان خاصة غير مكيتين كما أن سورتنا هذه أعني سورة
المائدة مدنية نازلة في آخر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد وضعت فيها
الآية المبحوث عنها أعني قوله تعالى: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾
الآية، وهو كعدة من المفسرين مصرون على أنها نزلت بمكة في أول البعثة، فإذا
جاز وضع آية مكية آية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في سورة مدنية
المائدة فليجز وضع آية مدنية آية: سأل سائل في سورة مكية سورة المعارج.
وأما قوله: (وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش) إلى آخره، فهو في التحكم كسابقه فهب إن سورة الأنفال نزلت قبل
المائدة ببضع سنين فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التأليف بعض الآيات النازلة بعدها
فيها كما وضعت آيات الربا وآية: ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله﴾:
البقرة: 218، وهي آخر ما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندهم في
سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة وقد نزلت قبلها ببضع سنين.
ثم قوله: (إن آية): ﴿وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق﴾، (الآية تذكير لما قالوه قبل الهجرة) تحكم آخر من غير حجة لو لم يكن سياق
الآية حجة على خلافه فإن العارف بأساليب الكلام لا يكاد يرتاب في أن هذا أعني
قوله: ﴿اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو
ائتنا بعذاب أليم﴾ لاشتماله على قوله: ﴿إن كان هذا هو الحق من عندك﴾ بما
فيه من اسم الإشارة وضمير الفصل والحق المحلى باللام وقوله: ﴿من عندك﴾ ليس
كلام وثني مشرك يستهزىء بالحق ويسخر منه، وإنما هو كلام من أذعن بمقام
الربوبية، ويرى أن الأمور الحقة تتعين من لدنه، وأن الشرائع مثلا تنزل من
عنده، ثم إنه يتوقف في أمر منسوب إلى الله تعالى يدعي مدع أنه الحق لا
غيره، وهو لا يتحمل ذلك ويتحرج منه فيدعو على نفسه دعاء منزجر ملول سئم
الحياة.
وأما قوله: (وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلما فارتد ولم
يعرف في الصحابة) تحكم آخر فهل يسع أحدا أن يدعي أنهم ضبطوا أسماء كل من
رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآمن به أو آمن به فارتد؟ وإن يكن شيء
من ذلك فليكن هذا الخبر من ذلك القبيل.
وأما قوله: (والأبطح بمكة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرجع من
غدير خم إلى مكة) فهو يشهد على أنه أخذ لفظ الأبطح اسما للمكان الخاص بمكة
ولم يحمله على معناه العام وهو كل مكان ذي رمل، ولا دليل على ما حمله عليه
بل الدليل على خلافه وهو القصة المسرودة في الرواية وغيرها، وربما استفيد
من مثل قوله: نجوت وقد بل المرادي سيفه.
من ابن أبي شيخ الأباطح طالب.
إن مكة وما والاها كانت تسمى الأباطح.
قال في مراصد الاطلاع: أبطح بالفتح ثم السكون وفتح الطاء والحاء المهملة كل
مسيل فيه رقاق الحصى فهو أبطح، وقال ابن دريد: الأبطح والبطحاء السهل
المنبسط على وجه الأرض، وقال أبو زيد: الأبطح أثر المسيل ضيقا كان أو
واسعا، والأبطح يضاف إلى مكة وإلى منى لأن مسافته منهما واحدة، وربما كان
إلى منى أقرب وهو المحصب، وهي خيف بني كنانة، وقد قيل: إنه ذو طوى، وليس
به، انتهى.
على أن الرواية بعينها رواها غير الثعلبي وليس فيه ذكر من الأبطح وهي ما يأتي من رواية المجمع من طريق الجمهور وغيرها.
وبعد هذا كله فالرواية من الآحاد، وليست من المتواترات ولا مما قامت على
صحتها قرينة قطعية، وقد عرفت من أبحاثنا المتقدمة أنا لا نعول على الآحاد
في غير الأحكام الفرعية على طبق
الميزان العام العقلائي الذي عليه بناء الإنسان في حياته، وإنما المراد بالبحث
الآنف بيان فساد ما استظهر به من الوجوه التي استنتج منها أنها موضوعة.
وفي المجمع: أخبرنا
السيد أبو الحمد قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد
الله الشيرازي قال أخبرنا أبو بكر الجرجاني قال: أخبرنا أبو أحمد البصري
قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار قال: حدثنا
محمد بن أيوب الواسطي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق
عن آبائه قال: لما نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا يوم غدير
خم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فقال فطار، ذلك في البلاد فقدم على
النبي النعمان بن الحارث الفهري فقال: أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله
إلا الله، وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد وبالحج وبالصوم والصلاة والزكاة
فقبلناها، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه
فهذا شيء منك أو أمر من الله تعالى؟ فقال: بلى والله الذي لا إله إلا هو أن
هذا من الله. فولى النعمان بن الحارث وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق
من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله،
فأنزل الله: ﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾.
أقول: وهذا المعنى مروي في الكافي، أيضا.
وعن كتاب نزول القرآن، للحافظ أبي نعيم يرفعه إلى علي بن عامر عن أبي الحجاف، عن الأعمش، عن عطية قال: نزلت هذه
الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي بن أبي طالب ﴿يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ وقد قال الله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم
دينكم - وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾.
وعن الفصول المهمة، للمالكي قال: روى الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه
المسمى بأسباب النزول رفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
نزلت هذه الآية: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ يوم غدير خم في
علي بن أبي طالب: . أقول: ورواه في فتح القدير، عن ابن أبي حاتم وابن
مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وكذلك في الدر المنثور.
وقوله: (بغدير خم) هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم مع التنوين اسم لغيطة
على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيطة، هكذا ذكره
الشيخ محيي الدين النووي.
وفي فتح القدير، أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
إن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته - والله يعصمك من
الناس.
أقول: وهذه نبذة من الأخبار الدالة على نزول قوله تعالى: ﴿يا أيها الرسول
بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ إلخ، في حق علي (عليه السلام) يوم غدير خم، وأما
حديث الغدير أعني قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كنت مولاه فعلي
مولاه) فهو حديث متواتر منقول من طرق الشيعة وأهل السنة بما يزيد على مائة
طريق.
وقد روي عن جمع كثير من الصحابة منهم البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وأبو
أيوب الأنصاري، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وأبو ذر
الغفاري، وعمار بن ياسر، وبريدة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس،
وأبو، هريرة وجابر بن عبد، الله وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعمران بن
الحصين، وابن أبي أوفى، وسعدانة، وامرأة زيد بن أرقم.
وقد أجمع عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ناشد علي (عليه السلام)
الناس بالرحبة في الحديث فقام جماعة من الصحابة حضروا المجلس، فشهدوا أنهم
سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوله يوم الغدير.
وفي كثير من هذه الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
أيها الناس أ لستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال:
من كنت مولاه فعلي مولاه كما في عدة من الأخبار التي رواها أحمد بن حنبل في
مسنده أو رواها غيره، وقد أفردت لإحصاء طرقها والبحث في متنها تأليف من
أهل السنة والشيعة بحثوا فيها بما لا مزيد عليه.
وعن كتاب السمطين، للحمويني بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم): ليلة أسري بي إلى السماء السابعة سمعت نداء من تحت
العرش: أن عليا آية الهدى، وحبيب من يؤمن بي، بلغ عليا (عليه السلام)، فلما
نزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من السماء أنسي ذلك فأنزل الله عز
وجل: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - فإن لم تفعل فما بلغت
رسالته - والله يعصمك من الناس - إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾.
وفي فتح القدير: أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل فبينما
هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال الوارث من بني النجار: لأقتلن
محمدا، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك فإذا أعطانيه
قتلته به، فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفك أشمه فأعطاه إياه فرعدت يده حتى
سقط السيف من يده فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حال الله بينك
وبين ما تريد، فأنزل الله سبحانه: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك﴾
الآية.
أقول: ثم ذكر في فتح القدير، أن ابن حبان أخرجه في صحيحه وأخرجه أيضا ابن
مردويه عن أبي هريرة نحو هذه القصة ولم يسم الرجل، وأخرج ابن جرير من حديث
محمد بن كعب القرظي نحوه، وقصة غورث بن الحارث ثابتة في الصحيح، وهي معروفة
مشهورة انتهى، ولكن الشأن تطبيق القصة على المحصل من معنى الآية، ولن
تنطبق أبدا.
وفي الدر المنثور، وفتح القدير، وغيرهما عن ابن مردويه والضياء في المختارة
عن ابن عباس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل: أي آية أنزلت
من السماء أشد عليك؟ فقال: كنت بمنى أيام موسم فاجتمع مشركوا العرب وإفناء
الناس في الموسم فأنزل علي جبرئيل فقال: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك﴾
الآية. قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ
رسالة ربي وله الجنة؟ أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله وأنا رسول الله
إليكم تفلحوا وتنجحوا ولكم الجنة. قال: فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا
يرمون بالتراب والحجارة، ويبزقون في وجهي ويقولون: كذاب صابىء فعرض علي
عارض فقال: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح
على قومه بالهلاك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم اهد قومي
فإنهم لا يعلمون. فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وجردهم عنه.
أقول: [url=http://www.cofe-iq.com/vb/showthread.php?t=13713] الآية [