روى الحسين بن علوان ، عن أبي عليّ زياد بن رستم ، عن سعيد بن كلثوم قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فمدحه بما هو أهله ثمّ قال :«والله ما أطاق عمل رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم من هذه الأمة غيره ، وإن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنّة والنار يرجوا ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار ممّا كدّه بيده ورشح منه جبينه ، وما كان لباسه إلاّ الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعا بالجلم (1) فقصّه ، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من عليّ بن الحسين ين العابدين عليهم السلام . ولقد دخل أبو جعفر ابنه عليه السلام عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحدٌ ، فرآه قد اصفرّ لونه سن السهر، ورمصت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة ، فقال أبو جعفر عليه السلام : فلك أملك حين رأيته بتلك الحال من ان بكاء ، فبكيت رحمة له ، وإذا هو يفكّر فالتفت إليّ بعد هنيئة من دخولي، فقال يا بنيّ :أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ عليه السلام، فأعطيته فقرأ فيها يسيراً ثمّ تركها من يده تضجّراً وقال : من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2) .
وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا توضّأ اصفرّ لونه فقيل له : ما هذا الذي يغشاك ، فقال : «أتدرون من أتأهّب للقيام بين يديه ؟» (3) .
وروي : أنّه عليه السلام كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة (4).
وعن سفيان الثوري قال : ذكر لعليّ بن الحسين عليهما السلام فضله قال : «حسبنا أن نكون من صالحي قومنا» (5).
وعن الزهري قال : لم ادرك أحداً من هذا البيت أفضل من عليّ بن الحسين عليه السلام (6).
ورويَ أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام رأى يوماً الحسن البصري وهو يقصّ عند الحجر الأسود فقال له عليه السلام : «أترضى يا حسن نفسك للموت ؟».
قال : لا.
قال : «فعملك للحساب ؟ » .
قال : لا .
قال : «فثمّ دار للعمل غير هذه الدار؟» .
قال :لا.
قال : «فللّه في أرضه معاذ غير هذا البيت ؟» .
قال :لا.
قال : «فلم تشغل الناس عن الطواف ؟» (7).
وقيل له : يوماً: إنّ الحسن البصري قال : ليس العجب ممّن هلك كيف هلك وإنّما العجب ممّن نجا كيف نجا ، فقال عليه السلام : «أنا أقول : ليس العجب ممّن نجا كيف نجا، وإنّما العجب ممّن هلك كيف هلك معسعة رحمة الله تعالى» (
.
ورويَ عن طاووس اليمانيّ قال : دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ ابن الحسين عليهما السلام قد دخل فقام يصلّي ، فصلى ما شاء الله ثمّ سجد فقلت : رجل صالح من أهل بيت النبوّة لأستمعن إلى دعائه، فسمعته يقول في سجوده : «عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك ».
قال طاووس : فما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج عنّي (9).
وروى أحمد بن محمد الرافعي ، عن إبراهيم بن عليّ ، عن أبيه قال : حججت مع عليّ بن الحسين عليهما السلام فالتاثت (10) الناقة عليه في مسيرها فاشار إليها بالقضيب ، ثم قال : «آه لولا القصاص» وردّ يده عنها (11)
وعنه قال : حجّ عليّ بن الحسين عليهما السلام ماشياً، فسار عشرين يوماً من المدينة إلى مكّة (12).
وروى أبو محمد الحسن بن محمد العلوي بإسناده قال : وقف على عليّ بن الحسين عليهما السلام رجلٌ من أهل بيته فأسمعه وشتمه ، فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه : «قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا اُحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه» ، قالوا : نفعل .
فاخذ نعليه ومشى وهو يقول : (والكاظِمِينَ الغَيْظَ ) (13) الاية ـ فعملوا أنّه لا يقول شيئاً، قال : فاتى منزل الرجل وصرخ به فخرج الرجل متوثّباً للشرّ فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام : «يا أخي ، إن كنت قد قلت ما فيّ فاستغفر الله منه ، لان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك ».
قال : فقبّل الرجل بين عينيه وقال : بل قلت فيك ما ليس فيك ، وأنا أحق به .
قال الراوي للحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلامُ (14).
وروى عن عليّ بن الحسين عليهما السلام : أنّه دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه ثمّ أجابه في الثالثة، فقال له : «يا بنيّ ، أما سمعت صوتي ؟» .
قال : بلى .
قال : «فما بالك لم تجبني ؟» .
قال : أمنتك .
قال : «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني» (15).
وكانت جارية لعليّ بن الحسين عليهما السلام تسكب عليه الماء فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها فقالت الجارية : إنّ الله تعالى يقول : (والكاظِمِينَ الغَيْظَ ) (16) .
فقال : «كظمت غيظي » .
قالت : (والعافينَ عَنِ النّاسِ ) (17) .
قال : «عفَوت عنك » .
قالت : (وَاللهُ يُحِبّ المُحسِنِين ) (18) .
قال : «إذهبي فانت حرّة لوجه الله تعالى» (19).
وروى عن محمد بن إسحاق بن يسار قال : كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه ، لا يدرون من أين يأتيهم ، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك (20).
والأخبار في هذا المعنى وفيما روي عنه من أنواع العلوم أكثر من أن تحصى ، فلنقتصر على ما ذكرناه .
(1) الجَلَم : ما يقص به الشعر والصوف ، وهو كالمقص . «أنظر: مجمع البحرين 6 : 30».
(2) ارشاد المفيد 2 : 142 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 149 ، كشف الغمة 2 : 85 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 142 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 148 ، كشف الغمة 2 : 86، الطبقات الكبرى 5 : 216 ، حلية الأولياء 3 : 133 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 236 ، سير أعلام النبلاء 4 : 2 39، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 73 | 61 .
(4) انظر: الخصال : 517 | 4 ، ارشاد المفيد 2 : 143 ، روضة الواعظين : 198 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 149 ، كشف الغمة 2 : 86، سير أعلام النبلاء 4 : 392، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 74 | 62 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 143 ، روضة الواعظين : 198 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 164 ،كشف الغمة 2 : 86، الطبقات الكبرى 5 : 214 ، مختصر تاريخ دمشق 17 :235 .
(6) ارشاد المفيد 2 : 144 ، الجرح والتعديل 6 : 179 ، سير أعلام النبلاء 4 : 189 .
(7) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 159 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 78 : 153 |17 .
(
نقله المجلسي في بحار الأنور 78 : 153 | 17 .
(9) ارشاد المفيد 2 : 143 ، روضة الواعظين : 198 ، كشف الغمة : 201 ، تذكرة الخواص.297، كفاية الطالب ج 401 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 235، سير أعلام النبلاء 4 :393 ،الفصول المهمة : 201 .
(10) التأثت الناقة : أي أبطات في سيرها . «مجمع البحرين ـ لوث ـ 2 : 262» .
(11) أرشاد المفيد 2 : 144 ، روضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 155 ،كشف الغمة 2 : 86، الفصول المهمة : 203 .
(12) ارشاد المفيد 2 : 144 ، روضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 :155 ،كشف الغمة 2 : 86 .
(13) آل عمران 3 : 134 .
(14) ارشاد المفيد 2 : 146 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ، مختصر تاريخ دمشق 17 :240، سيرأعلام النبلاء 4 : 397 وفيها مختصراً.
(15) ارشاد المفيد 2 : 147 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ، كشف الغمة 2 : 87 ،مختصر تاريح دمشق 17 : 240 .
(16) آل عمران س : 134 .
(17) أل عمران 3 : 134
(18) آل عمران 3 : 134 .
(19)، أمالي الصدوق : 168 | 12 ، ارشاد المفيد 2 : 147 ، ررضة الواعظين : 199 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 157 ـ 158 ، كشف الغمة : 2 : 87، مختصر تاريخ دمشق 17 : ؟
(20) ارشاد المفيد 2 : 149 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 153 ، كشف الغمة 2 : 87 ، حلية الأولياء 3: 136 ، تهذيب التهذيب 7 : 270 ، مختصر تاريخ دمشق 17 : 238 ، سير اعلام النبلاء 4 : 393 .
كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى ، للشيخ الطبرسي ، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث