السيدة العقيلة زينب التي عاشت وترعرعت في بيت لمهبط الوحي ,وفي ولادتها بكى جبرائيل وهو يبلّغ النبي اسم المولودة ولم يسمِّ أحداً إلا بوحي من الله تعالى.
زينب الكبرى قطب اصحاب الكساء
هي في الفصاحة والتجلّـد حيـدر...ولفاطـمٍ ذاك العفـافُ الأعجـبُ
مَن مثلهـا؟ إلاّ التـي هـي أمّهـا...هي بنت فاطمة، فمن يستغـرب
وحفيـدة الهـادي النبـيّ محمّـدٍ...وكفاهُ فخراً مَـن لأحمـدَ يُنسَـبُ
وأبوها مولى المؤمنيـن ،فمـا تـرى..ستكون زينبُ والأمير هـو الأبُ
أخواها سبطا المصطفى هل مَن لهـا..أَخَـوانِ مثلهمـا بمجـدٍ تُغلَـبُ
لو غيـر فاطمـةٍ تراهـا أنجبـتْ..شمساً كزينبَ عنـد ذاكَ سنعجـبُ
لكنّ هذي الشمس من شمس زهـتْ ..وهل الشموس سوى ضياء تنجبُ
حملـت فضائـل أمّهـا ومصائبـاً.. منهـا الجبـال بحملهـا تتكبكـبُ..
السيدة العقيلة زينب
التي عاشت وترعرعت في بيت لمهبط الوحي ,وفي ولادتها بكى جبرائيل وهو يبلّغ
النبي اسم المولودة ولم يسمِّ أحداً إلا بوحي من الله تعالى. وسأله
النبي(ص) عن سبب بكائه، فكان جوابه بأنّ حياة هذه المولودة سوف تقترن
بالمصائب والمتاعب من بدايتها إلى استشهادها .
و أشار النبي (ص) في
كلامه لفاطمة (ع) إن من بكى على ابنتها كمن بكى على أخويها الحسن والحسين،
فقد أنزل بذلك حفيدته "الأنثى" منزلة أخويها الإمامَيْن المعصومَيْن في
نصيبها من الكمال الإنساني.
وليس عجباً من زينب أن
تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة النبوية، والأرومة الهاشمية،
جدّها رسول الله، وأبو الوصي، وأمها البتول، وأخواها لأمها وأبيها الحسنان،
ولا بدع أن جاء الفرع على منهاج أصله.
و حفيدة الرسول زينب سلام الله عليها كأبيها وأخيها في عظيم إيمانها وانقطاعها إلى الله.
لقد عاصرت كل المحن
والمصائب التي وقعة على بيت الرسالة والامامة ,وحق لها أن تسمى أم المصائب
.فقد كانت شاهدا وحاضرافي مصيبة استشهاد جدها الرسول الاعظم (صلى الله عليه
واله وسلم ) .وشاهدت مصيبة استشهاد أمها البتول الزهراء (ع) .فسمعت زينب
أنين والدتها قبيل إستشهادها مخاطبة أباها: "صبت علي مصائب لو أنها صبت على
الأيام صرن لياليا."
. ومصيبة استشهاد
أبيها أمير المؤمنين (ع). ومصيبة شهادة أخيها الحسن بالسم . والمصيبة
العظمى قتل أخيها الحسين (ع) من البداية حتى النهاية ...
والمحنة والمصيبة رافقت العقيلة زينب بشكل متسلسل .وكل مصيبة ومحنة باسلوب اقوى واشد من الاخرى .فالعدو استخدم اساليب مختلفة في جرائمه ضد العترة الطاهرة .
والمخدرة العقيلة جبلا
شامخ ,ومدرسة رسالية متكاملة من أجل الدفاع عن الإسلام ومقارعة الظلم
والتحريف والجاهلية الأموية التي أرادت الإنقلاب على الإسلام وتحريفه.
ومواقف تلو المواقف لهذه السيدة الطاهره , لاتنحصر في مقال اوبحث ,فتحتاج لمجلدات ,فنكتب مرورا على بعض المواقف التي تحتاج الى تأمل .
في ليلة العاشر من
محرم كان الامام الحسين (عليه السلام) جالس أمام خيمته، إذ خفق برأسه على
ركبتيه، وسمعت الصيحة أخته زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (سلام الله عليهم
) فادنت من أخيها وقالت: يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟
فرفع الامام الحسين (ع) رأسه وقال: أخيّة: أتى رسول الله الساعة في المنام فقال لي: إنك تروح إلينا.
فلطمتْ أخته وجهها وصاحت: واويلاه،
فقال لها الامام الحسين(ع) : ليس الويل لك يا أخيّة، ولا تُشمتي القوم بنا، اسكتي رحمك الله.
ماذا نلاحظ في الرواية ؟
خبر رؤيا صادره عن امام معصوم .
من هو اول من سمع بهذا الخبر ؟
ومن هو قائل الخبر ؟
فالقائل شاهد الخبر ,والسامع هي قطب اصحاب الكساء السيدة زينب .
فلماذا اول من يسمع الخبر على لسان المعصوم السيدة العقيلة ؟
والجواب ان الحوراء الانسية مكلفة بمهام الالهية لتكون موضع سر الله تعالى ,واللسان
الناطق عن الامامة ,لها (سلام الله عليها ) مهام وادواركثيرة منها تبليغية
,و لتكون شاهدا مع شهادة الائمة المعصومين (عليهما السلام) الامام الحسين (عليه السلام) ,والامام زين العابدين (عليه السلام).
فهذه الادوار والوظيفة
خاصة ,اذا تأملنا فيها لوجدناها مهام الانبياء والائمة ,ورغم ان السيدة
الهاشمية ليس بنبي او امام ,لكنها بمنزلة الانبياء والائمة حسب ماورد في
الاخبار التي منها ذكر اسمها في الولادة بامر الالهي على لسان ودمعة
جبرائيل (عليه السلام) ,ثم بكاء النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) .
ولناخذ باختصار بعض الشواهد من واقعة الطف وما بعدها التي تبين دورها المقدس ,ومهامها المقدسة :
1-عاد الإمام الحسين
(عليه السلام) إلى المخيم يوم عاشوراء وهو منحني الظهر ، وإذا بعقيلة بني
هاشم زينب الكبرى ( عليها السلام ) إستقبلَتهُ بِعبدِ الله الرضيع (عليه
السلام) قائلةً : أخي ، يا أبا عبد الله ، هذا الطفل قد جفَّ حليب أُمِّه ،
فاذهب به إلى القوم ، عَلَّهُم يسقوه قليلاً من الماء .
وهنا تنفذ طلب السيدة المخدرة ,وقد استشهد باب الحوائج عبد الله الرضيع .
2-وفي استشهاد علي الاكبر عن حميد بن مسلم الأزدي - جاء هذا القول
(وكأني
أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة، تنادي يا أُخيّاه، ويا
ابن أخاه.. قال فسألت عنها، فقيل لي هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم)).وقال الطبرسي خرجت زينب تصيح يا ابن أخاه..
وكانت زينب الكبرى (عليها السلام) تراقب المعركة عن كثب، فلما سقط علي
الأكبر وسمعت صوته، خرجت تنادي: يا حبيباه، يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه،
فأقبلت حتى وصلت إلى جثمان الشهيد فانكبت عليه، فجاء الحسين (عليه السلام)
فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط. . فأخذ الإمام بيدها وأرجعها إلى الخيمة
.شهاده اخرى للحوراء الانسية .
3-وبعد الطف اثناء
السبي كانت المهة اوسع واشمل ,فخطابات السيدة زينب (عليها السلام) خير دليل
على المهمة ,ونذكر باختصار منها : تقول سيدتي الحوراء زينب مخاطبة
يزيد(عليه اللعنه ) في مجلسة في الشام :" فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت
وحينا ....
والعبارة الواردة مصداق لقولنا ,فلم تقل لاتمحو ذكر اخي ,او ذكرهم ,او ذكري ,بل قالة ذكرنا ووحينا .
4-وفي ختام واقعة الطف
بكربلاء ,وفي اللقاء الاخير مع الجسد الطاهر لسيد الشهداء ابي عبد الله
الحسين (عليه السلام) وقفت العقيلة الهاشميّة زينب أُخت الإمام الحسين
(عليه السلام) تنادي في عرصات كربلاء بصوت حزين، وقلب كئيب: (وامحمّداه!
صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينٌ بالعراء، مرمّلٌ بالدماء، مقطّع الأعضاء،
واثكلاه، وبناتك سبايا! إلى الله المشتكى. ووقفت على جثمان شقيقها الذي
مزّقته سيوف الشرك، وهو جثة هامدة بلا رأس، فرمقت السماء بطرفها، وقالت
كلمتها الخالدة التي دارت مع الفلك وارتسمت فيه: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان).
هذه الكلمة لوحدها تبين لنا ايمان قطب اصحاب الكساء العقيلة المخدرة ,ومنها بدأت المهام والادوار التكليفية الاخرى .
فكان اخر ماحدث في
حياة السيدة العقيلة ان الأمويين نفوا السيدة زينب عليها السلام من المدينة
المنورة إلى قرية من قرى الشام، حتى استشهدت هناك ودفنت حيث مرقدها الآن،
وان أعداء أهل البيت (عليهم السلام) من بني أمية قد دسوا السم إلى عقيلة
بني هاشم زينب (عليها السلام) فقضت نحبها مسمومة شهيدة، وذلك لما كانوا
يرونه في حياتها من الخطر على عروشهم.
واليوم عندما نذكر
السيدة زينب الكبرى تذرف الدموع لوحدها ,لعلنا ان نواسي من يبكي بدل الدموع
دما .فقد روي العالم الواعظ الحاج ملا سلطان علي التبريزي قائلاً : تشرفت
في عالم الرؤيا برؤية حضرة الامام بقية الله (ارواحنا لتراب مقدمه له فداء ).
فقلت له: مولاي: يذكر
في زيارة الناحيه المقدسه انكم تقولون في مخاطبة جدكم الغريب الامام الحسين
(عليه السلام ): فلأندبنك صباحاً ومساءً ولأبكين عليك بدل الدموع دما, هل
هذا صحيح؟؟
فقال (عليه السلام) : نعم هذا صحيح.
فقلت: اي مصيبة هي التي تبكي عليها بدل الدموع دما؟ اهي مصيبة علي الاكبر؟
فقال:: لا ... لوكان علي الأكبر حيا , لبكى هو ايضا على هذه المصيبه دماً.
قلت: اهي مصيبة العباس؟
قال:: لا ... بل لو كان العباس حياً , لبكى دماً عليها ايضا.
قلت: هي مصيبة سيد الشهداء اذن؟
قال:: لا.. بل لوكان سيد الشهداء حياً , لبكى دماًً عليها ايضاً.
قلت:: اذن ياسيدي ويامولاي ايي مصيبة تلك التي تبكي عليها بدل الدموع دماً .
قال:: أن هذه المصيبه هي, سبي عمتي زينب عليها السلام بعد مقتل الحسين والعباس..
السيدة زينب بنت عقيل تخاطب المسلمين بهذا العزاء قائلة :ـ وا محمداه ! وا حسيناه ! وا إخوتاه ! وا اُهيلاه !
مـاذا تـقولونَ إذ قـالَ النبي لكمْ .... مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـرُ الأُممِ
بـعترتي و بـأهلي بـعدَ مفتقدي.... مـنهم أُسارى ومنهم ضُرّجوا بدمِ .
ما كانَ هذا جزائي إذ نصحتُ لكمْ.. أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي.
فأجابها أبو الأسود
وهو غارق في البكاء يقول : ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، وعلاه
الجزع وراح يقول :
أقولُ وزادني حنقاً وغيظاً ... أزالَ اللهُ مـلكَ بني زيادِ
وأبعدهم كما بعدوا وخافوا .. كما بعدت ثمودُ وقومُ عادِ
ولا رجعت ركائبهم إليهمْ .. إذا وقفت إلى يومَ التناد 7. .
واما عندما ادخلوا الرؤوس على عدو الله تعالى .وكان راس الامام الحسين (عليه
السلام ) يتقدم تلك الرؤوس , فرأت السيدة زينب رأس أخيها فنطحت رأسها
بمقدَّم المحمل حتى رؤي الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت
تقول:
يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا
غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهَّمتُ يا شقيق فؤادي
كان هذا مقدَّراً مكتوبا
وخلدت عقيلة آل أبي
طالب إلى البكاء على انقراض أهلها 8 وكانت لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر عن
البكاء ، وكانت كلّما نظرت إلى ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه
السّلام) يزداد وجيبها وحزنها ، وقد نخب الحزن قلبها الرقيق المعذّب حتّى
صارت كأنّها صورة جثمان فارقته الحياة .
فسلاما عليك يا بِنْتَ
الْمُظَلَّلِ بِالْغَمامِ سَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ وَمَوْلَى الثَّقَلَيْنِ
وَشَفِيعِ الأُمَّةِ يَوْمَ الْمَحْشَرِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ سَيِّدِ اْلأَوْصِياءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ
يا بِنْتَ إِمامِ اْلأَتْقِيآءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رُكْنِ
الأَوْلِياءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ عِمادِ اْلأَصْفِيآءِ
وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.