البصر يقال للجارحة الناظرة، نحو قوله تعالى: ﴿كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾
النحل/77، و﴿وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ﴾ الأحزاب/10، وللقوة التي فيها،
ويقال لقوة القلب المدركة: بصيرة وبصر، نحو قوله تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ
غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ ق/22، وقال: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ
وَمَا طَغَى﴾ النجم/17، وجمع البصر أبصار، وجمع البصيرة بصائر، قال تعالى:
﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ﴾ الأحقاف/26، ولا
يكاد يقال للجارحة بصيرة، ويقال من الأول: أبصرت، ومن الثاني: أبصرته
وبصرت به (انظر: الأفعال 4/69)، وقلما يقال بصرت في الحاسة إذا لم تضامه
رؤية القلب، وقال تعالى في الأبصار: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا
يُبْصِرُ﴾ مريم/42، وقال: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ السجدة/12،
﴿وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ يونس/43، ﴿وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ
يُبْصِرُونَ﴾ الصافات/179، ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ طه/96
ومنه: ﴿أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾
يوسف/108 أي: على معرفة وتحقيق. وقوله: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ
بَصِيرَةٌ﴾ القيامة/14 أي: تبصره فتشهد له، وعليه من جوارحه بصيرة تبصره
فتشهد له وعليه يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ
أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ﴾ النور/24. والضرير يقال له: بصير على سبيل
العكس، والأولى أن ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه، ولهذا
لا يقال له: مبصر وباصر، وقوله عز وجل: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ الأنعام/103 حمله كثير من المفسرين على
الجارحة، وقيل: ذلك إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام، كما قال أمير
المؤمنين رضي الله عنه: (التوحيد أن لا تتوهمه) (انظر تفسير الرازي 1/281)
وقال: (كل ما أدركته فهو غيره).
والباصرة عبارة عن الجارحة الناظرة، يقال: رأيته لمحا باصرا (في المثل:
لأرينك لمحا باصرا، يضرب في التوعد. المستقصى 2/237)، أي: نظرا بتحديق، قال
عز وجل: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ النمل/13،
﴿وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ الإسراء/12 أي: مضيئة للأبصار
وكذلك قوله عز وجل: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾
الإسراء/59، وقيل: معناه صار أهله بصراء نحو قولهم: رجل مخبث (قال ابن
منظور: والمخبث: الذي أصحابه وأعوانه خبثاء، وهو مثل قولهم: فلان ضعيف مضعف
وقوي مقو) ومضعف، أي: أهله خبثاء وضعفاء، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ
لِلنَّاسِ﴾ القصص/43 أي: جعلنا عبرة لهم، وقوله: ﴿وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ
يُبْصِرُونَ﴾ الصافات/179 أي: انظر حتى ترى ويرون، وقوله عز وجل:
﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ العنكبوت/38 أي: طالبين للبصيرة. ويصح أن
يستعار الاستبصار للأبصار، نحو استعارة الاستجابة للإجابة، وقوله عز وجل:
﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، تَبْصِرَةً﴾ ق/7 - 8 أي:
تبصيرا وتبيانا. يقال: بصرته تبصيرا وتبصرة، كما يقال: قدمته وتقدمه،
وذكرته تذكيرا وتذكرة، قال تعالى: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا،
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ
يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ المعارج/10 - 11 أي: يجعلون بصراء بآثارهم، يقال:
بصر الجرو: تعرض للإبصار لفتحه العين (وفي اللسان: وبصر الجرو تبصيرا: فتح
عينه).
والبصرة: حجارة رخوة تلمع كأنها تبصر، أو سميت بذلك لأن لها ضوءا تبصر به
من بعد. ويقال له بصر، والبصيرة: قطعة من الدم تلمع، والترس اللامع،
والبصر: الناحية، والبصيرة ما بين شقتي الثوب، والمزادة ونحوها التي يبصر
منها، ثم يقال: بصرت الثوب والأديم: إذا خطت ذلك الموضع منه.