بشار
مدير عام المنتدى رقم العضوية : 1 الجنــس : المواليد : 11/05/1992 التسجيل : 07/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 32 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 3576 نقـــــــــاط التقيم : 7183 السٌّمعَــــــــــــــة : 29 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام _البوابة مدير المنتدى
| موضوع: في إمامة المذهب الشيعي الأربعاء أبريل 17, 2013 3:38 pm | |
| المبحث الأول في إمامة المذهب المراجعة ـ 4 * قال السيد رحمة الله تعالى عليه : 1 ـ إن تعبدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري ، وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصب ، ولا للريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب ، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علما وعملا. لكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمة من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل. أقول : * الأشعري هو : أبو الحسن علي بن إسماعيل.. من ذرية أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري. قال الذهبي : « مات ببغداد سنة 324. حط عليه جماعة من الحنابلة والعلماء ، وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك ، إلا من عصم الله تعالى. اللهم اهدنا وارحمنا » (1). قال : « وقد ألف الأهوازي جزءا في مثالب ابن أبي بشر ، فيه أكاذيب ، وجمع أبوالقاسم في مناقبه فوائد بعضها أيضا غير صحيح » (2). ____________ (1) سير أعلام النبلاء 15 | 86. (2) سير أعلام النبلاء 15 | 89. -------------------------------------------------------------------------------- قال : « فقيل : إن الأشعري لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري فجعل يقول : رددت على الجبّائي ، رددت على المجوس ، وعلى النصارى. فقال أبو محمد : لا أدري ما تقول ، ولا نعرف إلا ما قاله الإمام أحمد. فخرج وصنف الإبانة ، فلم يقبل منه » (1). * والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة مذكورة في كتبنا المعدة لهذا الشأن ، وسيأتي ذكر بعض ما هو المتفق عليه منها ، إن شاء الله تعالى. فإن مفادها وجوب اتباع الأئمة من أهل البيت في جميع الشؤون ، والمنع عن تباع غيرهم مطلقا. كما أن وصف الأئمة عليهم السلام بالأوصاف التي وصوفوا بها في عبارة السيد موجود في كتبنا ، وفي كتب القوم. وسنذكر الحديث الوارد من طرقهم في ذلك. قيل : كلامه في هذه المراجعة يوحي بأن أئمة المذاهب الأربعة يناصبون أئمة أهل البيت العداء ، ويسيرون على غير مذهبهم ، ويشير إلى أن أهل السنة قد خالفوا الأئمة من آل محمد. أقول : أما أن كلام السيد يوحي بأن « أئمة المذاهب الأربعة » يناصبون العداء لأئمة أهل البيت. فإن كان المراد خصوص « الأئمة الأربعة » فكلام السيد لا يوحي ذلك ، وإن كان مالك بن أنس معدودا في الخوارج ـ كما في بعض المصادر (2) ـ ، وهم أعداء أمير المؤمنين عليه السلام. وإن كان المراد سائر ____________ (1) سير أعلام النبلاء 15 | 90. (2) الكامل ـ للمبرد ـ 1 | 159. --------------------------------------------------------------------------------
أئمة المذاهب الأربعة فقد كان بينهم من يناصب العداء لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وأما أن كلامه يوحي بأن « الأئمة الأربعة » يسيرون على غير مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وأنه يشير غلى أن أهل السنة قد خالفوا الأئمة... فهذا واضح جدا ولا سبيل إلى إنكاره. لأن أئمة المذاهب يدعون لأنفسهم الاجتهاد في الدين ، فيفتون ويعملون بما يرتأون ، فهم يسيرون على مذاهبهم ، وهي مغايرة لمذهب أهل البيت في كثير من المسائل ، ويتبعهم جمهور أهل السنة لكونهم ـ في الأغلب ـ مقلدين لهم... قال ابن تيمية : « وأما الكتاب المنقول عن علي ففيه أشياء لم يأخذ بها أحد من العلماء » (1). قال : « وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي كتابا كبيرا في ما لم يأخذ به المسلمون من قول علي ، لكون قول غيره من الصحابة أتبع للكتاب والسنة !! » (2). وقال السبكي بترجمة المروزي نقلا عن أبي إسحاق الشيرازي : « وصنف كتابا في ما خالف فيه أبو حنيفة عليا وعبد الله رضي الله عنهما » (3). فهذا بالنسبة إلى مخالفة الأئمة وأتباعهم لأهل البيت عليهم السلام. لكن في القوم من بقايا بني أمية وأشياعهم من يتفوه بأشياء واضحة الدلالة على النصب والعداء ، ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) (4). * وإلا فما معنى قول أحدهم : ____________ (1) منهاج السنة 4 | 217. (2) منهاج السنة 4 | 217. (3) طبقات الشافعية 2 | 247. (4) سورة آل عمران 3 : 118. -------------------------------------------------------------------------------- « إن الغاية من الخلافة هي إصلاح الأمة وهدايتها ، وخلافة المرتضى لم تحقق هذه الغاية ، ولم يكن من واجب الأئمة أن تناضل تحت رايته كما كانت مأمورة بذلك في عصر من سبقه. ولقد وجدنا ـ كما دلت الأحاديث ـ انقطاع العناية الربانية عن الأمة في عصره بعد استمرارها في عصرهم... » !! « وإن من أعظم أنواع الورع ترك المقاتلات بين المسلمين كما كان من الشيخين ، بخلاف المرتضى » !! « وإن النبي إنما شرّف المرتضى بشرف الأخوّة ، لحزنه ، وبكائه ، لا لشيء آخر » !! (1). * وما معنى قول الآخر في سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام : « قتل بسيف جده » !! قال العلامة المنّاوي : « وقد غلب على ابن العربي الغض من أهل البيت حتى قال : قتل بسيف جده » (2). وما معنى قول ثالث في الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام : « في نفسي منه شيء » !! (3). * وما معنى قول رابع في الإمام موسى بن جعفر عليه السلام : « يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه » (4). * وما معنى قوله في الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام : « يروي عن أبيه العجائب » (5). ____________ (1) قرة العينين ـ لشاه ولي الله ـ : 150 ـ 152. (2) فيض القدير 1 | 205. (3) الكاشف 1 | 186 عن القطان. (4) تهذيب التهذيب 2 | 104 عن ابن حبان. (5) تهذيب التهذيب 7 | 388 عن ابن حبان. -------------------------------------------------------------------------------- * وما معنى قول خامس في الإمام الحسن العسكري عليه السلام : « ليس بشيء » (1). ففي القوم من يقول ـ أو يرتضي أن يقال ـ مثل هذه الأشياء في أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ومع ذلك يدعي بعضهم أنهم هم المقتدون بأهل البيت والمتمسكون بحبل ودادهم. لكنهم إذا ما نقل الشيعي عن تاريخ ابن خلكان وغيره : أن مالكا ـ أحد الأئمة الأربعة ـ بقي في بطن اُمّه ثلاث سنين... قالوا : لماذا نقل هذا ؟! وإذا كان الناقلون لهذه القضية : قاضي القضاة ابن خلكان الشافعي ، وحافظ المغرب ابن عبد البر المالكي ، والمؤرخ الشهير ابن قتيبة.. وأمثالهم ، فما ذنب الشيعي إذا نقلها عنهم ؟! بل لقد حكى الحافظ الذهبي ذلك ولم يتعقبه بشيء ، فقال : « قال معن والواقدي ومحمد بن الضحاك : حملت أم مالك بمالك ثلاث سنين. وعن الواقدي قال : حملت به سنتين » (2). وقال : « قال معن القزاز وجماعة : حملت بمالك أمه ثلاث سنين » (3). وقال الحافظ المالكي القاضي عياض في كتابه المؤلف في فضائل مالك وعلماء مذهبه : « باب في مولد مالك ـ رحمه الله تعالى ـ والحمل به ومدة حياته ووقت وفاته » : « واختلف في حمل أمه به ، فقال ابن نافع الصائغ والواقدي ومعن ومحمد ابن الضحاك : حملت به أمه ثلاث سنين وقال نحوه بكّار بن عبد الله الزبيري وقال : أنضجته ـ والله ـ الرحم. وأنشد الطرماح :
تضن بحملنا الأرحام حتى * تنضجنـا بطون الحاملات ____________ (1) اللآلي المصنوعة 1 | 396 ، الموضوعات 1 | 415. (2) سير أعلام النبلاء 8 | 132. (3) العبر في خبر من غبر 1 | 210 -------------------------------------------------------------------------------- قال ابن المنذر : وهو المعروف. وروي عن الواقدي أيضا : « إن حمل أمه به سنتان. قاله عطاف بن خالد » (1). هذه كلمات أئمة القوم ، وفيهم رؤساء أتباع مالك ، كالقاضي عياض وابن عبد البر. والسيد رحمه الله لم يقل إلا : « ذكر ابن خلكان في أحوال مالك من وفيات الأعيان : إن مالكا بقي جنينا في بطن أمه ثلاث سنوات. ونص على ذلك ابن قتيبة حيث ذكر مالكا في أصحاب الرأي من كتابه ( المعارف ) ص 170 ، وحيث أورد جماعة زعم أنهم قد حملت بهم أمهاتهم أكثر من وقت الحمل ، صفحة 198 من ( المعارف ) أيضا ». فقيل : « ليس في وفيات الأعيان في ترجمة مالك ما ادعى المؤلف ، بل فيه : وقال ابن السمعاني في كتاب الأنساب في ترجمة الأصبحي : إنه ولد في سنة ثلاث أو أربعة وتسعين. والله أعلم بالصواب ». أقول : جاء في « وفيات الأعيان » بترجمة مالك : « وكانت ولادته في سنة خمس وتسعين للهجرة ، وحمل به ثلاث سنين. وتوفي في شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ، رضي الله عنه ، فعاش أربع وثمانين سنة. وقال الواقدي : مات وله تسعون سنة. وقال ابن الفرات في تاريخه المرتب على السنين : وتوفي مالك بن أنس الأصبحي لعشر ____________ (1) ترتيب المدارك 1 | 111. --------------------------------------------------------------------------------
مضين من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة. وقيل : إنه توفي سنة ثمان وسبعين ومائة. وقيل : إن مولده سنة تسعين للهجرة. وقال السمعاني في كتاب ( الأنساب ) في ترجمة الأصبحي : إنه ولد في سنة ثلاث أو أربع وتسعين. والله أعلم بالصواب » (1). فلماذا التكذيب والإنكار ؟! * قال السيد رحمه الله : 2 ـ على أنه لا دليل للجمهور على رجحان شيء من مذاهبهم فضلا عن وجوبها... وما أظن أحدا يجرؤ على القول بتفضيلهم ـ في علم أو عمل ـ على أئمتنا ، وهم أئمّة العترة الطاهرة... أقول : مضافا إلى : 1 ـ أن الأئمة الأربعة تنتهي علومهم إلى أئمة العترة. 2 ـ أن تفضيلهم على غيرهم من أئمة المذاهب السنية غير معلوم. 3 ـ أنه قد وقع الكلام فيما بين أهل السنة أنفسهم حول الأئمة الأربعة علما وعملا. * قال السيد : 3 ـ على أن أهل القرون الثلاثة مطلقا لم يدينوا بشيء من تلك المذاهب أصلا.. ولاشيعة يدينون بمذهب الأئمة من أهل البيت ـ وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ وغير الشيعة يعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعين... ____________ (1) وفيات الأعيان 4 | 139. -------------------------------------------------------------------------------- قيل : « قوله : وأهل البيت أدرى بالذي فه حجر على عباد الله وتضييق عليهم أن يعلموا... ». أقول : أما أن أهل البيت أدرى بالذي فيه ، فلا يمتري فيه أحد ، لأنه مقتضى كونهم « أهل البيت ». ومقتضى كونهم « أدرى » أن يكونوا الأولى بالاقتداء والاتباع لمن يريد الوصول إلى « الذي فيه » وإلا لزم ترجيح المفضول ، وهو قبيح عند ذوي الالباب والعقول. وقد نص الأئمة الشارحون للحديث على هذا المعنى ، ونكتفي بعبارة القاري إذ قال في شرحه في « المرقاة في شرح المشكاة » : « الأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله... » وستأتي عبارته كاملة. وأما أن غير الشيعة يعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعين ، فهذا ما لا يخفى على من راجع سير الصحابة والتابعين وأخبارهم ، ولاحظ كتب غير الشيعة وأسفارهم.. وقد أورد السيد ـ رحمه الله ـ موارد كثيرة من تلك المذاهب ، وبيّن كيفيه مخالفتها للنصوص الشرعية الواجب العمل بها.. في كتابه « النص والاجتهاد » المطبوع غير مرة ، المنتشر في سائر البلاد... * قال السيد : 4 ـ وما الذي أرتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في القرون الثلاثة متوحا على مصراعيه..؟!
--------------------------------------------------------------------------------
قيل : « نرى المؤلف ف هذه الفقرة قد خرج عن القضية الأساسية في النقاش ، وأثار قضايا فرعية مثل قضية فتح باب الاجتهاد ، وهي قضية خلافية ليس بين السنة والشيعة ، بل بين أهل السنة أنفسهم... ». أقول : لم يجب الرجل عن سؤال السيد ! أما أن أهل السنة عادوا في هذه العصور يدعون إلى فتح باب الاجتهاد فذاك رد قطعي على أئمتهم السابقين الذين غلقوه ، وإن كان في القرون الماضية فيهم من يرد على سد باب الاجتهاد بشدة ، حتى ألف الحافظ السيوطي رسالة : « الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض » هذا ، وقد ثبت تاريخيا أن الحكم في القرن السابع بسد باب الاجتهاد وانحصار المذاهب في الاربعة المعروفة إنما كان استجابة لأمر الحكام الذين ارتأوا ذلك لأغراض سياسية ، وللتفصيل في هذه القضية مجال آخر. * قال السيد : 5 ـ هلم بنا إلى المهمة التي نبهتنا إليها من لم شعث المسلمين... أقول : ذكر السيد في جواب الشيخ نقطتين مهمتين للوصول إلى تلك المهمة : الأولى : أن لم شعث المسلمين ليس موقوفا على عدول الشيعة عن مذهبهم ، ولا على عدول السنة عن مذهبهم. وفي هذا رد لى بعض الكُتاب المعاصرين من أهل السنة ، وقول
-------------------------------------------------------------------------------- بعضهم بأن المهمة لا تتحقق إلا بعدول الشيعة عن مذهبهم ، وقول البعض الآخر : بأن الشيعة يريدون من أهل السنة العدول عن مذهبهم بحجة تحقيق لم شعث المسلمين. والثانية : إن تكليف الشيخ وغيره الشيعة بالأخذ بمذاهب الجمهور ، وعدولهم عن مذهبهم ـ لو دار الأمر بين عدولهم وعدول الجمهور ـ في غير محله ، لأن توجيه التكليف بذلك ـ في الفرض المذكور ـ إلى أحدهما دون الآخر يحتاج إلى مرجح ، وتكليف الشيعة دون غيرهم ترجيح بلا مرجح ، بل ترجيح للمرجوح ، بل تكليف بغير المقدور. نعم ، لا ريب في أن أهل السنة أكثر عددا من الشيعة ، ولكن الأكثرية العددية لا تكون دليلا على الحقية فضلا عن الأحقية ، وإلا لزم أن يكون الحق مع غير المسلمين ، لأنهم أكثر عددا منهم في العالم ، وهذا باطل ، مضافا إلى الأدلة والشواهد من الكتاب والسنة. قيل : « ولم لا تكون المقابلة كاملة ، فيكون تكليف أهل السنة بذلك ترجيح (1) بلا مرجح ، بل ترجيح للمرجوح ». أقول : وهذا كلام في غير محله ، لأن الهدف هو لم شعث المسلمين ، وقد قال السيد : « الذي أراه أن ذلك ليس موقوفا على عدول الشيعة عن مذهبهم ، ولا على عدول أهل السنة عن مذهبهم » فهو لا يكلفهم بالعدول لتحقق لم الشعث حتى يكون ترجيحا بلا مرجح أو مع المرجح. لكن الشيخ هو الذي كلّف ____________ (1) كذا. -------------------------------------------------------------------------------- الشيعة بالعدول عن مذهبهم ، فأجاب السيد بما أوضحناه. على أن تكليف أهل اسنة بالعدول عن مذهبهم ترجيح مع المرجح ، وذلك للأدلة التي سيقيمها السيد بالتفصيل. وخلاصة الكلام في ذلك : أنه لو دار الأمر بين اتباع أحد المذاهب الأربعة واتباع مذهب أهل البيت فلا يشك المسلم ، بل العاقل الخبير ، في تقدم مذهب أهل البيت على المذاهب الأربعة المشكوك في تقدمها على سائر مذاهب السنية. * قال السيد : « نعم يلم الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل البيت ، واعتباركم إياه أحد مذاهبكم ، حتى يكون نظر كل من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية ، إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر بعضهم إلى بعض. وبهذا يجتمع شمل المسلمين فينتظم عقد اجتماعهم ». قيل : [ بعد السب والشتم ] : « وأن من أبسط ما يرد به عليه : إن الأئمة الذين يزري بهم وبأتباعهم كل منهم يجل الآخر ، ويعترف بعلمه وفضله ، فالشافعي أخذ عن مالك ، وأخذ عن محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة ، وأحمد أخذ عن الشافعي. ولم يزل المسلمون يأخذون بعضهم عن بعض ، المالكي عن الشافعي ، والحنفي عن المالكي ، والحنبلي عن الشافعي. وكل منهم عن آخر ، فهل نظرة هذا المفتري وأمثاله إلى هؤلاء وأتباعهم هي نظرة بعضهم إلى بعض ؟ ». أقول : كأن الرجل لا يفهم مراد السيد ! أو لا يريد أن يفهمه ! إن السيد يقول :
-------------------------------------------------------------------------------- لينظر كل من أصحاب المذاهب الأربعة إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر بعضهم إلى بعض. أي : فكما يرى الشافعية أن مذهب الحنفية مذهب من مذاهب المسلمين ، ويرى الحنفية المالكية كذلك... وهكذا... فلينظروا إلى مذهب شيعة آل محمد كذلك ، فإذا نظروا إليهم بهذه النظرة ، وكانت المذاهب كلها من دين الاسلام اجتمع شمل المسلمين وانتظم عقد اجماعهم ، لأنه حين يرى شيعة آل محمد أن أرباب المذاهب الأربعة ينظرون إليهم كنظر بعضهم إلى بعض ، فإنهم أيضا سينظرون إليهم بتلك النظرة. وقد اوضح السيد ـ رحمه الله ـ مقصوده من « النظر » في عباراته اللاحقة فقال فيها : « فإذا جاز أن تكون المذاهب أربعة ، فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة ؟! ». وتلخص : أن تحقق « المهمة » ليس موقوفا على عدول أحد الجانبين إلى الآخر ، بل يكفي لتحققها قبول أهل السنة لأن تكون المذاهب خمسة. وحينئذ ، فلو تباحث في هذا الظرف شيعي وسني على أصل من الأصول ، أو فرع من الفروع ، فاقتنع أحدهم بما يقوله الآخر وانتقل إلى مذهبه ، كان كانتقال الحنفي إلى الشافعية أو بالعكس ، وهكذا... وما أكثره في تراجم الرجال وكتب السير (1). ____________ (1) ومن أطرف ما رأيته في الباب ما ذكره الذهبي ، وأنقله بنصه : « محمد بن حمد بن خلف أبوبكر البندنيجي حنفش ، الفقيه ، تحنبل ثم تحنف ثم تشفع. فلذا لقب حنفش. ولد سنة 453 وسمع الصيريفيني وابن النقور وأبا عليّ بن البنّاء ، وتلا عليه. وعنه : السمعاني ، وابن عساكر ، وابن سكينة. قال أحمد بن صالح الختلي : كان يتهاون بالشرائع ، ويعطل ، ويستخف بالحديث وأهله ويلعنهم. وقال السمعاني : كان يخل بالصلوات. توفي سنة 538 » ميزان الاعتدال 3 | 528. = -------------------------------------------------------------------------------- وأما قوله : « إن الأئمة الذين يزري بهم وبأتباعهم كل يجل الآخر ويعترف بعلمه وبفضله » ففيه : أولا : إنا لم نجد في كلمات السيد إزراء بأحد. وثانياً : إن ما في كتب تراجم علمائهم وسير رجالهم مما يكذّب دعوى « كل يجل الآخر... » كثير... ولو شئت أن أذكر لذكرت ، لكن يطول بنا المقام ، ويكفيك إن تعلم أن مالكا كان يتكلم في أبي حنيفة كما ذكره الحافظ الخطيب في عداد من كان يتكلم فيه ويرد عليه ( تاريخ 1 | 371 وأن مالكا نفسه تكلم فيه أحمد بن حنبل ( العلل ومعرفة الرجال 1 | 179 ) وآخرون أيضا ( كما في تاريخ بغداد 10 | 224 وجامع بيان العلم ـ للحافظ ابن عبد البر ____________ = أقول : كأن هذا الفقيه !! علم أنه لن يفلح بالعمل بمذهب ابن حنبل فالتجأ إلى مذهب أبي حنيفة ، ثم إلى مذهب الشافعي ، فلم ير شيئا من هذه المذاهب بمبرئ للذمة ، ولم يجد فيها ضالته ، وهو يحسب أن لا مذهب سواها ! فخرج عن الدين وضل !! أما التهاون والإخلال بالصلوات... فهو موجود في أئمتهم في الفقه والحديث... نكتفي بذكر واحد منهم ، وهو : الشيخ زاهر بن طاهر النيسابوري الشحامي المستملي ـ المتوفى سنة 553 هـ ـ الموصوف في كلمات القوم بالشيخ العالم ، المحدث ، المفيد ، المعمر ، مسند خراسان !! الشاهد ! العمدة في مجلس الحكم !! والذي حدث عنه ـ في خلق كثير ـ غير واحد من أئمتهم كأبي موسى المديني ، والسمعاني ، وابن عساكر... فقد ذكروا بترجمته أنه كان يخل بالصلاة إخلالا ظاهرا ، حتى أن أخاه منعه من الخروج إلى أصبهان لئلا يفتضح ، لكنه سافر إلى هناك وظهر الأمر كما قال أخوه ، وعرف أهل اصبهان ذلك ، فترك الرواية عنه غير واحد من الحفاظ تورعا ، وكابر وتجاسر آخرون كما قال الذهبي. ومن هنا ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 2 | 64 ، بل أدرجه في الضعفاء 1 | 236 ، وابن حجر في لسان الميزان 2 | 470 ، وراجع ترجمته أيضا في سير أعلام النبلاء 20 | 9 ، والعبر 2 | 445. وقال الذهبي بترجمة أخيه المشار إليه : « أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي ، أخو زاهر... كان خيرا متواضعا متعبدا لا كأخيه ». وهل ينفعه ـ بعد شهادة السمعاني والذهبي وغيرهم ـ الاعتذار له بشيء من المعاذير ؟! ولو شئت أن أذكر المزيد لذكرت !! -------------------------------------------------------------------------------- المالكي 2 | 157 ـ 158 ) وكان من الفقهاء ، من يتكلم في الحنابلة ، ويبالغ في ذهمهم ، فدس الحنابلة عليه سما ، فمات هو وزوجته وولد له صغير !! ( المنتظم في تاريخ الأمم 10 | 239 ) ومنهم من كان يقول : لو كان لي أمر لأخذت الجزية من الشافعية ( لسان الميزان 5 | 402 ). * قال السيد : في آخر المراجعة مخاطبا الشيخ : « ما هكذا الظن بكم ولا المعروف من مودتكم في القربى ». قيل : « ثم إن قوله : ما هكذا الظن بكم ولا المعروف من مودتكم في القربى » تناقض منه ، فإذا كان أهل السنة يحفظون المودة في القربى ، فلماذا يجهد الشيعة في اتهام أهل السنة بأنهم لم يودوا ذوي القربى ، بل ظلموهم وغصبوهم حقهم ؟ ». أقول : لقد لمس السيد من الشيخ ـ لدى اجتماعه به ـ كما نص عليه في « بغية الراغبين » وكذا في مقدمة « المراجعات » المودة في القربى ، فهذا الخطاب للشيخ لا لكل أهل السنة ، فأين التناقض ؟! أما أهل السنة فإن كثيرين منهم لم يحفظوا المودة في القربى ، وقد أوردنا فيما تقدم كلمات بعضهم في حق ذوي القربى ، تلك الكلمات التي أورثت جراحات لا تقل ألما وأثرا عن جراحات السيوف والأسنّة لأسلافهم في ذوي القربى وأشياعهم ، على مدى القرون المتمادية...
***
--------------------------------------------------------------------------------
المراجعة ـ 6 * قال السيد : 1 ـ ولذا قرنهم بمحكم الكتاب وجعلهم قدوة... أقول : هذا إشارة إلى عدة من الأحاديث النبوية الآمرة باتباع العترة والتمسك بهم الأخذ عنهم ، والناهية عن تعليمهم والتقدم عليهم والتخلف عنهم... وسيتعرض لها بالتفصيل. قال رحمه الله : 2 ـ وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : « فأين تذهبون ! وأنى تؤفكون !... ». وقال عليه السلام : « انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم... ». وقال عليه السلام : « عترته خير العتر... ». وقال عليه السلام : « نحن الشعار والأصحاب... ». وقال عليه السلام : « واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد... ». وقال عليه السلام : « بنا اهتديتم في الظلماء... ». أقول : هذه نصوص روايات واردة عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في كتاب « نهج البلاغة » فهنا مطالب : 1 ـ إن هذه الأوصاف التي نقلها السيد عن نهج البلاغة عن أمير المؤمنين
-------------------------------------------------------------------------------- عليه السلام لا يشك مسلم في كونها حقا وحقيقة واقعة ، سواء كانت أسانيد هذه الكلمات معتبرة أو لا ، وسواء كانت في « نهج البلاغة » أو غيره من الكتب ، وسواء كان « نهج البلاغة » للشريف الرضي أو لأخيه أو غيرهما... وبالجملة فإن متونها تشهد بصدقها ! فهل تشكون ـ أيها المسلمون ـ في أن أهل بيت النبوة « لن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى » ؟! وأنهم يصلحون لأن يكونوا قدوة لكم « فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا » ؟! وهل يشك عاقل فاهم في جلالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن « عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر ، وشجرته خير الشجر... » ؟! فإن لم يكونوا كذلك ، فأي عترة خير العتر ؟! وأي اسرة خير الأسر ؟! وأي شجرة خير الشجر ؟! آل فلان ؟! أم فلان ؟! أم بنو أمية ؟! أليس أهل بيته « شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ، ومختلف الملائكة... » ؟! ومن ينكر قوله « ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة ، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة » إلا العدو المبغض ؟! ومن المخالف في أن المخالفين لأهل البيت « آثروا عاجلا وأخروا آجلا... » ؟! وتلخص : أن هذه حقائق ثابتة ، لا شك فيها كي تحتاج إلى سند أو برهان... 2 ـ على أن السيد ـ رحمه الله ـ إنما استدل بما جاء في « نهج البلاغة » باعتبار أن هذا الكتاب من الكتب المتفق عليها ، لأن الكثيرين من العلماء المحققين من غير الشيعة الإمامية تلقّوه بالقبول ، وتناولوه بالشرح والتفسير والتعليق.
--------------------------------------------------------------------------------
وعلى الجملة ، فإن أحدا لم يشك في أن ما في « نهج البلاغة » من كلام الإمام علي عليه السلام. نعم ، قال بعضهم : « أكثره » من كلامه... لوجود ( الخطبة الشقشقية ) فيه ، كما سنشير. ولولا صحة إسناد الكتاب إلى الإمام علي عليه السلام لما تكلم بعضهم في جامعة ، كابن خلكان حين شكك في أنه الرضي أو المرتضى ، وكالذهبي حين اختلف كلامه... كما سيأتي. ولولا صحة إسناده لما شكك آخرون استنادا إلى شبهات واهية كاشتمال الكتاب على « دقة الوصف » و« التنمي اللفظي » ونحو ذلك... مما ستأتي الإشارة إليه. ومن هنا : قيل : « والعجب كل العجب من الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد ، فإنه لما ساق حجج المتشككين في نسبة نهج البلاغة إلى عليّ ـ رضي الله عنه ـ لم يتعرض لقضية السند أبدا ، مع أنه كان ينبغي أن يتعرض لهذه القضية أولا فإذا صح اسند نظرنا في المتن ». أقول : كأنّ هذا القائل لم ير بعينه كلمة هذا الشيخ الصريحة في أن أحدا لم يشك في أنّ أكثر ما تضمنه نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام... وستأتي عبارته ، مع التنبيه على السبب في تعبيره بـ « الأكثر ». وعلى كل حال ، فإن ذكر هذا الشيخ وغيره الأوهام المشككة في « نهج البلاغة » من تلك الجهات ، هو من خير الأدلة على ثبوت الكتاب وصحة نسبته ،
-------------------------------------------------------------------------------- ( 74 ) لأنهم يعلمون أن التطرق إلى هذه الأمور إنما يكون بعد الفراغ من البحث السندي. 3 ـ وإن ما حواه كتاب « نهج البلاغة » قد ثبت وتحقق وجوده في كتب العلماء المتقدمين على مؤلفه ، من شيعة وسنة (1). 4 ـ نعم ، يصعب عليهم قبول ( الخطبة الشقشقية ).. والظن الغالب أنه لولا وجودها في « نهج البلاغة لما شكك المتشككون منهم في نسبة شيء من الخطب والكتب والكلمات المروية فيه إلى أمير المؤمنين عليه السلام. قيل : « ومن قرأ خطبته المعروفة بالشقشقية جزم أنه لا يمكن لمن هو في مثل مقام علي ـ رضي الله عنه ـ أن يقول ذلك ، فإن هذا مما يتعارض مع ما صح عنه من أكثر من طريق من تفضيل أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ والثناء عليهما. وهذه الخطبة المنسوبة زورا وبهتانا إليه ـ رضي الله عنه ـ تنطوي على أسوأ الإزار بكبار الصحابة الكرام : أبي بكر وعمر وعثمان ، وباقي العشرة ، بل فيها سب صراح ، واتهام بخيانة الأمة ، وسخرية لا تصدر إلا عن أمثال الرافضة الذين يجل عليّ ويسمو عن مثل ما يقولون : ففي الصحيحين : عن ابن عباس ، قال : وضع عمر على سريره ، فتكنّفه الناس يدعون ويثنون ، ويصلون عليه قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت فإذا هو علي ، وترحم على عمر ، وقال : ماخلقت أحداً أحب أن ألقى الله عز وجل بعمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كنت كثيرا ما أسمع النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : جئت أنا وأبو بكر وعمر.. ودخلت أنا ____________ (1) يراجع بهذا الصدد كتاب : « مصادر نهج البلاغة ». -------------------------------------------------------------------------------- ( 75 ) وأبو بكر وعمر.. وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.. فإن كنت لأرجو أو أظن أن يجعلك الله معهما. البخاري 4 | 197 ، ومسلم 2 | 1858 ». أقول : ولعل وجود هذه الخطبة في « نهج البلاغة » هو السبب في قول بعضهم بأن أكثره من كلام الإمام عليه السلام ، فهم من جهة لا يتمكنون من إنكار أصل الكتاب ، ومنجهة أخرى لا يتمكنون من تصديق الخطبة الشقشقية ، لأنها ـ في الحقيقة ـ تهدم أساس المذهب الذي هم عليه : يقول الشيخ محمّد محيي الدين عبد الحميد : « وليس من شك عند أحد من أدباء هذا العصر ، ولا عند أحد ممن تقدمهم ، في أن أكثر ما تضمنه نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام. نعم ليس من شك عند أحد في ذلك... » (1). لكن الدليل على كونها من كلامه هو التعرض لها أو ذكرها في كلمات العلماء السابقين على الشريف الرضي والمتأخرين عنه ، من إمامية ومعتزلة وسنة ، وإن شئت التفصيل فراجع (2). وأما أنها تتناقض وما رواه القوم عن الإمام عليه السلام في الثناء على الشيخين وغيرهما ، فالجواب عن ذلك : أولا : إن الخطبة مروية عند الشيعة وغيرهم ، فهي متفق عليها ، وما رووه عن أمير المؤمنين عليه السلام من الثناء عليهم متفردون بروايته ، ولا تعارض بين المتفرد به والمتفق عليه. ____________ (1) لاحظ مقدمة شرحه على « نهج البلاغة ». (2) مصار نهج البلاغة وأسانيده. -------------------------------------------------------------------------------- ( 76 ) وثانيا : إن شرط التعارض هو الحجية في طرفي التعارض كليهما ، وحجية الخطبة ثابتة دون أخبارهم المشار إليها ، كما لا يخفى على من نظر في أسانيدها. وثالثا : إن عمدة أخبارهم في ثناء الإمام عليه السلام على القوم هو الخبر الذي أورده عن كتابي البخاري ومسلم المعروفين بالصحيحين. لكنك إذا لاحظت سنده ـ بغضّ النظر عن البخاري ومسلم ، المجروحَين لدى كبار أئمة القوم من السابقين واللاحقين ـ رأيته ينتهي في جميع طرقه إلى « ابن أبي مليكة » : وهو رجل لا يجوز الاعتماد على روايته مطلقا ، لا سيما في مثل هذه الأمور ! لأنه تيميّ من عشيرة أبي بكر ، ولأنه كان من مناوئي أمير المؤمنين عليه السلام ، ولأنه كان قاضي عبد الله بن الزبير في مكة ! ولأنه كان مؤذن عبد الله بن الزبير ! وله قوادح غير ماذكر ، فراجع ترجمته (1). على أنّا نكذب كل خبر جاء فيه أسماء الخلفاء الأربعة على ترتيب الخلافة ، وقد حققت ذلك في رسالة مفردة (2). شبهات حول نهج البلاغة : 5 ـ وبقيت شبهات ذكرها المعترض ، وهي : إن في نهج البلاغة : أ ـ التعريض بالصحابة. ب ـ التنميق اللفظي. ج ـ دقة الوصف. ____________ (1) تهذيب التهذيب 5 | 268. (2) تراثنا ، العدد 28 ، ص 15 ـ 56 ، رجب ـ رمضان 1412 هـ. -------------------------------------------------------------------------------- ( 77 )
د ـ عبارات يستشم منها ريح ادعاء صاحبها علم الغيب. أقول : لكن الشبهات أكثر من هذه الأربعة... ولعل المعترض ملتفت إلى سقوط البقية فلم يتعرض لها ، لكنها مذكورة في كلمات غيره. وقد أوردها كلها مؤلف كتاب « مصادر نهج البلاغة وأسانيده » تحت عنوان : « شبهات حول النهج » وأجاب عنها بالتفصيل ، فراجعه. 6 ـ وأما أن « نهج البلاغة » هو للسيد شريف الرضي ، فهذا هو الثابت الواقع ، بالأدلة المتينة والشواهد القويمة ، وباعتراف السابقين واللاحقين من العلماء من مختلف فرق المسلمين. وأول من شكك في المقام هو : قاضي القضاة ابن خلّكان ، صاحب « وفيات الأعيان » وتبعه بعض المتأخرين عنه كالذهبي والصفدي وأمثالهما. قيل : « وأما المتهم ـ عند المحدثين ـ بوضع النهج فهو أخوه علي. قال في الميزان : علي بن الحسين العلوي الشريف المرتضى المتكلم الرافضي المعتزلي ، صاحب التصانيف ، حدث عن سهل الديباجي والمرزباني وغيرهما. وولي نقابة العلوية. ومات سنة 436 عن 81 سنة ، وهو المتهم بوضع نهج البلاغة ، وله مشاركة قوية في العلوم. ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ففيه السب الصراح والحط على السيدين : أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما. وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة ، وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين ، جزم بأن الكتاب أكثره باطل. رياض الجنة لمقبل الوداعي 162 ـ 163 ».
-------------------------------------------------------------------------------- ( 78 ) أقول : أما مقبل الوادعي فلا أعرفه ، وما أدري لماذا نقل عبارة الميزان بواسطته. و( الميزان ) هو : « ميزان الاعتدال في نقد الرجال » للحافظ الذهبي ، والعبارة موجودة فيه ج 3 | 124. لكن في « العبر » للحافظ الذهبي ، أثنى على الشريف المرتضى ، ولم يتعرض لكتاب نهج البلاغة ، فقال فيمن توفي سنة 436 هـ : « والشريف المرتضى نقيب الطالبيين وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق ، أبو طالب : عليّ بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي ، وله 81 سنة ، وكان إماما في التشيعة والكلام والشعر والبلاغة ، كثير التصانيف متبحرا في فنون العلم. أخذ عن الشيخ المفيد ، وروى الحديث عن سهل الديباجي الكذاب ، وولي النقابة بعده ابن أخيه عدنان ابن الشريف الرضي » (1). وفي « سير أعلام النبلاء » للحافظ الذهبي أيضا ، ترجم له فقال : « هو جامع كتاب نهج البلاغة » ثم قال : « وقيل : بل جمع أخيه الشريف الرضي » فعلق عليه الناشرون له : « وهذا هو المشهور » (2). وهذه الاضطرابات في التشكيكات تكشف عن أن الغاية منها ليس إلا تضعيف الكتاب بكل وسيلة ، وليس إلا لأنهم منزعجون من الخطبة الشقشقية.. ولذا تراه يقول في « الميزان » موضحا علة الجزم بكون الكتاب مكذوبا : « ففيه السب الصراح... » ويقول في « سير أعلام النبلاء » : « المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله عنه ، ولا أسانيد لذلك ، وبعضها باطل ، وفيه حق ، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها ». ____________ (1) العبر في خبر من غبر 2 | 272. (2) سير أعلام النبلاء 17 | 589. -------------------------------------------------------------------------------- ( 79 ) ولا يخفى الفرق بين العبارتين في الكتابين حول الكتاب ، وهذا دليل آخر على الاضطراب. وعلى كل حال ، فقد حقق هذه القضية غير واحد من المحققين ، وجزموا بكون الكتاب للشريف الرضي محمد بن الحسين. وقا الشيخ محمد عبده : « ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيد لاشريف الرضي ـ رحمه الله ـ من كلام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، جمع متفرقه وسماه هذا الاسم : نهج البلاغة... » (1). وقال الأستاذ محمد كرد عليّ ، في مقال نشرته مجلة المجمع العلمي السوري : « ونهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي من كلامه... » (62). وقال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد : « نهج البلاغة هو ما اختاره الشريف الرضي... » (2). وإن شئت الوقوف على حقيقة كتاب « نهج البلاغة » ومصادره ، وما قيل فيه ، ونصوص العلماء والمحققين على أنه خطب وكتب وكلمات أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنه ما تأليف الشريف الرضي ، فراجع كتاب « مصادر نهج البلاغة وأسانيده ». * قال السيد : وقوله عليه السلام : « نحن شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ، وختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وينابيع الحكم... ». ____________ (1) شرح نهج البلاغة ـ المقدمة. (2) تراثنا ، العدد 34 ، ص 100 ـ 101 ، محرم ـ ربيع الأول 1414 هـ. (3) شرح نهج البلاغة ـ المقدمة. -------------------------------------------------------------------------------- ( 80 ) وأضاف في الهامش : « وقال ابن عباس : نحن أهل البيت ، شجرة النبوة ، ومختلف الملائكة ، وأهل البيت الرسالة ، وأهل بيت الرحمة ، ومعدن العلم » ( قال ) : نقل هذه الكلمة عنه جماعة من أثبات السنة ، وهي موجودة في آخر باب خصوصياتهم صفحة 142 من الصواعق المحرقة لابن حجر ». أقول : وأخرج الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده عن جابر بن عبد الله وعبد الله ابن عباس في خبر هبوط ملك الموت لقبض روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه وقف بالباب فقال : « السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة... » (1). وروى الحمّوئي عن طريق الحافظ أبي نعيم ، عن الحافظ الطبراني ، بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « نحن أهل البيت مفاتيح الرحمة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم... » (2). وقد ذكرنا من قبل : أن مضمون هذا الكلام حقيقة لا تحتاج إلى إثبات ، وهو بالإضافة إلى كونه مرويا عن ملك الموت مخاطبا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، كما في رواية الطبراني وغيره ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في ( النهج ) مروي عن ابن عباس كما ذكر السيد في الهامش. قيل : « لم يبين لنا المؤلف من هم الأثبات الذين نقلوا هذه العبارة ؟ ومع أنه ____________ (1) إحقاق الحق 9 | 401 عن « المعجم الكبير » للطبراني. (2) فرائد السمطين 1 | 44. -------------------------------------------------------------------------------- ( 81 ) نقلها عن الصواعق لكن أمانته دفعته إلى أن يتغاضى عن قول ابن حجر الهيتمي عندما نقلها فقال : وجاء عن ابن عباس بسند ضعيف أنه قال : نحن... وقول ابن عباس ـ على فرض صحته ـ يدل على خلال ما تذهب إليه الرافضة من أن أهل البيت هم : عليّ وفاطمة وأبناؤهما فقط. لكن أهل اسنة عمدتهم في تحديد من هم أهل البيت على الكتاب والسنة الصحيحة ، لا على أقوال ضعيفة أو موضوعة ». أقول : يقول السيد : « نقل هذه الكلمة عنه جماعة من أثبات السنة » وهذا هو محل الاستدلال ، إذ المقصود ـ كما قلنا سابقا ـ رواية أثبات أهل السنة في كتبهم المعروفة ، لما يدل على ما تذهب عليه الشيعة ، فيكون المطلب متفقا عليه ، أما أن أولئك الأثبات يروون الأخبار الضعيفة والموضوعات مع علمهم بكونها كذلك فيكونون من الكاذبين (1) فما ذنب الشيعة ؟! ومن رواته : ابن أثير ، حيث رواه بسند له يشتمل على بعض الحفاظ المشاهير ، قائلا : « أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبة وغير واحد ـ إجازة ـ قالوا : أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أخبرنا أبو الحسين ابن النقور ، أخبرنا المخلص ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا يوسف بن محمد بن سابق ، حدثنا أبو مالك الجنبي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : نحن أهل البيت شجرة النبوة ، ومختلف الملائكة ، وأهل بيت الرسالة ، وأهل بيت الرحمة ، ومعدن العلم » (2). وأما الاستدلال بخصوص « الصواعق المحرقة » فلأن هذا الكتاب إنما ____________ (1) صحيح مسلم بن الحجاج 1 | 7. (2) أُسد الغابة 3 | 193. -------------------------------------------------------------------------------- ( 82 ) ألف للرد على الشيعة والصد عن انتشار التشيع ، يقول ابن حجر في خطبته : « سئلت قديما في تأليف كتاب يبين حقّيّة خلافة الصديق وإمارة ابن الخطّاب ، فأجبت إلى ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب... ثم سئلت في إقرائه في رمضان سنة 950 بالمسجد الحرام ، لكثرة الشيعة والرافضة ونحوهما الآن بمكة المكرمة ، أشرف بلاد الإسلام ، فأجابت إلى ذلك ، رجاء لهداية بعض من زلّ به قدمه عن أوضح المسالك ». وبما ذكرنا يظهر الوجه في عدم الاعتناء بتضعيفه. على أنه إذا كان ابن حجر ممن يعتمد على آرائه ، كان تصحيحه أيضا معتبرا ، لكن هذا القائل لا يعتني به متى صحح حديثا من أحاديث الفضائل ويقول بأن ابن حجر ليس من علماء الحديث. والحال أنه من كبار أئمة الفقه والحديث. بل السبب في توهين ابن حجر ، هو كونه ممن أفتى بصراحة بضلالة ابن تيمية الذي هو شيخ إسلام نواصب هذا العصر...!! وأما أن « أهل البيت » في « آية التطهير » و« أحاديث الثقلين » ونحوها هم « علي وفاطمة والحسنان » فسيأتي توضيحه على أساس الكتاب والسنة الصحيحة ، فانتظر. قال السيد : « وقوله عليه السلام : نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبياء ، وحزبنا حزب الله عزوجل ، والفئة الباغية حزب الشيطان ، ومن سوّى بيننا وبين عدونا فليس منا ». قال في الهامش : « نقل هذه الكلمة عنه جماعة كثيرون ، أحدهم ابن حجر ، في آخر باب خصوصياتهم من آخر الصواعق ، صفحة 142 وقد أرجف فأجحف ». | |
|
أبو سجاد الرتبــــــة
رقم العضوية : 9 الجنــس : المواليد : 15/05/1973 التسجيل : 19/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 51 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 10278 نقـــــــــاط التقيم : 14107 السٌّمعَــــــــــــــة : 6 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام مشرف منتدى الامام علي عليه السلام
| موضوع: رد: في إمامة المذهب الشيعي الثلاثاء أبريل 23, 2013 10:09 pm | |
| بارك الله بجهودك أخي بشار الربيعي ودمت بحفظ الله | |
|
عهد الوفاء الرتبــــــة
رقم العضوية : 44 الجنــس : المواليد : 25/06/1977 التسجيل : 21/01/2013 العمـــــــــــــــــر : 47 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 8799 نقـــــــــاط التقيم : 11721 السٌّمعَــــــــــــــة : 3 علم بلدك : مشرفة الاجتماعيات والكتاب الشيعي
| موضوع: رد: في إمامة المذهب الشيعي الأربعاء أبريل 24, 2013 5:25 pm | |
| الله يجزاك كل خير على مجهودك... ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك | |
|