بشار
مدير عام المنتدى رقم العضوية : 1 الجنــس : المواليد : 11/05/1992 التسجيل : 07/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 32 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 3576 نقـــــــــاط التقيم : 7183 السٌّمعَــــــــــــــة : 29 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام _البوابة مدير المنتدى
| موضوع: تأملات في حكمة تعدد أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإثنين أبريل 08, 2013 5:18 pm | |
| المقدمة
الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، والصلاة والسلام على محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم. النبي الأمي الذي أرسله الله شاهداً ومبشراً ونذيراً. وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
وبعد:
لا شك في أن ما يختزنه الماضي من أحداث جرت على امتداد المسيرة البشرية. قد تعرض لأمور وضعت الباحث عن الحقيقة في دائرة مضنية شاقة. وفي جميع الأحوال كان الباحث يصل إلى نقاط بحثه بمراكب العسر لا اليسر. وكانت الحقائق تظهر إما مختصرة ويقام بها حجة. وإما بها التباس لا ينسجم مع الفطرة ويتطلب بحثها جهداً جديداً.
وإما مشوهة يراد بها فتنة، ويعود ذلك لعدم الأمانة في النقل أو لسوء الحفظ أو لعدم الدقة في النسخ وتخزين المادة، وعلى امتداد المسيرة جمع السلف ودون الخلف وبحث الباحثون. وشاء الله تعالى في عصرنا الحاضر أن تتسع دائرة المعارف وأن تتراكم المعلومات تحت سقف الفهرسة والتخريج والبرامج. ليقف أصحاب العقول على الحقائق التي في بطون الماضي. وتقام الحجة ويحمل أولو الألباب مشاعل الفطرة التي تسوق الناس إلى صراط الله العزيز الحميد.
ومن العجيب أنه في ظل تدفق المعلومات، غير أن أجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله ما زالت تقف في ظلمات الماضي، متاجرة بما فيه التباس بين الحق وبين الباطل، أو بما يراد من ورائه تشويه الدين الحق. والأعجب من ذلك إنهم على هذه الحال يدعون أنهم دعاة حقوق الإنسان وأصحاب التنوير والعصرية. إلى غير ذلك من الأسماء التي تتلحف بلحاف الزينة الشيطانية. وتسير بين الناس بعجلات الإغواء. رغبة في الحفاظ على مكاسب طريق الانحراف والفتن. والتي جمعوها على امتداد المسيرة من مستنقعات الوحل والدنس والعار.
إن المد الإسلامي في عصرنا الحاضر يعرض المعارف التي تنسجم مع الفطرة وتحترم العقل وتسوق الناس إلى الصراط المستقيم. الذي يحقق لسالكه سعادة الدنيا والآخرة. وأمام هذا المد خرجت جحافل الليل المغبر بحملات ضد الإسلام، الهدف من ورائها إعاقة العجلة الإسلامية، وهذه الحملات قام بها بعض من ينتسبون إلى الإسلام الذين وصفتهم الأحاديث الشريفة بأن ألسنتهم ألسنة العرب وسننهم سنن الذين من قبلهم من أهل الكتاب، أو إن ألسنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب العجم، كما شارك في هذه الحملات المتخصصون من أهل الكتاب، وحملت أجهزة الفاكس وصناديق البريد رسائل هؤلاء وهؤلاء، يدعون فيها إن الإسلام دين السيف ولا يعتمد الكلمة في دعوته، وهذا الادعاء يذهب هباء أمام أيسر تحقيق يقوم به أقل المسلمين شأناً، وادعوا أن تخلف المسلمين وفساد معاشهم وأخلاقهم يعود إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم، وقالوا لو كان الإسلام ديناً واقعياً وكانت القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمنة لصلاح الناس وسعادتهم، لأثرت فيهم الآثار الجميلة.
ولا يختلف أصحاب البصائر والأفهام على إن الدين طريقة خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي وأن ينبوع دين الله فطرة الإنسان نفسه. والدين الخاتم طريقة اجتماعية تلازم الفطرة. وهذه الطريقة جعلها الله تعالى على عاتق الناس. ليتميز أهل الحق وأهل الباطل. فمن سلك طريق الدين نجا ومن لم يستقم سقط وهلك، وأجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله خلطوا بين القوانين الدينية وبين حركة الناس تحت سقف الامتحان والابتلاء الإلهي، ولم يروا تحت هذا السقف إلا الذين فسدت أخلاقهم.
ولما كان ادعاؤهم إن القوانين الإسلامية لم تقو على إصلاح الناس ومحق الرذائل، إدعاء لا أساس له على مائدة الفطرة والبحث العلمي، قلنا إن نسأل: لماذا لم تصلح قوانين الغرب الناس هناك؟ وما القول في الديمقراطية وغيرها؟ التي تاجرت بكل شذوذ وانحراف وانتهت إلى دوائر الأيدز والمخدرات والانحلال ورفعت أعلام الفساد في الأرض ورايات التجويع والتخويف، ولماذا لم تصلح القوانين الاشتراكية أصحابها؟ وما القول في تفتت الدول الشيوعية وذهاب هيبتها، والجميع في الشرق والغرب عاشوا طويلاً تحت وهم إن قوانينهم من أحكم القوانين وأعظمها.
إن الانحطاط الذي نراه على رقعة العالم الإسلامي، جذوره مغروسة في قوانين الشرق والغرب، ولا علاقة لقوانين الدين الإسلامي به، إن جحافل الليل المغبر لا تتاجر في الحقيقة إلا بما صنعوا ولا يرفعون إلا أعلام دائهم، ولقد ادعوا أيضاً إن رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنع بما شرعه لأمته من زواج أربع نسوة، حتى تعدى إلى أكثر من عشرة نسوة، وقالوا إن تعدد الزوجات لا يخلو من الانقياد لداعي الشهوة، وهذا قول سقيم وتفكير غير مستقيم، ونحن في هذا الكتاب سنلقي بعض الضوء على تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة التي من ورائه، كما نقدم نبذة من تراجم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ومن خلال سيرتهن سنلقي ضوءا على حركة الدعوة الإسلامية، ونرجو من وراء ذلك أن يرى الباحث المتعمق المنصف أن الزواج لم يكن لداعي الشهوة كما قالت أجهزة ومؤسسات الصد، وإنما كان جزءا لا يتجزأ من حركة
الدعوة وهي تقيم حجتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسأل الله تعالى السداد والرشاد فإنه خير معين وهاد.
تأملات في حكمة تشريع الزواج من أربع نساء
من السنن الجارية في غالب الأمم القديمة اتخاذ الزوجات المتعددة. فهذا التعدد كان سنة جارية في الهند والصين والفرس ومصر.
وكان الروم واليونان ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها. ومما لا شك فيه إن بعض الأمم كاليهود والعرب كان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد. ولقد ذكرت التوراة الحاضرة إن سليمان الملك تزوج مئات من النساء من قبائل وشعوب كثيرة. موآبية وعمونية وادومية وصيدونية وحيثيه ومصرية إلى غير ذلك (1) ولقد جرت سنة اتخاذ الزوجات في الأمم القديمة لحاجة رب البيت إلى الجمع وكثرة الأعضاء، وكان يقصد بهذه الرغبة في التكاثر. أن يهون له أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشته. وليكون ذلك وسيلة يتوسل بها إلى الترؤس والسؤدد في قومه. فبقدر التكاثر في البنين والتكاثر في الأقرباء بالمصاهرة يكون القرب بين بسط اليد والترؤس والسؤدد.
وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وجاء بالدين الفطري. قام الإسلام بتنظيم جميع نواحي الحياة الإنسانية. ولما كان المجتمع العائلي: الذي هو نفس الحياة الزوجية قاعدة للمجتمع. فإن الإسلام نظر إلى علاقة الرجل بالمرأة ووضع أمر الازدواج موضعه الطبيعي. فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح. وأقام الإسلام نظاماً للتربية يقوم على الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع، وبالجملة: نظم الإسلام الحياة من القاعدة إلى جميع نواحي الحياة الإنسانية. وجعل جميع
____________
(1) سفر الملوك الأول 11 / 1 - 8.
الحياة ذات أدب، وبسط الإسلام على معارفه رداء التوحيد لأن التوحيد هو العامل الوحيد الذي يحرس الأخلاق الفاضلة ويحفظها في ثباتها ودوامها، وما تهددت الإنسانية بالسقوط والانهدام إلا بابتعادها عن التربية الحقة. فهذا الابتعاد أبطل فضيلة التقوى وأرسى قواعد القسوة والشدة.
ولازم ذلك ابتعاد العلوم المفيدة واقتراب النواقص التي تحيط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة، ومما لا شك فيه إن المعارف الحقة والعلوم المفيدة التي تسوق الإنسان إلى صراط الله المستقيم. لا تكون في متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه. ولا تصلح الأخلاق إلا بالتربية التي يقوم عمودها الفقري على التوحيد.
ولما كان تعدد الزوجات سنة جارية على امتداد المسيرة البشرية.
فإن الإسلام شرع التعدد وجعل له ضوابط وشروط. والإسلام لم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل. وإنما نظر في طبيعة الأفراد وما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة، فالتعدد له أسبابه وتشريعه حفظاً لمصلحة المجتمع الإنساني.
ولقد اعتنى الدين في تهذيبه للأخلاق أن لا تختزن الشهوة في الرجل أو المرأة لأن ذلك يدعو إلى التعدي إلى الفجور والفحشاء. فوضع الإسلام الضوابط التي معها يرتفع هذا الحرمان ومنها الصوم أو الزواج.
ونظراً لأن المرأة الواحدة ربما اعتذرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة والمصاحبة. كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك. رفع الإسلام الحاجة الغريزية بالتعدد وفقاً لشروطه. ولم يقصد من وراء التعدد رفع الحاجة الغريزية فحسب. وإنما اعتمدت الشريعة في مقاصدها تكثير نسل المسلمين وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم. عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد.
وكما ذكرنا إن التعدد لم يشرع على نحو الإيجاب والفرض على كل
رجل. وإنما تقوم قاعدته على العدل. فالإسلام استقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها. وعلى هذه الخلفية أباح التعدد حفظاً لمصلحة المجتمع الإنساني. وقيد التعدد بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد وهو وثوق الرجل بأنه سيقسط بينهن ويعدل. فمن وثق من نفسه بذلك ووفق له. فهو الذي أباح له الدين تعدد الزوجات. قال صاحب تفسير الميزان:
إن الإسلام شرع الازدواج بواحدة. وأنفذ التكثير إلى أربع. بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، وشرط الإسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش. وفرض لهن نفقتهن ثم نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلاً ومن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك. لا يتيسر ذلك إلا لبعض أولي الطول والسعة من الناس لا لجميعهم، أما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم. ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم. ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته. فلا شأن للإسلام فيهم.
إن الإسلام جاء بمعارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء. ولما أن كانت الحياة الزوجية هي قاعدة المجتمع، ولما كانت هذه الحياة ربما تتعرض لبعض العوارض، ولما كان الإسلام يقصد من وراء تكثير النسل عمارة الأرض بين مجتمع مسلم عمارة صالحة. فإن الإسلام حدد لكل داء دواؤه. لأن فساد بعض الأجزاء يوجب تسرب الفساد إلى الجميع. فالتعدد دواء لداء معين. ولا يكون صحياً إلا إذا قام على العدل والقسط وتدثر بدثار الأخلاق الفاضلة والأدب، وانطلق إلى هدف الإسلام وغايته.
تأملات في حكمة تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
مما سبق يرى الباحث المتدبر أن الإسلام شرع للمسلمين الازدواج بواحدة. وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن وإصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، فهذا على مستوى القاعدة ويعم جميع المسلمين، والتعدد على مستوى القاعدة غير التعدد على مستوى القمة وأقصد بها النبوة، لأن النبي توفرت فيه جميع الشروط التي تجعله يسوق الناس إلى صراط الله الحميد، فهو أول شخص يخلص الدين لله ويسلم بما يدعو الآخرين إليه. وعلى هذه الخلفية لا يمكن بحال أن ينطلق التعدد من داعي الشهوة أو يقود إلى داعي الشهوة كما قال بعضهم.
ويضاف إلى ما ذكرنا أن الرسول مؤيد بالعصمة. مصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه. والله تعالى يصونه من الخطأ في جميع أمور الدين وتشريع القوانين. وعلى هذه الخلفية لا يجوز لمقولة داعي الشهوة أن تطرح على مائدة البحث.
إن الإسلام أنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن، وفي هذا الباب كان للنبي صلى الله عليه وآله مختصات منعت عنها الأمة. وكان التعدد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسيلة من وسائل تشريع القوانين.
ومن باب التعدد خرجت أحاديث عن أمهات المؤمنين تبين حركة الرسول وسكونه في بيته. ورويت الأحاديث الذي تبين قمة العدل والقسط بين النساء. وتبين حسن معاشرتهن ورعاية جانبهن. ورويت أحاديث الإخبار بالغيب وفيها حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه من الفتن وبين لأمته الأعمال التي تحقق سعادة الدارين. وهذه الأحاديث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث بها وهو يبكي في فراشه. أو وهو يبكي في وجود جبريل عليه السلام.
إن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحته وسكونه وبكائه وما شرعه للمرأة وللطفل وللأسرة. يستند أول ما يستند على تعدد الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى خلفية تعدد الرواة يمكن للباحث المنصف أن يفهم الحكمة التي وراء تعدد الزوجات في هذا الشأن.
وبالنظر في المسيرة النبوية وفي تراجم الرجال. نجد أن الكفار والمشركين والمنافقين لم يعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعدد زوجاته على الرغم من أنهم كانوا يتربصون به الدوائر. وعدم إحتجاجهم يعود إلى معرفتهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم له مختصات منعت عنها الأمة. وإن حكم الزيادة على الأربع كصوم الوصال وغيره من الأمور التي تختص بالنبي وعلموها وشاهدوها زمن البعثة.
والباحث في حركة الدعوة يعلم أن مسألة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ترتبط بآيات متفرقة كثيرة في القرآن الكريم.
وللوقوف على الحكمة التي وراء التعدد يجب البحث في كل جهة من الجهات التي أشار إليها القرآن وبينتها السنة المطهرة، وعلى سبيل المثال ذكر القرآن أن الله تعالى هو الذي زوج رسوله صلى الله عليه وآله امرأة زيد. وقد كان زيد هذا يدعى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني. وكانت زوجة المدعو ابناً في ذلك الحين كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب. فكان حكم الله تعالى وطلق زيد زوجه. وتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله ونزل فيها آيات.
وكما أخبر القرآن بأن الله تعالى هو الذي زوج رسوله. بين القرآن أن الله تعالى حرم على رسوله بعد اللاتي اخترن الله ورسوله. ولا أن يطلق بعضهن ويتزوج مكانها من غيرهن. وبالجملة: أخبر القرآن الكريم إن الله تعالى هو الذي أمر بالزواج. وإنه تعالى زوج % إحداهن من رسوله. وإنه
جل شأنه هو الذي حرم على الرسول الزيادة والتبديل. فما لهؤلاء لا يفقهون حديثاً.
ومن الآيات القرآنية التي أمر فيها الله تعالى رسوله بالازدواج. قوله تعالى (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك. وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك. وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين. قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم. لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفوراً رحيماً. ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء. ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً. لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيباً (1).
قال صاحب تفسير الميزان: أحل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أصناف من النساء: (الصنف الأول) ما في قوله (أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) والمراد بالأجور: المهور (الثاني) ما في قوله (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) أي: من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم والأنفال.
وذكر ابن كثير في تفسيره: إن الله أباح له التسري مما أخذ من المغانم. وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك مارية القبطية أم ابنه إبراهيم وكانت من السراري رضي الله عنها (2).
قال صاحب الميزان: (والثالث والرابع) ما في قوله (وبنات عمك
____________
(1) سورة الأحزاب آيات 50 - 52.
(2) تفسير ابن كثير 399 / 3.
وبنات عماتك) قيل: يعني نساء قريش (والخامس والسادس) ما في قوله (وبنات خالك وبنات خالاتك) قيل: يعني نساء بني زهرة. وقوله (اللاتي هاجرن معك) قال في المجمع: هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل. (والسابع) ما في قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها) وهي المرأة المسلمة التي بذلت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
بمعنى: إن ترضى أن يتزوج بها من غير صداق ومهر. فإن الله أحلها له إن أراد أن يستنكحها. وقوله تعالى (خالصة لك من دون المؤمنين) إيذاناً بأن هذا الحكم. أي حلية المرأة للرجل ببذل النفس، من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لا يجرى في المؤمنين. وقوله تعالى بعده (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) تقرير لحكم الاختصاص وقوله تعالى (لكيلا يكون عليك حرج) تعليل لقوله في صدر الآية (إنا حللنا لك) أو لما في ذيلها من حكم الاختصاص.
وذكر ابن كثير: قال قتادة في قوله (خالصة لك من دون المؤمنين) ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (1).
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) بالسياق يدل على أن المراد به أنه صلى الله عليه وآله وسلم على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده.
وقال ابن كثير: إن المراد بقوله (ترجي) أي تؤخر في (من تشاء منهن) أي من الواهبات (وتؤوي إليك من تشاء) أي من شئت قبلتها ومن شئت رددتها (2).
____________
(1) المصدر السابق 500 / 3.
(2) المصدر السابق 501 / 3.
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) أي: ومن طلبتها من اللاتي عزلتها ولم تقبلها. فلا إثم عليك ولا لوم. أي: يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها ورددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل والرد، ويمكن أن يكون إشارة إلى أن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم بين نسائه. وأن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن ويقدم من يشاء. ويعزل بعضهن من القسم. فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل. وهو أفقه لقوله بعده (ذلك أدنى أن تقر أعينهن..) الآية وذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له. ورجاء المتأخرة أن تتقدم بعد وذكر ابن كثير في معنى الآية (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن) أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم فإن شئت قسمت وإن شنت لم تقسم. لا جناح عليك في أي ذلك فعلت. ثم مع هذا أن تقسم لهن اختيار منك لا أنه على سبيل الوجوب. فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلتك في ذلك.
واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن (1).
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها: تحريم النساء له صلى الله عليه وآله وسلم إلا من خير هن فاخترن الله. ونفي التبدل بهن يؤيد ذلك. لكن لو فرضت متصلة بما قبلها وهو قوله تعالى (إنا أحللنا لك) الآية. كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات. وفي بعض الروايات عن بعض أئمة أهل البيت إن المراد بالآية: محرمات النساء المعدودة في قوله تعالى من سورة النساء آية 23 (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الآية، وقوله تعالى (ولا أن تبدل بهن من أزواج) أي: أن تطلق بعضهن
____________
(1) المصدر السابق 501 / 3.
وتزوج مكانها من غيرهن، وقوله (إلا ما ملكت يمينك) يعني: الإماء.
وهو استثناء من قوله في صدد الآية (لا يحل لك النساء) (1).
وذكر ابن كثير في تفسيره: (لا يحل لك النساء من بعدا أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك. وبنات العم وبنات العمات وبنات الخال وبنات الخالات والواهبة. وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك.
وهذا مروي عن أبي بن كعب ومجاهد. وروي عن رجل من الأنصار قال.
قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توفين، أما كان له أن يتزوج؟ فقال: وما يمنعه من ذلك؟ قال: قلت: قول الله تعالى (لا يحل لك النساء من بعد) فقال: إنما أحل له ضرباً من النساء.
فقال تعالى (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) إلى قوله تعالى (إن وهبت نفسها للنبي) ثم قيل له (لا يحل لك النساء من بعد).
وروى ابن كثير عن أبي النضر عن أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء (2) إلا ذات محرم) (3)، وذكر ابن كثير لدى قوله تعالى (ولا أن تبدل بهن من أزواج) قال: نهاه عن الزيادة عليهن إن طلق واحدة منهن واستبدال غيرها بها، إلا ما ملكت يمينه (4).
مما سبق يعلم الباحث المتدبر. أن الأمر لله. أحل سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح ما شاء من أصناف النساء الوارد ذكرهن في الآية. وأحل له أن ينكح بغير مهر وهي الهبة ولا تحل الهبة إلا
____________
(1) تفسير الميزان / العلامة الطباطبائي 335 / 16.
(2) أي ما شاء من اللاتي أحل الله له.
(3) تفسير ابن كثير 503 / 3.
(4) المصدر السابق 503 / 3.
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أما غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وكان تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعدد ترى حكمته عند النظر في حركة الدعوة. ويتأمل حركة المجتمع وحياة القبائل في عهد البعثة. نجد إن المخاطر قد أحاطت بالدعوة من كل اتجاه. وكان على الداعي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ بالأسباب لدفع لهذه العقبات.
ولقد اختلفوا في عدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال البعض: تزوج بخمس وعشرين امرأة وخطب خمس وعشرين. وقال البعض: تزوج خمس وعشرين امرأة. وكان في ملك يمينه إحدى وعشرين امرأة. وقال البعض: تزوج بخمس عشرة امرأة وقال البعض الآخر: تزوج بثلاث عشرة امرأة غير ما كان في ملك يمينه.
وهذا الاختلاف يعود أصله لعدم التدبر في السيرة وفي الأحاديث وفي حركة الدعوة عموماً. وعلى أكتاف اللاعلم واللاتدبر واللابصيرة صعد أعداء الدين واعترضوا على الإسلام بهذا وبغيره بعد أن أضافوا إلى ما تلقفوه إضافات جعلته أكثر تشوهاً.
ومما لا يخفى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر برواية الحديث. لأنه يوضح متشابه القرآن ويبين مجمله ويخصص عامه ويفيد مطلقه. ويخبر بما يستقبل الناس من أحداث لكي يأخذوا بأسباب الحياة الكريمة. ومما لا يخفى أيضاً أن رواية الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تسر المسار الطبيعي. ففي مرحلة ثم التضييق على الرواية وفي مرحلة منع الناس من تدوين العلم وردعوا عن جمع السنن والآثار وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله مطلقاً. وحبس أعلام الصحابة في المدينة لكيلا يذيعوا الأحاديث في الآفاق (1). ولا يخفى ما قد
____________
(1) أنظر كتابنا / معالم الفتن، كتابنا / إبتلاءات الأمم.
ترتب على هذا من المفاسد التي تتلافى أبداً. من ذلك شيوع القصص.
والقصص هو إخبار الناس بقصص الماضين. وعمل ذلك مذموم شرعاً لأنه يصرف الناس عن الاشتغال بالعلوم الدينية والنافعة. ولم يعهد ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومع انتشار القصص وضع القصاصون الحديث في قصصهم. وكانوا إذا دخلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوام والرعاع. أكثر جسارة على وضع الحديث، ومما وضعوه أحاديث تنافي عصمة الأنبياء فجعلتهم يخطؤون. وذلك أنهم عتموا على جوانب الوحي والدعوة. وأظهروا جوانب الشهوات من حب النساء والأموال والرآسة إلى غير ذلك (1).
ومما نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسب ويلعن ويجلد. ونسبوا إليه أنه كان يسهو في الصلاة وأنه كان ينسى آيات القرآن الكريم، وأنه خطب إحدى زوجاته وهي في سن السادسة وبنى بها وهي في سن التاسعة. وجميع ذلك تحت عنوان إنه بشر يغضب وينسى ويبحث عن الجمال والمتعة. قاتلهم الله وتحت عنوان الشجاعة أظهروا حركة السيف وعتموا على الكلمة (2).
وأرادوا من وراء تجريد النبي من العصمة. أن يبرروا أخطاء الأمراء الذين ضيعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات وبالجملة: كان القصص مدخلاً للكذابين. وكان النواة الأولى لاختلال منهج البحث ومنهج التفكير ومنهج الاستدلال. وتحت هذا السقف لا تظهر القراءة النقدية المتفحصة التقييمية إلا بعد عناء شديد.
ومما لا شك فيه أن رواية الحديث الشريف نهضت في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، إلا أن أهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان
____________
(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق.
تصدوا لهذه النهضة وعارضوها بما بين أيديهم من حديث نخر فيه القصص إلى أقص مدى، وعلى امتداد المسيرة بعد ذلك كان كل فريقاً يمسك بحبله، وعلى امتداد حبل بني أمية ظهرت العقائد الفاسدة من جبرية وقدرية ومرجئة. ورفعت أعلام الملك وكانت حركة الملوك عند الخطأ تبرر ويلتمس لها الأعذار من مخزون عتيق يعود فضل ولادته إلى القصاصين (1)، وعلى امتداد حبل الإمام علي بن أبي طالب. كان الحديث الشريف وعلومه. والقرآن الكريم وعلومه. حجة على المسيرة لكيلا يكون للناس على الله حجة، ولا يغني هذا أن الكذابين لم تمتد أيديهم إلى هذا الوعاء، فربما امتدت أيديهم ولكن بعيداً عن العبادات وعلوم المتشابه والمحكم من الآيات.
وعلى امتداد المسيرة نشط العلماء وجمعوا السنن والآثار النبوية ودونوهما، ثم جاء من بعدهم علماء سهروا من أجل تنقية الأحاديث مما علق بها، ورغم عمليات التنقية إلا أن وعاء الحديث لم يسلم من وجود الأحاديث الإسرائيلية والأحاديث التي أشرف على طهيها القصاصون، وتوالى العلماء من أجل إنجاز هذه المهمة. ولكن المهمة لم تصل إلى غايتها. وذلك لأن الدولة كانت قد خلقت رموزاً ممنوع الاقتراب منها، والفرق والأحزاب والمجتمع خلقوا أصنافاً لا يمسها أحد بسوء أو نقد.
فمن اقترب من كتاب ما أو من جامعه، يكون قد أساء إلى الدولة. ومن الدولة انتقلت الإساءة إلى المواطنين. ولما كان المجتمع قد تشرب حالة العداء لكل من يقترب من رمز من الرموز، فإن مجهود العلماء في هذا الباب لم يحقق الكثير وما حققوه يستحقوا عليه الثناء.
وشاء الله تعالى أن يقيم حجته ولو كره الوضاعون الذين أدخلوا في حركة الدعوة ما ليس منها. وتاجروا بقصص لا تفيد الدعوة ولم يقم على
____________
(1) المصدر السابق.
أحداثها تشريع، وحجة الله تعالى هو القرآن الكريم. وعلى ضوء القرآن يتبين الباحث المنصف أن حركة الدعوة الإسلامية في عهد النبوة. كانت حركة قرآنية شكلاً وموضوعاً. ولقد وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأوصاف حميدة. وصفه بأنه رؤوف رحيم وأنه على خلق عظيم إلى غير ذلك. وبين القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالعصمة ومصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه. وألزم القرآن الناس بأن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم أسوة حسنة.
وفي عهد البعثة كانت أجهزة الصد عن سبيل الله تعلم أن عصمة الرسول من حجج القرآن. وقد رسموا كثيراً من الخطط لإبطال هذه الحجة وغيرها فخاب سعيهم ورد الله كيدهم إلى نحورهم. وعلى امتداد المسيرة كان المسلمون يعرضون أي رأي وأي حديث وأي عقيدة على القرآن الكريم. فإذا لم يروا ضوءاً قرآنياً على هذه الدوائر. لم تلتفتوا إليها، وذلك لاعتقادهم الراسخ بأن كل رأي ديني لا بد أن ينتهي إلى القرآن.
ذلك الكتاب الذي لا يقبل النسخ والإبطال والتهذيب والتغيير. ولا يجد الباطل طريقه إليه. وبالجملة: إن حركة الدعوة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقرأ إلا تحت هذا العنوان (عصمة الرسول) لأنها مركز للضوء القرآني.
ثم نعود إلى حيث بدأنا. وهو عدد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهو العدد الذي بالغ فيه البعض روى صاحب الميزان: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة امرأة منهن، وقبض عن تسع، فأما اللتان لم يدخل بهما: فعمرة وسبا، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن. فأولهن: خديجة بنت خويلد. ثم سودة بنت زمعة. ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية. ثم أم عبد الله
عائشة بنت أبي بكر. ثم حفصة بنت عمر. ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين. ثم زينب بنت جحش. ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان. ثم ميمونة بنت الحارث. ثم زينب بنت عميس. ثم جويرية بنت الحارث. ثم صفية بنت حمى بن أخطب. والتي وهبت نفسها للنبي خولة بنت حكيم السلمي، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية. وريحانة الخندقية. والتسع اللاتي قبض عنهن: عائشة. وحفصة.
وأم سلمة. وزينب بنت جحش. وميمونة بنت الحارث. وأم حبيب بنت أبي سفيان. وجويرية. وسودة. وصفية، وأفضلهن: خديجة بنت خويلد.
ثم أم سلمة ثم ميمونة (1).
وقال أبو عمر في الإستيعاب: اللواتي لم يختلف أهل العلم فيهن.
هن إحدى عشر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون عليه السلام، وأربع من سائر العرب. وتوفي في حياته صلى الله عليه وسلم من أزواجه اثنتان:
خديجة بنت خويلد. وزينب بنت خزيمة، وتخلف منهن تسع بعده، وأما اللواتي اختلف فيهن ممن ابتنى بها أو فارقها أو عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يتم له العقد معها، فقد اختلف فيهن. وفي أسباب فراقهن اختلافاً كثيراً يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن (2).
وعن ابن هشام في السيرة: لم يختلف أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم. تزوج ست من قريش هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة. وأم سلمة بنت أبي أمية. وعائشة بنت أبي بكر. وحفصة بنت عمر.
وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وإنه تزوج من العربيات وغيرهن أربع هن:
زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث. وزينب بنت خزيمة. وجويرية
____________
(1) تفسير الميزان 316 / 16.
(2) الإستيعاب 34 / 1.
بنت الحارث، وتزوج من بني إسرائيل واحدة هي: صفية بنت حيي من ولد هارون عليه السلام. وكان له سريتان يقسم لها مع أزواجه هما: مارية القبطية. وريحانة.
وبقراءة السيرة وبالنظر في الدعوة في زمن البعثة. يقف الباحث على أن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكمه البلاغ والإنذار والدعوة إلى الله عز وجل. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ببعض هؤلاء الأزواج اكتساباً للقوة وازدياداً للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء استمالة للقلوب وتوقياً من بعض الشرور، وببعض هؤلاء ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش وليكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة، وببعضها لتثبيت حكم مشروع وإجراء عملاً لكسر السنن المنحطة والبدع الباطلة الجارية بين الناس. كما في تزوجه بزينب بنت جحش. وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثم طلقها زيد وقد كان يدعي زيد بن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني. وكانت زوجة المدعو ابنا عندهم كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب. فأبطل الإسلام ذلك.
وبالنظر في ازدواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء.
نجد إنه تزوج أول ما تزوج بخديجة رضي الله عنها. وعاش معها مقتصراً عليها نيفاً وعشرين سنة، وبعد وفاتها تزوج بسودة بنت زمعة وقد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة. وكانت سودة مؤمنة مهاجرة.
ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والإكراه على الكفر.
وتزوج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبيدة بن الحارث يوم بدر شهيداً. وكانت من السيدات الفاضلات في الجاهلية تدعى أم المساكين لكثرة برها للفقراء والمساكين. فصان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بازدواجها ماء وجهها.
وتزوج بأم سلمة. واسمها هند. وكانت من قبل زوجة عبد الله بن عبد الأسد أبي سلمة. أول من هاجر إلى الحبشة. توفي من أثر جرح أصابه يوم أحد. وكانت أم سلمة زاهدة فاضلة ذات دين ورأي. فلما توفي عنها زوجها وكانت ذات أيتام تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتزوج بجويرية. واسمها برة بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد وقعة بني المصطلق. وقد كان المسلمون أسروا منهم مثني بيت بالنساء والذراري. فتزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها. فقال المسلمون:
هؤلاء أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم. جميعاً. فأسلم بنو المصطلق بذلك ولحقوا عن آخرهم بالمسلمين وكانوا جما غفيراً. وأثر ذلك أثراً حسناً في سائر العرب. وكان هذا العمل من الأسباب الرئيسية لتصدع جبهة المشركين. وذلك أن أبا سفيان بن حرب كان يرتكز في حربه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا البطن من خزاعة بني المصطلق. فلما أسلموا تصدعت جبهة أبو سفيان. وفتح الطريق أمام الدعوة بعد ذلك وأرسلت الرسائل إلى القادة والملوك.
وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب من نسل هارون عليه السلام.
وكانت في سبي خيبر. فاصطفاها وأعتقها وتزوج بها. وأقيمت بهذا الازدواج حجة دامغة على اليهود كما سيأتي.
وتزوج أم حبيبة. واسمها رملة بنت أبي سفيان. وكانت زوجة عبيد الله بن جحش. وهاجر معها إلى الحبشة الهجرة الثانية فتنصر عبيد الله هناك. وثبتت هي على الإسلام. وكان أبوها أبو سفيان في مكة يجمع الجموع على الإسلام يومئذ. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحصنها.
وتزوج بحفصة بنت عمر. وقد مات زوجها بعد الهجرة مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بدر. وتزوج عائشة بنت أبي بكر وهي بكر.
لقد قالوا: إن تعدد الزوجات لا يخلو من الانقياد لداعي الشهوة.
فأين هذا الانقياد وهذا الداعي؟ لقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما تزوج بخديجة وعاش معها مقتصراً عليها نيفاً وعشرين سنة وهذه المدة هي ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج، ومن هذه المدة ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين. وتزوج بعدها من النساء منهن البكر ومنهن الثيب ومنهن الشابة ومنهن العجوز والمكتهلة، وكان ذلك ما يقرب من عشرة سنين، ثم حرم عليه النساء بعد ذلك إلا من هي في حبالة نكاحه، ومن المعلوم أن هذه الفعال على هذه الخصوصيات، لا يقبل التوجيه بمجرد حب النساء والولوع بهن. والوله بالقرب منهن. فأول هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك (1).
ووفقاً لما نشاهده من العادة الجارية بين الناس. إن الرجل المتولع بالنساء المغرم بحبهن والخلاء بهن والصبوة إليهن. هذا الرجل تراه مجذوب إلى الزينة عشيق للجمال. حنين إلى الشباب ونضارة السن وطراوة الخلقة. فإذا نظرنا إلى هذه الخواص التي تتوفر في الرجل المتولع بالنساء. نجد أنها لا تنطبق على سيرة النبي الأعظم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه بني بالثيب بعد البكر. وبالعجوز بعد الفتاة الشابة. فقد بنى بسودة بنت زمعة وهي مسنة. وبنى بزينب بنت جحش وسنها يومئذ يقرب على الخمسين بعدما تزوج بمثل عائشة وأم حبيبة.
وهكذا.
____________
(1) تفسير الميزان 195 / 4. فإذا أضفنا إلى هذه الحركة في الازدواج أنه صلى الله عليه وآله وسلم خير نساءه بين التمتيع والسراح الجميل وهو الطلاق إن كن يردن الدنيا وزينتها، وبين الزهد في الدنيا وترك التزين والتجمل إن كن يردن الله ورسوله والدار الآخرة. على ما يشهد به قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً) (1).
فهذا المعنى أيضاً أمام الباحث المتدبر لا ينطبق على حال رجل مغرم بجمال النساء صاب إلى وصالهن، فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمق إذا أنصف إلا أن يوجه كثرة ازدواجه صلى الله عليه وآله وسلم، فيما بين أول أمره وآخر أمره، بعوامل أخرى غير عامل الانقياد لداعي الشهوة حيث الشره والشبق والتلهي.
في ظلال الأوامر الإلهية لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم
سار النبي بالدعوة في طريق الزهد وترك الزينة وندب نساءه إلى ذلك. قال تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً. يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً. ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقاً كريماً. يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً.
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى. وأقمن الصلاة وآتين
____________
(1) سورة الأحزاب آية 29.
الزكاة وأطعن الله ورسوله) (1).
قال صاحب تفسير الميزان: آيات راجعة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمره أولاً: أن ينبئهن أن ليس لهن من الدنيا وزينتها إلا العفاف والكفاف إن اخترن زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تخاطبهن ثانياً: إنهن واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلو والشرف، فإن اتقين الله يؤتين أجرهن مرتين. وإن أتين بفاحشة مبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين، ويأمرهن بالعفة ولزوم بيوتهن من غير تبرج، والصلاة والزكاة وذكر ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة. ثم يعد مطلق الصالحين من الرجال والنساء وعدا بالمغفرة والأجر العظيم فقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك) إلى تمام الآيتين. أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخيرهن بين أن يفارقنه ولهن ما يردن، وبين أن يبقين عنده ولهن ما هن عليه من الوضع الموجود. وقد ردد أمرهن بين أن يردن الحياة الدنيا وزينتها، وبين أن يردن الله ورسوله والدار الآخرة. وهذا الترديد يدل: أن الجمع بين سعة العيش وصفائها بالتمتع مع الحياة وزينتها وزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعيشة في بيته مما لا يجتمعان.
ونتبين من الآيات أن ليس لزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هي زوجية كرامة عند الله تعالى، وإنما الكرامة المقارنة لزوجيته المقارنة للإحسان والتقوى. ولذلك لما ذكر سبحانه ثانياً علو منزلتهن، قيده أيضاً بالتقوى فقال تعالى (لستن كأحد من النساء إن اتقتين) وهذا كقوله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً). إلى أن قال عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجراً عظيماً)
____________
(1) سورة الأحزاب آيات 28 - 33. | |
|
طريقي زينبي الرتبــــــة
رقم العضوية : 33 الجنــس : المواليد : 20/08/1994 التسجيل : 11/01/2013 العمـــــــــــــــــر : 30 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 3643 نقـــــــــاط التقيم : 4443 السٌّمعَــــــــــــــة : 5 علم بلدك : الموقع : https://albeet.alafdal.net/ المنتدى ومراقب عام
| موضوع: رد: تأملات في حكمة تعدد أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإثنين أبريل 08, 2013 6:27 pm | |
| | |
|
عهد الوفاء الرتبــــــة
رقم العضوية : 44 الجنــس : المواليد : 25/06/1977 التسجيل : 21/01/2013 العمـــــــــــــــــر : 47 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 8799 نقـــــــــاط التقيم : 11721 السٌّمعَــــــــــــــة : 3 علم بلدك : مشرفة الاجتماعيات والكتاب الشيعي
| موضوع: رد: تأملات في حكمة تعدد أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإثنين أبريل 08, 2013 7:55 pm | |
| يسلموُِووالايادي عُِلى هيُِك طرح بأنتظآُِر جديدك ٍُبكل ُشوقًِ دمتٍُي بـتآلقُِ ..~ | |
|
أبو سجاد الرتبــــــة
رقم العضوية : 9 الجنــس : المواليد : 15/05/1973 التسجيل : 19/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 51 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 10278 نقـــــــــاط التقيم : 14107 السٌّمعَــــــــــــــة : 6 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام مشرف منتدى الامام علي عليه السلام
| موضوع: رد: تأملات في حكمة تعدد أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإثنين أبريل 08, 2013 8:53 pm | |
| بارك الله بجهودك أخي بشار الربيعي ودمت بحفظ الله | |
|