{{اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرج قآئم آل محمد}}
((الرؤيا في المنام))
ان الرؤيا في المنامهي احدي الآيات الالهية و هي نافذة نحو عالم الغيب خلقت من روح الانسان و جسمه و اعتبرت من صفاته و خصائصه الطبيعية.
البشرية قاطبة، کانت ولازالت وستکون، بعالم الماديات، أو عالم الشهود أحد أوجه عملة الحياة الدنيا، وقليل منها يؤمن بعالم الروحيات أو الماورائيات، أو عالم الغيب وهو الوجه الثاني للعملة، بيد أن هذا الکثير من ذلک القليل، يحلم في منامه، إلا ما شذ وندر، وهذا الشاذ أقرب الى المرض منه الى الصحة، والحلم انعتاق من أسر الماديات، وقلع لأوتادها من جذورها، يقفز فيه الحالم الى مديات خيالية في ثوانٍ معدودة أو أقل من ذلک، فيسبح ويطير ويعرج خارج مدارات الماديات، ويخترق حزمات الجاذبية ودوائرها، فيؤمن باطنه أثناء النوم بالماورائيات، دون أن يؤمن في واقعه ويقظته.
الرؤيا في المنامهي احدي الآيات الالهية: (وَ مِنْ ءَايَاتِهِ مَنَامُکمُ بِالَّيْلِ وَ النهََّارِ وَ ابْتِغَاؤُکُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فىِ ذَالِکَ لاََيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُون) [الروم: 23.]
و هي نافذة نحو عالم الغيب. و من خلال و جهة نظر معينة فان الرؤياعبارة عن حالة انتقال الانسان من العالم الخارجي الي عالمه الداخلي، و هي من أهم العوامل المساعدة علي تعرف الانسان علي نفسه.
ان الاحلام التي يراها الانسان غالباً ما تکشف عن عالمه الداخلي. و بناء علي هذا فان الذين يعانون من الکوابيس دوماً فان ذلک يعد دليلاً علي انهم لم يکونوا في وضع معنوي جيد و أنه يجب عليهم احداث تغيير في حياتهم، و کذلک فان الرؤي الجِيدة و المبشرة تخبر عن الصفاء الداخلي للشخص.
وبناء علي هذا فان من الحکم المهمة التي تتضمنها الرؤي و المنامات للانسان هي معرفة النفس و التأمل في عالم الضمير اللاشعوري. و ليس علم تفسير الاحلام في الحقيقة سوي تأمل الشخص في عالمه الباطني وسعيه لفهم المعاني المثالية لعالم الرؤيا. و يري الحکماء ان الرؤيا موهبة الهية يستطيع عن طريقها الانسان اختلاس النظر الي عالم الباطن و باطن العالم.
ولو لم تکن الرؤي موجودة کظاهرة فطرية لکان من الصعب علي الناس العاديين فهم کلام الاولياء و الانبياء حول عالم الآخرة و العوالم الغيبية. و الحال انه يمکن عن طريق تجربة الرؤيا التي تشتمل علي مراتب و درجات کثيرة، تجربة و ادراک الکثير من الحقائق التوحيدية و المعارف الغيبية و ان کان ذلک علي مستوي بسيط. و من ذلک ما يمکن الاشارة اليه من الشبه بين الرؤياو تجربة الموت. فانه طبقاً لآية من القرآن فان (المنام) تجربة قصيرة المدة عن الموت و السير الاخروي
اللَّهُ يَتَوَفىَّ الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتىِ لَمْ تَمُتْ فىِ مَنَامِهَا فَيُمْسِکُ الَّتىِ قَضىَ عَلَيهَْا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلىَ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فىِ ذَالِکَ لاََيَتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَکَّرُون)[ الزمر: 42.].
فانه طبقاً لهذه الآية الکريمة فان الله - سواء في حال النوم أم في واقعة الموت- يقبض( يتوفي) الروح و الفرق بينهما فقط في الاجل الذي عين للموت- و في حال النوم تعاد الروح الي الجسم مرة اخري. و کذلک فان هذه الآية تشير الي ان اصحاب التفکر و التأمل حول واقعة النوم و الرؤياسيتوصلون الي حقائق غيبية و حکم الهية کثيرة.
وبناء علي هذا فان الرؤيا- کما هو الموت- خاصية وصفة طبيعية جعلت في خلقة روح و جسم الانسان و من هنا فان النوم و کذلک الموت تجربة لحياة افضل، و لا يعنيان ابداً الاقتراب من العدم و الفناء رغم ان النوم و الموت کليهما يقترنان مع ارتخاء الحواس الظاهرية و الجسمانية (و بالطبع فان في تجربة الموت تقطع الروح علاقتها بشکل تام مع البدن العنصري و المادي) و لکن ذلک يعني الدخول الي مستوي اعلي من الوعي.
الرؤيا الصادقة: من الحکم الالهية للرؤيا المنامية هو ما يتعلق بالهداية الباطنية للناس. و من هنا فان الرؤيا تعد ارضية لاستلام الهدايات الالهية.
ولعل الأحلام، بغض النظر عن أضغاثها من صادقها، هي واحدة من الوثائق الحية التي يعتاشها الانسان کل يوم بشکل عام، تدحض النظرية المادية الخالصة، التي تنزع عن الحياة الدنيا روحانيتها وغيبها، فالمؤمن بعالمي الغيب والشهود يحلم، والمؤمن بعالم الشهود دون الغيب يحلم هو الآخر، فالأول يؤمن ظاهره وباطنه بعالم الماورائيات، والثاني يکفر ظاهره ويؤمن باطنه، والحق مع باطنه البعيد عن شد الدنيا وجذبها.
المقصود بالروح التي تهب الانسان الحياة، باعتبارها أحد أبعاد الانسان المحيطة به غير الداخلة في أحشائه، عن الامام الصادق (علية السلآم )
إن الأرواح لا تمازج البدن ولا تواکله وإنما هي کلل للبدن محيطة به)، ولذلک فحينما يغلب النوم على الانسان تتمتع الروح: "بمساحة اکبر من الحرية إذ إن انشغالاتها تهبط وتقل من حالة اليقظة، فلها أن تبث ببعض أمواجها وإشعاعاتها وتتصل بأرواح أخرى وتبقى هي في مرکزها المحيط بالإنسان".
و اما"النفس"، باعتبارها واحدة من أبعاد الانسان الأُخر ولها: "شفافية خاصة بعالم اللاماديات"، ووجودها يتم بعد ارتباط الروح بالجسد عبر شفرة إلهية: "والنفس يمکن تنميتها لتصل الى أعلى درجات الکمال وهي أيضا يمکنها أن تتلون بألوان عدة، وهي کذلک تموت بفک الارتباط، کما أنها تأتي بإعادة الارتباط"، ولکن مع هذا فان النفس حالها حال الروح بقي کنهها عصي على الفهم والإدراک الکلي، نعرفها بآثارها.
ونحن نعلم ان الرؤيامراتب و انواع مختلفة، و بعضها- و هو ما يعبر عنه بالرؤيا الصادقة و الصالحة، له جنبة الهية، و ورد في القرآن و الروايات ايضاً تأييدها و التأکيد عليها. فقد نقل ابن عباس عن النبي (صلى الله علية وآلة وسلم ) قوله: "أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ" [1]
و يقول (صلى الله علية وآلة وسلم ) في رواية آخري: " إِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ"[2].
وکذلک نقل عن النبي (صلى الله علية وآلة وسلم ) في تفسير آية (لهم البشري في الحياة االدنيا)[ يونس: 64]
انه قال: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُبَشَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ فَمَنْ رَأَى ذَلِکَ فَلْيُخْبِرْ بِهَا وَادّاً وَ مَنْ رَأَى سِوَى ذَلِکَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثاً وَ لَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَداً[3].
ولکن العقل هو الذي يقيّم الأمور ويزنها ويختار ما هو الأنسب والأصح في الموقع المناسب"، وهو يحل في المرتبة الثانية بعد الروح لقيادة الانسان، ويأتي بعده القلب. وتوجد علاقة العقل بالرؤيا، من الناحية العقلية والنفسية والفسيولوجية.
المصادر:
[1]المجلسي، بحار الانوار،ج58، ص192،مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404ق.
[2]الشيخ الصدوق، الفقه، ج2، ص585، منشورات جامعة المدرسين، قم، 1413ق.
[3]المجلسي، بحار الانوار، ج58، ص191، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404ق
نسألكم خآلص الدعاء