سياسة الإصلاح الإداري والاقتصاديلقد انطلقت سياسة الإصلاح العلوي في مواجهة الفساد الإداري والاقتصادي منذ الأيّام الاُولى لعهد الإمام السياسي، فعزَل الولاة غير الأكفّاء، وأعاد الأموال العامّة إلى بيت المال.
لقد أشار الإمام منذ يوم البيعة الأوّل إلى نهجه الاُصولي في الإصلاح، ونبَّه إلى سياساته على هذا الصعيد بشكل مقتضب وعامّ، وهو يقول: «اعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم اُصغِ إلى قول القائل، وعتب العاتب»
(6).
وفي ثاني أيّام خلافته اعتلى المنبر، ثمّ راح يُصرّح بما كان قد أشار إليه في اليوم السابق، وهو يقول: «ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال اللَّه فهو مردود في بيت المال؛ فإنّ الحقّ القديم لا يُبطله شيء، ولو وجدتُه وقد تُزوِّج به النساء وَفُرِّق في البلدان، لرددته إلى حاله؛ فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».
لقد تحدَّث الإمام بإسهاب في خطاب تفصيليّ ألقاه في ذلك اليوم عن مسؤوليّة قادة المجتمع في بسط العدالة الاجتماعيّة، وأعلن بوضوح أنّه لن يسمح لأحدٍ -دون استثناء- من استغلال المال العامّ، وأنّ اُولئك الذين راكموا ثرواتهم عبر غصب المال العامّ وحصلوا - عن هذا الطريق - على الأراضي الخصبة (القطائع) والخيول المسوّمة والجواري الحسان، سيعمد علي إلى مصادرة هذه الثروات المغصوبة بأجمعها وردّها إلى بيت المال.
كان هذا الحديث لأمير المؤمنين(عليه السلام) بمنزلة الصاعقة التي نزلت على رؤوس من يعنيهم الأمر، حيث راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلويّة تتجسّد في معارضة شخصيّات معروفة لحكم الإمام.
وفي اليوم الثالث من أيّام عهد الإمام دعا الناس إلى استلام أعطياتهم من بيت المال، حيث أمر(عليه السلام) كاتبه عبيداللَّه بن أبيرافع أن يسير على النهج التالي: «ابدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ كلّ رجلٍ ممّن حضر ثلاثة دنانير، ثمّ ثَنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومَن حضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك».
أدرك سُراةُ القوم وكبراؤهم أنّ العدالة الاقتصاديّة في ظلال حكم عليّ(عليه السلام) ليست شعاراً وحسب، بل هي نهج جادّ لا محيد عنه، فراحوا يتحجّجون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام، وأبدَوا تذمّرهم من ذلك، فما كان من ابن أبيرافع إلّا أن رفع الأمر إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيّات المرموقة، ليس هذا وحسب، بل أعلن بجزم عن إدامة النهج الإصلاحي، وهو يقول: «واللَّه إن بقيت وسلمت لهم لأقيمنّهم على المحجّة البيضاء».
من هذه البؤرة بالذات بدأت مسألة الطلب بثأر عثمان من الإمام! والذي يبعث على التأمّل أنّ بعض أصحاب الثروات كانوا قد قيّدوا بيعتهم للإمام بشرطين؛ الأوّل: أن لا يقترب الإمام من ثرواتهم التي كانوا جنوها على عهد عثمان، والثاني: أن يقتصّ من قتلة عثمان.
لقد كان الإمام يعلم أنّ مسألة إنزال القصاص بقَتَلة عثمان لم تكن أكثر من ذريعة لعدم استرداد الثروات غير المشروعة لهؤلاء، بيدَ أنه لم يُذعن إلى أيٍّ من هذين الشرطين، وواجه - بحزم وصلابة - الاقتراحات التساوميّة.