ذا كان الموت هكذا، قنطرة، جسراً أو باباً نخرج عبره من حياة إلى حياة، أنفتحه؟ لماذا
نخشى هذا الموت ونخافه؟! بل بالعكس أئمتنا (ع) يعلموننا أن علينا أن نقبل عليه ونحبه
وننتظره ونسعى إليه، لأننا إن عشنا أكثر قد نمتحن أو نبتلى أكثر، وقد نواجه المزيد من
المخاطر التي قد تهدد آخرتنا وعاقبتنا.
لو جاء شخص أو أشخاص صادقون وقالوا لنا ـ ونحن جميعاً من محبي الحجة (عج) ـ: خلف
هذا الباب في هذا المكان يقف الحجة (عج)، فمن يريد لقاءه فليذهب ويفتح الباب ويمضي
إليه، ألا نترك كلنا أماكننا ونهجم على الباب لنفتحه ونذهب إلى المكان الثاني، لأن خلف الباب
من نحب وننتظر ونشتاق إليه، بعد مئات من السنين!
الله تعالى، رسول الله ، أئمة أهل البيت (ع) يقولون: خلف هذا الباب الذي اسمه الموت
جنات عرضها السماوات والأرض، خلف هذا الباب: لقاء الله، ومحمد بن عبد الله ، وعلي
بن أبي طالب (ع)، وفاطمة بنت محمد (ع)، والحسن والحسين (ع) والأنبياء والرسل (ع)
والشهداء والمجاهدون والأحبة على مدى التاريخ. خلف هذا الباب ما لا عين رأت ولا أذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر، أنخاف هذا الباب ونخشاه؟! بالعكس، فإذا كنا نملك هذا
الإيمان وهذا اليقين، فيجب أن نندفع بقوة نحوه، نبحث عنه في الليالي وفي كل نهار، في
كل موقع وعند كل مفترق طرق، نفتش عن هذا الباب ونفتحه حتى ننتقل من دار إلى دار
كما انتقل الحسين (ع). الحسين هنا يعلمنا أكثر من هذا، يعلمنا كيف يصبح الموت حباً
ويصبح التعلق بالآخرة شوقاً، وكيف تصبح الشهادة هي الطريق إلى تحقق هذا الحب
والوصول إلى نهاية هذا الشوق.
الحسين نفسه يقول: "إني لا أرى الموت إلا السعادة"، هذه مدرسة الحسين (ع): لا يرى
الموت موتاً، لا يراه فناءً أو حزناً أو ألماً؛ "إني لا أرى الموت إلا سعادة،
والحياة مع الظالمين إلا برماً"
(7). وفي مكان آخر: "خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة"(
. أي ما
معناه: هذه سنة إلهية حاكمة. يعني الحسين (ع) ذاهب إلى كربلاء، إلى الموت، لكن بأي
روح يذهب؟ وبأي نفس يذهب؟ يقول (ع): "ما أولهني إلى أسلافي ـ أي ما هو أعظم من
الشوق ـ اشتياق يعقوب إلى يوسف"(9). ونحن نعرف مدى عظمة اشتياق يعقوب إلى
يوسف (ع)، وهو الذي بكى يوسف (ع) حتى ابيضت عيناه. فالحسين (ع) يذهب إلى كربلاء
بهذا الشوق، بهذا الحب والوله.
إذاً، في ثقافة الشهادة والاستشهاد عندنا ـ والشهادة هي نوع خاص من الموت؛ أي الموت
قتلاً في سبيل الله ـ يصبح الموت بالنسبة إلينا شيئاً نرغبه ونفتش عنه ولا نخافه أو نخشاه
كما يخافه أو يخشاه الناس.
في لبنان لسنا بحاجة لنتكلم عن التاريخ، ألا يحدثنا العدو عن الاستشهاديين من المجاهدين،
كيف اقتحموا قلاع العدو والابتسامة تملأ وجوههم! العدو حدثنا عن هذا، وأتى الأجانب
ليسألونا كيف يقتحم المجاهد الموقع المعادي وهو يضحك؟! إذا لم يقدر الشخص أن يفهم
الحسين (ع) فلن يفهم هذه القصة، الموت هنا أيضاً، يتحول إلى أكثر من أمر لا نخشاه؛ أي أن
هناك مرحلة نخاف فيها من الموت، ومرحلة لا نخاف فيها من الموت، ومرحلة ثالثة نحب
فيها الموت ونعشقه قتلاً في سبيل الله عز وجل. هذه مدرسة كربلاء.
مقتطف من كلمة لسماحة السيد حسن نصرالله ألقاها في 4 محرم 1418هـ