•
الآية 6
اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴿6﴾
القراءة:
قرأ حمزة بإشمام الصاد الزاي إلا العجلي وبرواية خلاد وابن سعدان يشم هاهنا
في الموضعين فقط وقرأ الكسائي من طريق أبي حمدون بإشمام السين ويعقوب من
طريق رويس بالسين والباقون بالصاد.
الحجة:
الأصل في الصراط السين لأنه مشتق من السرط ومسترط الطعام ممره ومنه قولهم
سرطراط والأصل سريط فمن قرأ بالسين راعى الأصل ومن قرأ بالصاد فلما بين
الصاد والطاء من المؤاخاة بالاستعلاء والإطباق ولكراهة أن يتسفل بالسين ثم
يتصعد بالطاء في السراط وإذا كانوا قد أبدلوا من السين الصاد مع القاف في
صقب وصويق ليجعلوها في استعلاء القاف مع بعد القاف من السين وقرب الطاء
منها فأن يبدلوا منها الصاد مع الطاء أجدر من حيث كان الصاد إلى الطاء أقرب
ألا ترى أنهما جميعا من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وأن الطاء تدغم في
الصاد ومن قرأ بإشمام الزاي فللمؤاخاة بين السين والطاء بحرف مجهور من مخرج
السين وهوالزاي من غير إبطال الأصل.
اللغة:
الهداية في اللغة الإرشاد والدلالة على الشيء يقال لمن يتقدم القوم ويدلهم على الطريق هاد خريت أي دال مرشد قال طرفة:
للفتى عقل يعيش به
حيث تهدي ساقه قدمه والهداية التوفيق قال:
فلا تعجلن هداك المليك
فإن لكل مقام مقالا أي وفقك والصراط الطريق الواضح المتسع وسمي بذلك لأنه
يسرط المارة أي يبتلعها والمستقيم المستوي الذي لا اعوجاج فيه قال جرير :
أمير المؤمنين على صراط
إذا أعوج الموارد مستقيم
الإعراب:
﴿اهدنا﴾ مبني على الوقف وفاعله الضمير المستكن فيه لله تعالى والهمزة
مكسورة لأن ثالث المضارع منه مكسور وموضع النون والألف من اهدنا نصب لأنه
مفعول به والصراط منصوب لأنه مفعول ثان.
المعنى:
قيل في معنى ﴿اهدنا﴾ وجوه (أحدها) أن معناه ثبتنا على الدين الحق لأن الله
تعالى قد هدى الخلق كلهم إلا أن الإنسان قد يزل وترد عليه الخواطر الفاسدة
فيحسن أن يسأل الله تعالى أن يثبته على دينه ويديمه عليه ويعطيه زيادات
الهدى التي هي إحدى أسباب الثبات على الدين كما قال الله تعالى ﴿والذين
اهتدوا زادهم هدى﴾ وهذا كما يقول القائل لغيره وهو يأكل كل أي دم على الأكل
(وثانيها) أن الهداية هي الثواب لقوله تعالى : يهديهم ربهم بإيمانهم فصار
معناه اهدنا إلى طريق الجنة ثوابا لنا ويؤيده قوله الحمد لله الذي هدانا
لهذا (وثالثها) أن المراد دلنا على الدين الحق في مستقبل العمر كما دللتنا
عليه في الماضي ويجوز الدعاء بالشيء الذي يكون حاصلا كقوله تعالى : قل رب
احكم بالحق وقوله حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): ولا تخزني يوم يبعثون
وذلك أن الدعاء عبادة وفيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى فإن قيل ما معنى
المسألة في ذلك وقد فعله الله بجوابه أنه يجوز أن يكون لنا في الدعاء به
مصلحة في ديننا وهذا كما تعبدنا بأن نكرر التسبيح والتحميد والإقرار لربنا
عز اسمه بالتوحيد وإن كنا معتقدين لجميع ذلك ويجوز أن يكون الله تعالى يعلم
أن أشياء كثيرة تكون أصلح لنا إذا سألناه وإذا لم نسأله لا تكون مصلحة
فيكون ذلك وجها في حسن المسألة ويجوز أن يكون المراد استمرار التكليف
والتعريض للثواب لأن إدامته ليس بواجب بل هو تفضل محض فجاز أن يرغب إليه
فيه بالدعاء وقيل في معنى ﴿الصراط المستقيم﴾ وجوه.
(أحدها) أنه كتاب الله وهو المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعن
علي (عليه السلام) وابن مسعود (وثانيها) أنه الإسلام وهو المروي عن جابر
وابن عباس (وثالثها) أنه دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره عن محمد بن
الحنفية (والرابع) أنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة القائمون
مقامه وهو المروي في أخبارنا والأولى حمل
الآية على العموم حتى يدخل جميع ذلك فيه لأن الصراط المستقيم هو الدين الذي أمر الله به من التوحيد والعدل وولاية من أوجب الله طاعته.