سبب
نزول الآية (3) من
سورة النساء
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا
طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ
أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ، وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً
فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا
مَّرِيئًا﴾
واختلف المفسرون في سبب
نزول هذه
الآية على ستة أقوال:
أولها: ما روي عن عائشة انها قالت: نزلت في اليتيمة التي تكون في حجر وليها
فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بدون صداق مثلها، فنهوا أن
ينكحوهن إلا أن يقسطوا لها صداق مهر مثلها، وأمروا أن ينكحوا ما طاب مما
سواهن من
النساء إلى الأربع " فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " من سواهن " أوما ملكت ايمانكم
" ومثل هذا ذكر في تفسير أصحابنا. وقالوا: انها متصلة بقوله: (ويستفتونك
في
النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى في الكتاب في يتامى
النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن) (1) (فان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء)
الآية وبه قال الحسن والجبائي والمبرد.
والثاني: قال ابن عباس وعكرمة: ان الرجل منهم كان يتزوج الأربع والخمس
والست والعشر ويقول ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان فإذا فنى ماله مال
على مال اليتيم فانفقه، فنهاهم الله تعالى عن أن يتجاوزوا بالأربع إن خافوا
على مال اليتيم وإن خافوا من الأربع أيضا أن يقتصروا على واحدة.
والثالث: قال سعيد بن جبير والسدي وقتادة والربيع والضحاك. وفي احدى
الروايات عن ابن عباس قالوا: كانوا يشددون في أمر اليتامى ولا يشددون في
النساء، ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن، فقال الله تعالى كما تخافون ألا
تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء، فانكحوا واحدة إلى الأربع، فان خفتم
ألا تعدلوا فواحدة.
والرابع: قال مجاهد: ان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى معناه: ان تحرجتم من
ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا، وانكحوا
النكاح المباح من واحدة إلى أربع، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
والخامس: قال الحسن: ان خفتم ألا تقسطوا في اليتيمة المرباة في حجركم فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مما أحل لكم من يتامى قراباتكم مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم ألا تعدلوا
فواحدة، أو ما ملكت ايمانكم. وبه قال الجبائي وقال: الخطاب متوجه إلى
أولياء اليتيمة إذا أراد أن يتزوجها إذا كان هو وليها كان له أن يزوجها قبل
البلوغ وله أن يتزوجها.
والسادس: قال الفراء: المعنى ان كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحرجوا من
جمعكم بين اليتامى، ثم لا تعدلون بينهن. وقوله: (فانكحوا ما طاب لكم) جواب
لقوله: (وان خفتم ألا تقسطوا) على قول من قال ما رويناه أولا عن عائشة
وأبي
جعفر (ع). ومن قال: تقديره: ان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في
النساء الجواب قوله: " فانكحوا ما طاب لكم من
النساء " والتقدير: فان خفتم ألا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها فكذلك
فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء، فلا تتزوجوا منهن إلا من تأمنون معه
الجور، مثنى وثلاث ورباع، وان خفتم أيضا من ذلك فواحدة، فان خفتم من
الواحدة فما ملكت ايمانكم، فترك ذكر قوله فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق
النساء لدلالة الكلام عليه وهو قوله: (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت
ايمانكم) ومعنى " ألا تقسطوا " أي لا تعدلوا ولا تنصفوا، فالاقساط هو العدل
والانصاف والقسط هو الجور. ومنه قوله: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)
(2) وقد بيناه فيما مضى. واليتامى جمع لذكران اليتامى وإناثهم في هذا
المعنى.
1-
سورة النساء: آية 126.
2-
سورة الجن: آية 15.