سبب
نزول الآية (7) من
سورة النساء
﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا
قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾
اختلفوا في سبب
نزول هذه الآية، فقال قتادة، وابن جريج، وابن زيد: إن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث، فنزلت هذه
الآية ردا لقولهم. وقال الزجاج: كانت العرب لا تورث إلا من طاعن بالرماح، وذاد عن الحريم والمال، فنزلت هذه
الآية ردا عليهم، وبين أن للرجال نصيبا مما ترك الوالدان والأقربون، " وللنساء
نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا " يعني
حظا مفروضا، قال الزجاج: مفروضا. نصب على الحال، وقال غيره: هو اسم في
موضع المصدر، كقولك قسما واجبا، وفرضا لازما، ولو كان اسما ليس فيه معنى
المصدر، لم يجز قولك: عندي حق درهما، ويجوز: لك عندي درهم هبة مفترضة (1)
وأصل الفرض الثبوت، والفرض: الحز في سية القوس حيث يثبت الوتر، والفرض: ما
أثبته على نفسك من هبة أو صلة، والفرض: إيجاب الله عز وجل على العبد ما
يلزمه فعله لاثباته عليه، والفرض: جند يفترضون، والفرض: ما أعطيت من غير
قرض، لثبوت تمليكه، والفرض: ضرب من التمر. والفارض المسنة، والفرضة: حيث
ترمي (2) السفن من النهر وكل ضخم فارض، والفرق بين الفرض والوجوب أن الفرض
هو الايجاب، غير أن الفرض يقتضي فارضا فرضه، وليس كذلك الواجب لأنه قد يجب
الشئ في نفسه من غير إيجاب موجب، ولذلك صح وجوب الثواب والعوض على الله
تعالى، ولم يجز فرضه عليه. وأصل الوجوب الوقوع، يقال: وجب الحائط وجوبا فهو
واجب، إذا وقع، وسمعت وجبة أي وقعة كالهدة، ومنه " وجبت جنوبها " (3) أي
وقعت لجنوبها، ووجب الحق وجوبا، إذا وقع سببه، كوجوب رد الوديعة، وقضاء
الدين، ووجوب شكر المنعم، ووجوب الاجر، وإنجاز الوعد، ووجب القلب وجيبا إذا
خفق من فزع وقعة كالهدة. وفي
الآية دليل على بطلان القول بالعصبة، لان الله تعالى فرض الميراث للرجال والنساء، فلو جاز أن يقال:
النساء لا يرثن في موضع، لجاز لآخرين أن يقولوا: والرجال لا يرثون، والخبر
المدعى في العصبة خبر واحد، لا يترك له عموم القرآن، لأنه معلوم، والخبر
مظنون، وقد بينا ضعف الخبر في كتاب تهذيب الأحكام، فمن أراده وقف عليه من
هناك. وفي
الآية أيضا دلالة على أن الأنبياء يورثون، لأنه تعالى عم الميراث للرجال
والنساء، ولم يخص، نبيا من غيره، وكما لا يجوز أن يقال: النبي لا يرث،
لأنه خلاف الآية، فكذلك لا يجوز أن يقال: لا يورث، لأنه خلافها، والخبر
الذي يروون أنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة، خبر
واحد، وقد بينا ما فيه، في غير موضع، وتأولناه، بعد تسليمه.
1- في المطبوعة: مقبوضة.
2- في المطبوعة: ترقا.
3-
سورة الحج: آية 36.