قال
الإمام محمد بن علي بن موسى عليهم
السلام : وعظم
الله تبارك وتعالى البركة في البلاد بدعاء
الرضا عليه السلام وقد كان للمأمون من يريد أن يكون هو ولي عهده من دون
الرضا عليه السلام وحساد كانوا بحضرة
المأمون للرضا
عليه السلام فقال للمأمون بعض أولئك:يا أميرالمؤمنين أعيذك بالله أن تكون تاريخ
الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى
بيت ولد علي! لقد أعنت على نفسك وأهلك ، جئت بهذا الساحر ولد السحرة ، وقد
كان خاملاً فأظهرته ، ومتضعاً فرفعته ، ومنسياً فذكرت به ، ومستخفاً فنوهت
به ، قد ملأ الدنيا مخرقةً وتشوفاً بهذا المطر الوارد عند دعائه! ما أخوفني
أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي! بل ما أخوفني أن
يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتواثب على مملكتك ، هل جنى أحد على نفسه
وملكه مثل جنايتك ؟!
فقال المأمون: كان هذا الرجل مستتراً عنا يدعو إلى نفسه ، فأردنا أن
نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا ، وليعترف بالملك والخلافة لنا ، وليعتقد
فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا في كثير وأن هذا الأمر لنا
دونه ، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسده
ويأتي علينا منه ما لا نطيقه! والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا في
أمره بما أخطأنا ، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا ، فليس
يجوز التهاون في أمره، ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً حتى نصوره عند
الرعايا بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد
بلائه !
قال الرجل: يا أمير المؤمنين فولني مجادلته فإني أفحمه وأصحابه وأضع من
قدره، فلولا هيبتك في نفسي لأنزلته منزلته، وبينت للناس قصوره عما رشحته له
. قال المأمون: ما شئ أحب إليّ من هذا .
قال فاجمع جماعة وجوه مملكتك من القواد والقضاة وخيار الفقهاء ، لأبين
نقضه بحضرتهم ، فيكون أخذاً له عن محله الذي أحللته فيه ، على علم منهم
بصواب فعلك ! قال فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم ،
وأقعد
الرضا عليه السلام بين يديه في مرتبته التي جعلها له ، فابتدأ هذا الحاجب بالكلام المتضمن للوضع من
الرضا عليه السلام ، وقال له:
إن الناس قد أكثروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك بما أرى إنك أن وقفت
عليه برئت إليهم منه ، قال وذلك أنك قد دعوت
الله في المطر المعتاد مجيئه، فجاء فجعلوه آية معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين أدام
الله ملكه وبقاءه لا يوازى بأحد إلا رجح به ، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت ، فليس من حقه عليك أن تسوغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذبونه.
فقال
الرضا عليه السلام : ما أدفع عباد
الله عن التحدث بنعم
الله عليَّ، وإن كنت لا أبغي أشراً ولا بطراً . وأما ما ذكرت عن صاحبك الذي
أحلني ما أحلني، فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق
عليه السلام وكانت حالهما ما قد علمت ! فغضب الحاجب عند ذلك وقال:
يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزك قدرك ، إن بعث
الله بمطر مقدر وقته لا يتقدم ولا يتأخر ، جعلته آيةً تستطيل بها ، وصولةً تصول بها ، كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم
عليه السلام لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعياً وتركَّبْنَ على الرؤوس وخَفَقْنَ وطِرْنَ بإذن
الله تعالى، فإن كنت صادقاً فيما توهم فأحييِ هذين وسلطهما علي ، فإن ذلك يكون
حينئذ آية معجزة ، فأما المطر المعتاد مجيؤه ، فلست أنت أحق بأن يكون جاء
بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت !
وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند
المأمون الذي كان مستنداً إليه ، وكانا متقابلين على المسند ، فغضب علي بن موسى صلى
الله عليه وآله وصاح بالصورتين:دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عيناً ولا
أثراً ! فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا الحاجب ورضضاه وهشماه
وأكلاه ولحسا دمه! والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون! فلما فرغا منه أقبلا
على
الرضا عليه السلام وقالا: يا ولي
الله في أرضه ماذا تأمرنا نفعل بهذا ، أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون! فغشي على
المأمون مما سمع منهما ، فقال
الرضا عليه السلام : قفا ، فوقفا ! قال
الرضا عليه السلام : صبوا
عليه ماء ورد وطيبوه ، ففعل ذلك به وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه
بصاحبه الذي أفنيناه ؟ قال: لا ، فإن لله عز وجل فيه تدبيراً هو ممضيه .
فقالا: ماذا تأمرنا؟ قال: عودا إلى مقركما كما كنتما ، فصارا إلى المسند
وصارا صورتين كما كانتا !!
فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر حميد بن مهران ، يعني الرجل المفترَس ، ثم قال للرضا
عليه السلام : يا ابن رسول هذا الأمر لجدكم رسول
الله صلى
الله عليه وآله ثم لكم ، فلو شئت لنزلت عنه لك ! فقال
الرضا عليه السلام : لو شئت ناظرتك ولم أسألك، فإن
الله تعالى قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين،
إلا جهال بني آدم فإنهم وإن خسروا حظوظهم فلله عز وجل فيه تدبير، وقد أمرني
بترك الإعتراض عليك وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك ، كما أمر يوسف
بالعمل من تحت يد فرعون مصر !
قال: فما زال
المأمون ضئيلاً في نفسه إلىأن قضى في علي بن موسى
الرضا عليه السلام ما قضى!(1)
----
(1)الطبري في دلائل الإمامة ص 376 ، وابن حمزة في المناقب ص467
موسوعة شبكة أنصار الحسين
عليه السلام