عن الريان بن الصلت قال : حضر
الرضا عليه السلام مجلس
المأمون بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ، فقال
المأمون : أخبروني عن معنى هذه الاية : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " فقالت العلماء : أراد الله عزوجل بذلك الامة كلها .
فقال
المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال
الرضا عليه السلام : لا أقول كما قالوا ولكني أقول : أراد الله عزوجل بذلك العترة الطاهرة .
فقال
المأمون : وكيف عنى العترة من دون الامة ؟ فقال له
الرضا عليه السلام : إنه لو أراد الامة لكانت بأجمعها في الجنة لقول الله عزوجل : " فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير
" ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : " جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور
من ذهب " الاية ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم .
فقال
المأمون : من العترة الطاهرة ؟ فقال
الرضا عليه السلام : الذين وصفهم الله في كتابه فقال عزوجل : " إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وهم الذين قال رسول الله صلى الله
عليه وآله : " إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما
لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، أيها الناس لا
تعلموهم فانهم أعلم منكم " .
قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أم غير الآل ؟ فقال
الرضا عليه السلام : هم الآل .
فقالت العلماء : فهذا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يؤثر عنه أنه قال : " امتي آلي " وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه : " آل محمد امته " .
فقال أبوالحسن
عليه السلام : أخبروني هل تحرم الصدقة على الال ؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على
الامة ؟ قالوا : لا ، قال : هذا فرق ما بين الال والامة ، ويحكم أين يذهب
بكم أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون ؟ أما علمتم أنه وقعت الوراثة
والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم ؟ قالوا : ومن أين يا أبا
الحسن ؟ قال : من قول الله عزوجل : " ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في
ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون " فصارت وراثة النبوة
والكتاب
للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم أن نوحا
عليه السلام حين سأل ربه " فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين
" وذلك أن الله عزو جل وعده أن ينجيه وأهله فقال له ربه عزوجل " يانوح إنه
ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن
تكون من الجاهلين " .
فقال
المأمون : هل فضل الله العترة على سائر الناس ؟ فقال أبوالحسن
عليه السلام : إن الله عزوجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه .
فقال له
المأمون : أين ذلك من كتاب الله ؟ قال له
الرضا عليه السلام : في قوله عزوجل " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على
العالمين ذرية بعضها من بعض " وقال عزوجل في موضع آخر : " أم يحسدون الناس
على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم
ملكا عظيما " ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال : " يا
أيها الذين آمنو أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم " يعني الذين
قرنهم بالكتاب الحكمة وحسدوا عليهما فقوله عزوجل : " أم يحسدون الناس على
ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا
عظيما " يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، فالملك ههنا هو الطاعة لهم .(1)
----
(1) البحار ج 25 ص 220