الوصل بين النبيّ وآله (عليهم السلام)
إذا كان أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنصّ آية المباهلة وقوله تعالى ( أنْفُسَنا وَأنْفُسَكُمْ )[1] ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : (أنا من عليّ وعليّ منّي) ـ حديث متّفق عليه عند الفريقين السنّة والشيعة ـ وإذا كان آل محمّد من نفس النبيّ والوصيّ وكلّهم نورٌ واحد ، فمن الجفاء الفصل بين النبيّ وآله في كلّ شيء حتّى الصلوات ، إلاّ النبوّة .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من قال : صلّى الله على محمّد وآله ، قال الله جلّ جلاله : صلّى الله عليك ، فليكثر من ذلك ، ومن قال : صلّى الله على محمّد ، ولم يصلّ على آله ، لم يجد ريح الجنّة ، وريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام[2] .
وهذا يعني أ نّه بعيد عن الجنّة ، وهذا علامة الشقاء ، فإنّ الذين ( سعدوا فَفي الجَنَّةِ خالدينَ فيها ) ، وأمّا الذين شقوا ففي النار هم فيها خالدون ، فمن سعادة المسلم أن لا يفصل بين رسول الله وعترته الأطهار (عليهم السلام) .
كما نهى النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة البتراء .
ذكر ابن حجر[3] : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : تقولون : اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد .
فقد قرن النبيّ بين الصلاة عليه بالصلاة على آله ، فالصلاة عليهم من جملة المأمور به ، وأ نّهم بمنزلة نفس النبيّ ، فإنّ المقصود من الصلاة عليهم تعظيمهم وتبجيلهم .
فبتر الصلاة وعدم ذكر الآل مع النبيّ المختار ليس إلاّ مكابرة وعناد وخروج عن هدى النبيّ وسنّته . وهل تجد بعد الحقّ إلاّ الضلال .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لعليّ (عليه السلام) : ألا اُبشّرك ؟ فقال : بلى بأبي أنت واُمّي فإنّك لم تزل مبشّراً بكلّ خير . فقال : أخبرني جبرئيل آنفاً بالعجب ، فقال له عليّ (عليه السلام) : وما الذي أخبرك يا رسول الله ؟ فقال : أخبرني أنّ الرجل من اُمّتي إذا صلّى عليّ وأتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء ، وصلّت عليه الملائكة سبعين صلاة ، وإن كان مذنباً خطّاءً ، ثمّ تتحاتّ عنه الذنوب كما يتحاتّ الورق من الشجر ، ويقول الله تبارك وتعالى : لبّيك يا عبدي وسعديك ، ويقول الله لملائكته : يا ملائكتي أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة وأنا اُصلّي عليه سبعمائة صلاة ، وإذا صلّى عليّ ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجاباً ، ويقول جلّ جلاله : لا لبّيك ولا سعديك ، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلاّ أن يلحق بنبيّي عترته ، فلا يزال محجوباً حتّى يلحق بي أهل بيتي[4] .
ثواب الأعمال بسنده عن عمّـار قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال رجل : اللهمّ صلّ على محمّد وأهل بيت محمّد ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا هذا ، لقد ضيّقت علينا ، أما علمت أنّ أهل البيت خمسة أصحاب الكساء ؟ فقال الرجل : كيف أقول ؟ قال : قل : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه[5] .
وقال صاحب جواهر الكلام قدّس سرّه الشريف بعد بيان وجوب الصلاة على محمّد وآله في التشهّدين أو التشهّد من كلّ صلاة :
وإنّ القول بعدم وجوبه ضعيف : كضعف ما عساه يظهر ممّـا حضرني من نسخة إشارة السبق في الاجتزاء بالصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) دون الآل كبعض النصوص السابقة ، إذ هو معلوم البطلان في مذهب الشيعة ، وإنّما هو ينسب إلى بعض العامّة ساقهم عليه التعصّب والعداوة ، خصوصاً بعد ما رووه عن كعب الأحبار ، أ نّه (قال للنبيّ (صلى الله عليه وآله) عند نزول الآية ـ الأحزاب : 56 ـ : قد عرفنا السلام عليك يا رسول الله فكيف الصلاة ؟ قال : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد) .
وفي مفتاح الكرامة أ نّه قال الاُستاذ الشريف أي العلاّمة الطباطبائي في حلقة درسه المبارك الميمون أ نّه وجد هذا الخبر بعدّة طرق من طرقهم ، وفي المروي عن العيون عن الرضا (عليه السلام) في مجلس له مع المأمون في إثبات الصلاة على الآل قال: (وقد علم المعاندون منهم أ نّه لمّـا نزلت الآية قيل: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك ؟ قال : تقولون : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما
صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد ، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف ؟ قالوا : لا ، قال المأمون : هذا لا خلاف فيه أصلا وعليه إجماع الاُمّة) الحديث .
ورووا عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) عن ابن مسعود : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من صلّى صلاة ولم يصلّ عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل صلاته ، بل عن المتعصّب منهم صاحب الصواعق المحرقة له أ نّه روى عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) النهي عن الصلاة البتراء أي المتروك فيها ذكر الآل .
وأمّا نصوصنا فهي مستفيضة في ذلك ، بل في بعضها (أنّ من لم يتبع الصلاة عليهم بالصلاة عليه لم يجد ريح الجنّة وكان بين صلاته وبين السماوات سبعون حجاباً ويقول الله تبارك وتعالى : لا لبّيك ولا سعديك ، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاؤه إلاّ أن يلحق بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) عترته ، فلا يزال محجوباً حتّى يلحق به أهل بيته (عليهم السلام) . وفي المروي عن رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني بإسناده إلى عليّ (عليه السلام)عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تصلّوا عليّ صلاة مبتورة بل صلوا إليّ أهل بيتي ولا تقطعوهم فإنّ كلّ نسب وسبب يوم القيامة منقطع إلاّ نسبي) وبالجملة هو كالضروري من مذهب الشيعة ، ولذا حكي عن بعض العامّة أ نّه نهى عن الصلاة على الآل لما فيه من الإشعار بالرفض ، ونعوذ بالله من هذه العصبيّة للباطل ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون[6] ـ انتهى كلامه رفع الله مقامه ـ .
وثبت المطلوب بلزوم المقارنة بين النبيّ والآل في الصلوات ، بل في كلّ شيء إلاّ النبوّة ، فإنّ الإمامة ديموميّتها وفي خطّها ، وإنّها حافظة النبوّة ومبلّغتها .
--------------------------------------------------------------------------------
[1]آل عمران : 61 .
[2]البحار 91 : 56 ، عن أمالي الصدوق : 345 .
[3]الصواعق : 146 .
[4]الصواعق : 146 .
[5]البحار 91 : 59 ، عن ثواب الأعمال : 143 .
[6]جواهر الكلام 10 : 261 ـ 262 .
من كتاب آثار الصلوات في رحاب الروايات
عادل العلوي
حوزة قم المقدّسة ـ إيران
المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد