بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتائج استحباب الدنيا على الآخرة :
القـرآن الكريم يعالج هـذه الحالة ويشـير الى هـذا النمـط مـن التفكير في قوله - تعالى - : { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } (اِبراهيم/3) ، فيفضلون الحياة الدنيا ولسان حالهم يقول : مادامت هذه الدنيا عاجلة وحاضرة فمن يبيع النقد بالديـن ، ومن ذا الذي يبيع بضاعة مقابل ثمن يدفع في المستقبل ، وهذه هي بداية ولعلها تكون بداية بسيطة ولكن نهاية هذا النمط من التفكير ستكون نهاية سيئة ، لان من يستحب الحياة الدنيا على الآخرة سيبتلي بعدة صفات سلبية منها :
1- انغلاق القلب : ان قلب هذا الانسان سيصبح قلبا منكرا ومغلقا لانه لايرى الا هذه الدنيا ، ولا يرى الآخرة وما وراءها . فاذا فقد عزيزا او صديقا فانه يبدأ يفلسف فقدانه لهذا الانسان بألف تفسير وبطريقة لاتمت اليه بصلة ؛ أي أنه يبعد الموت الذي جاء لهذا الانسان عن نفسه ، ويتصور أنه سوف لايشمله ، وعلى العكس فان الانسان الذي يدرك ان الدنيا محدودة ولايفضلها على الآخرة فان قلبه سيكون متفتحا يستوعب العبرة والنصيحة .
2- انكار الحقائق : ان الانسان الذي يفضل الدنيا على الآخرة لايلبث ان يبدأ بانكار الحقائق الآخرى ، فينكر رسالات الله - تعالى - ، لان هذه الرسالات لايؤمن بها الا من يخشى الله ويخشى العقاب ويرجو الثواب ، اما الانسان الذي يقول : ماهي الا حيانا الدنيا وما يهلكنا الا الدهر ، فانه لايمتلك دافعا يدعوه الى ان يؤمن برسالات الله ، ولذا نـرى هـذا الانسـان يتخذ من الكفر منهجية له في الحياة ، وعن مثل هؤلاء يقول - سبحانه - : { فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ قُلُوبُهُم مُنكِرَةٌ وَهُم مُسْتَكْبِرُونَ } (النّحل/22) ، وفي آية اخرى يربط القرآن الكريم بين الكفر بلقاء الله ، والكفر بسائر الحقائق في قوله - عز من قائل - : { وَقَالَ الْمَلاَُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَـرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقـَآءِ الاَخِرَةِ } ( المؤمِنون/33 ) ، وعلى هـذا فان الكفر هو احدى
النتائج القريبة من التكذيب بالآخرة .
3- تزين الاعمال : ان اعمال هؤلاء الكافرين بلقاء الله تتزين لهم ؛ فهم يعتبرون جميع اعمالهم السيئة حسنة وان سرقوا وخانوا الأمانة واعتدوا على الآخرين ... لانهم لايمتلكون معيارا ، ولايستطيعون ان يفرقوا بين الحق والباطل ، ولانهم لايعيشون الا لهذه الدنيا ، ولذلك يقول - عز وجل - : { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } (النَّـمْل/4) ، ولذلك فان من المستحيل لهذا الانسان ان يتوب ويقلع عن اعماله السيئة ، وفي آية اخرى يقول - جل وعلا - : { فَنَذَرُ الَّذِينَ لايَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } (يونس/11) ؛ فالذي لايرجو لقاء الآخرة يتركه الله لشأنه ، فلا يهديه ولايزوده بنور .
4- المبادرة الى التكذيب : ان هؤلاء سوف يبتعدون عن الصراط المستقيم بمسافات شاسعة كما يقول - جل وعلا - : { بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ } (سبَأ/
، فقد يسير الانسان في الطريق فينحرف عنه لمسافة قصيرة ، ولكن انحرافه هذا قد يكون لمسافات شاسعة ، وفي هذه الحالة لاترجى له العودة الى الطريق المستقيم .
5- المجادلة بالباطل : ان هؤلاء الكفار يبحثون دائما عن افكار باطلة يتشبثون بها ويقاومون من خلالها الحقائق ، والى هذا المعنى يشير قوله - تعالى - : { وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَا في الأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلـْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } (السِّجدَةِ/10) ، فلأن هؤلاء كفروا بلقاء الله ، ولانهم لم يعتقدوا بوجود الآخرة والحساب والكتاب نراهم لايعترفون بامكانية العودة الى الحياة مرة أخرى ، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ، فيقول امثال هؤلاء : من ذا الذي يستطيع ان يجمع ذرات الانسان بعد موته ليحولها الى الوجود الاول ؟
انك ايها الانسان المنكر ألم تكن فـي بدايـة خلقك سـوى نطفـة ، ثم خلـق اللـه - تعالى - من تلك النطفة وجودك المتكامل ، أفليس بقادر على ان يجمع هذه الذرات ليعيدها الى حالتها الاولى ؟
وهناك من يبرر عدم ايمانه باساليب اخرى ، فيقول - على سبيل المثال - اننا لانريد هذا القرآن بل نريد كتابا آخر ، غافلين عن ان الرسالات السماوية لايمكن ان تتبدل ، وقد اشار - عز وجل - الى مجادلة هؤلاء قائلا : { قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَايَكُونُ لِي أَنْ اُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآئِ نَفْسِي } (يونس/15) ، فهم يتصورون ان الرسول (ص) هو الذي يأتي بالقرآن من عنده ، ولذلك فقد طلبوا منه ان يبدله في حين ان القرآن هو وحي منزل من السماء ، والرسـول لايستطيع ان يغير منه حرفا واحدا والقرآن يؤكد ذلك في قوله : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ } (الكهف/110 (.
الا ان قلوب هؤلاء أصبحت منكرة وعقولهم مضطربة لانهم لايؤمنون بالآخرة ، على ان الأمر لم ينته عند هذا الحد ؛ فقد طالبوا الرسول باكثر من ذلك ، وهذا ما يرويه لنا القرآن الكريم في قوله : { وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلآ اُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلآَئِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا } (الفُرْقان/21) ، متناسين ان ذرة واحدة من نور الله - جلت قدرته - لو نزلت على جبل لدكته وجعلته هشيما ، فنحن لانستطيع ان ننظر الى نور الشمس ولو لدقيقة واحدة فكيف يمكننا ان نرى نور الله ؟
ثم يستأنف العلي القدير قائلا :
{ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِـي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّا كَبِيراً } (الفُرْقان/21) ، وهذا نوع من الاستكبار يدفع الانسان الى ان يطالب بانزال الملائكة عليه في حين انها لاتنزل الا على قلب معمور بالايمان ، فكيف تنزل على هؤلاء الكفار والمشركين المليئة قلوبهم بالرذائل والاحقاد ؟!