العقيدة الصلبة والإيمان العميق حقيقة مقام كفي سيدنا العباس عليه السلام
أبو الفضل العباس بن علي عليهما السلام اكبر أولاد أم البنين والرابع من أبناء أمير المؤمنين لقب بالساقي، وهو صاحب لواء الحسين عليه السلام في واقعة الطف التاريخية وقيل له قمر بني هاشم لجماله وحسن طلعته الشريفة، وكان جسيما طويلا بحيث لو ركب الفرس المطهم، خطت رجلاه على الأرض وله ثلاث أخوة من أمه وأبيه ولم يكن لهم أولاد.
فأرسلهم أبو الفضل عليه السلام واحدا بعد واحد للقتال كي يشاهد مقتلهم ويثاب باجر مصابهم، فلما قتلوا جاء إلى أخيه الحسين عليه السلام فقال له: ياأخي هل من رخصة؟
فبكى الحسين عليه السلام بكاءا شديدا ثم قال: ياأخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري، فقال العباس عليه السلام: قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأريد ان اطلب ثأري من هؤلاء المنافقين.
فقال الحسين عليه السلام: فطلب لهؤلاء الأطفال قليل من الماء فذهب العباس عليه السلام ووعضهم وحذرهم فلم ينفعهم، فرجع إلى أخيه فاخبره فسمع الأطفال ينادون: العطش... العطش، فركب فرسه واخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات فأحاط به أربع الآف ممن كانوا موكلين بالفرات ورموه بالنبال فكشف عنهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجل وهو يقول:
لا ارهب المـوت إذا الموت زقا حتى أوارى في المصاليت لقـا
نفس لنفس المصطفى الطهر وقا أني أنا العباس أغـدو بالسقـا
ولا أخاف الشـر يوم الملتـقى
فقاتل حتى دخل الماء فلما أراد ان يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين وأهل بيته فرمى الماء وملئ القربة وحملها على كتفه الأيمن وتوجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب، فكمن نوفل بن الأزرق أو زيد بن ورقاء على رواية، وراء نخلة وأعانه وشجعه حكيم بن الطفيل، فلما وصل العباس إليه خرج من وراء النخلة وضربه على يمينه فقطعها، فحمل القربة على كتفته الأيسر واخذ السيف بيده اليسرى وقاتل وهو يرتجز:
والله ان قطعتـم يميـني أني أحامـي أبداً عـن ديني
وعن إمام صادق اليقـينِ نجل النبي الطاهـر الأمـين
فقتل حتى غلبه الضعف فهجم عليه نوفل اللعين من وراء نخلة فضربه على شماله فقطعها فقال العباس عليه السلام:
يا نفسُ لا تخشي من الكفـار وابـشري برحمـة الجبارِ
مـع النبي السيـد المـختارِ قد قطعوا ببغيهـم يساري
فصلهم ياربي حر النارِ
فمنذ ذلك الوقت وتلك الوقفة المعبرة عن الأيمان الصلب والعقيدة الحقة أصبحتا كفي العباس عليه السلام معين لاينضب لمن أراد الاستقاء من أصول البطولة والفداء والمواقف المشرفة بل ان جهاد أبو الفضل العباس عليه السلام صير كفيه مقاما يقصد ويزار على كرور اليالي والأيام والسنين المتطاولة فكفه الأيمن المقدس يقع بين محلتي باب بغداد وباب الخان بالقرب من مشهده الشريف في زقاق ضيق ملاصق إلى جدار بيت وعلى جدار المقام شباك من البرونز.
وأما مقام الكف اليسرى فهو في بداية سوق العباس عليه السلام بالقرب من المزار الشريف وقد أصبح أخيرا في الشارع العام بعد توسيع المنطقة المحاذية لمشهد أبي الفضل العباس عليه السلام وقد أقيم عليه مقام جليل مبارك تعلوه قبة من القاشان وشباك من البرونز.
فهكذا هي مواقف الرجال تصنع في كل خطوة لها أثرا خالدا مذكرا بعظمة صاحبها.