ابراهيم العبيدي الرتبــــــة
رقم العضوية : 3 الجنــس : المواليد : 28/03/1973 التسجيل : 11/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 51 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 341 نقـــــــــاط التقيم : 569 السٌّمعَــــــــــــــة : 5 علم بلدك : الموقع : منتديات شيعة اهل البيت العالمية نائب المدير العام
| موضوع: مسير الأرواح في عالم البرزخ السبت يناير 05, 2013 12:51 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع منقول من أحد الكتب كتاب " مسير الأرواح في عالم البرزخ للكاتب " أصغر بهنمي "
أدخل عليـه بعض التعديلات
قال الإمام علي { عليه الســلام } :: الناسُ نِيام .. فإذا ماتوا انتبهوا ::
الاحتضار
منذُ أيام عمّ الألمُ جسدي وأخذ يؤذيني .. وبدأت علامات الموت تدنو مني وحلّت بي حالة الاحتضار .
أداروا برجليَّ نحو القبلة .. وأحاط بي زوجتي وأبنائي وأقربائي وبعضُ أصدقائي .. ومنهم مَنْ ترقرقت دموع عينيه .. فأغمضتُ عينيّ بهدوء وغرقتُ في بحر أفكاري .. وأخذتُ أفكر مع نفسي .. بمّ قضيتُ عمري .. ؟ .. ومنْ أين لملَمتُ أموالي .. ؟ – رغم قلّتها – وأين أنفقْتُها .. ؟ !!!
لقدْ كان التفكير بذلك يؤلمني كثيراً .. ومن شدّة القلق فتحتُ عيوني .
الموت (( خروج الروح من الجسد ))
في تلك الأثناء انتبهتُ إلى وجود شبحٍ طويل القامة يرتدي ثياباً بيضاء قد نشب يديه على أطراف أصابع قدميَّ وأخذ يتجه نحو الأعلى من جسدي .. ولمْ أكن أشعر بالألم عندما كان عند قدميَّ لكن الألم أخذ يزداد كلّما إرتفع نحو الأعلى وكأنّ الألم باجمهِ أخذ يتحرك إلى الأعلى من جسدي حتى وصلت يديه إلى حلقومي .. حينها أصبح جسدي بلا شعور .. بيد أنّ رأسي أصبح ثقيلاً بحيث كنتُ أشعر بأنهُ سينفجر من شدة الضغط .. أو أنّ عينيَّ ستخرجان من حدقتيهما .
تقدّم عمّي الشيخ العجوز نحوي وقدْ امتلأت عيناهُ بالدموع وقال لي : يا ولدي اقرأ الشهادتين .. أنا أقرأها وأنت رددها معي : أشهد أنّ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله وأنّ علياً وليّ الله ...
لقدْ كنتُ أراه وأسمع صوته .. فتحركتْ شفتاي ببطء .. وما إن أردتُ التلّفظ بالشهادتين حتى أحاطت بي أشباح سوداء قبيحة وألحّوا عليَّ أن لا أنطق بالشهادتين .. لقدْ كنت سمعتُ بأنّ الشياطين تحاول سلبَ إيمان المرء عندَ موته .. لكنني لمْ أكن أتصوّر أبداً أنهم يفلحون في صدّي .ومرّة أخرى أدنى عمي وجههُ مني وتلّفظ بالشهادتين .. ولمّا أردتُ تحريك لساني تحرّك الشياطين مرّة أخرى ولكن عن طريق التهديد في هذهِ المرّة .
لقد كانت لحظات عجيبة .. فمن ناحية كان الذي يرتدي ثياباً بيضاء يمارس أعمالاً مدهشة .. ومن جهة ثانية .. كنتُ أواجه إصرار عمي على النطق بالشهادتين .. وثالثة محاولات الأشباح الخبيثة في سلب إيماني في آخر لحظات حياتي .
ثَقُل لساني وكأن شفتي قد خبطت مع بعضها .. لقد اعتراني العجز .. وكنتُ أريد الخلاص من هذا الوضع المؤلم ولكن كيف ..؟ !! وعنْ أي طريق ..؟ !! وبرواسطة منْ ..؟ !! في غضون ذلك التجاذب ظهرت من بعيد أنوارٌ ساطعة فقام الرجل ذو الثياب البيضاء إجلالاً لها فيما ولّت تلك الوجوه القبيحة هاربة .. ورغم عدم معرفتي في تلك اللحظات لتلك الأنوار الطاهرة الفريدة لكنني عرفت فيما بعد أنهم الأئمة الأطهار { عليهم السلام } قدْ حضروني في اللحظات الحساسة وببركة وجودهم اشرق وجهي وانفتح لساني فتحركت شفتيَّ ونطقتُ بالشهادتين هنا امتدت يدُ ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء لتمسح على وجهي .. وشعرتُ بالإطمئنان بعد أن كنتُ أعاني شدة الألم والإضطراب .
لقد أصبحتُ وكأنني ألقيتُ الآلام والعذاب بأجمعهِ على كاهل أهل الدُنيا لأنني شعرتُ بالإستقرار وكأنني لمْ أرَ حرية وإستقراراً كالذي عشتهْ في ذلك اليوم فقدْ انفتحَ لساني وارحَ عقلي .
كنتُ أرى الجميع وأسمع أحاديثَهُم .. هُنا وقعت عينان على ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء فسألتُهْ : منْ أنت ..؟ !! وماذا تُريدُ مني ..؟ !! فإنني أعرفُ كلّ الذين حولي إلاّ أنت .. ؟ .!
فقال : كانَ عليكَ أن تعرفني .. أنا ملكُ الموت .
فأضطْربتُ لسماع إسمه وأهتزَّ كياني .. فوقفتُ أمامهِ أتخّضع وقلت : السلامُ عليكَ يا ملكَ ربي فلطالما سمعتُ بإسمك ومع ذلك لمْ أستطع معرفتك حين الموت .. هل تريد الإذنَ مني كيْ تقبِضَ روحي .. ؟ !!
فأجاب ملك الموت مبتسماً : إنني لا أحتاج إلى إذنِ من أيِّ أحد لأنتزعَ روحه من جسده .. وإذا ما تأملّت جيداً سترى أنّكَ قدْ ودّعتَ الحياةَ الفانية .. أنظر إلى جسدك قدْ بقيَ بين أهل الأرض !
فنظرتُ إلى الأسفل فأستحوذتْ عليَّ الدهشة والحيرة .. إذْ إنّ جسدي مطروح على الأرض بلا حراك بينَ أقربائي ومعارفي .. فيما كانت زوجتي وأبنائي وكثيرٌ من الأقارب يحومون حولي وهمْ يبكون وترتفع صرخاتهم إلى عنان السماء وأخذَ آخرون بالشكوى والتساؤل : لقدْ تعّجلَ عليهِ الموت .. لماذا .. ؟ !!!
أخذتُ أفكر مع نفسي : لِمَ ينوح هؤلاء .. ؟ !! ومِنْ أجل مَنْ .. ؟ !! أردتُ دعوتهمْ لإلتزام الهدوء .. وهل يكون ذلك .. ؟ !! ....
صرختُ فيهم : أيّها الأعزاء إلتزموا الهدوء .. أما تريدون راحتي وإستقراري .. ؟ !! فلماذا هذا التفّجع والحزن .. ؟ !!
بعدَ الألم المضني أصبحتُ الآن في كامل الراحة والسعادة
إنني أخاطبكمْ أما تسمعون .. !! لِمَ هذا البكاء ..؟ !! مِمَّ عويلكمْ وبكاؤكمْ ..؟ !! نوّروا الدار بالدعاء وذكر الحق تعالى .
استمرّ عويل واستغاثة الحاضرين .. يعلو ويعلو .. هُنا سمعتُ صوت ملك الموت يقول : ما الذي دهى هؤلاء !! مِمَّ صراخهمْ وعويلهمْ !! ولِمَ هذهِ الشكوى والتفجّع !! لِمَ هذا البكاء واللطم على الرؤوس !! أُقسمُ بالله أنني لمْ أرتكبْ ظُلماً بحقه .. فلقدْ نفد رزقه في هذهِ الدنيا .. ولوْ كنتمْ مكاني لقبضتُمْ روحي بأمر من الله .. أعلموا أنّ دوركمْ سيأتي يوماً ما .. وسأترددُّ على هذهِ الدار حتى لا أدع أحداً فيها .. إنّ عبادتي وطاعتي لله هي أن أقطع كلّ يوم وليلة أيدي الكثيرين عن هذهِ الدنيا .
الناسُ متسمرون بعملهمْ لا يسمعون هذهِ الإنذارات .. تمنّيتُ لوْ كنتُ سمعتُ هذهِ الإنذارات ولوْ مرّة واحدة في الحياة الدنيا كيْ تكون عبرةً لي .. لكن وااااحسرتاااه ثمّ وااااحسرتاااه !!
لفوني بقطعة قماش وبعدَ ساعة حملوني إلى المغتسل .. إنهُ مكان معروف لديّ لطالما جئتُ هُنا لغسل أمواتنا .. وهُنا لفتَ انتباهي المُغّسل حيث كان يقّلبني كيف شاء ودون عناء – ونظراً لعنايتي بجسمي فقدْ صرختُ بالمغسِّل : تمّهل قليلاً !! إرفقْ بي !! فقبل لحظات خرجتْ الروح من هذهِ العروق فأضعفتها وأعجزتها ... لكنّهُ واصل عمله دون أدنى عناية بمطالبي المتكررة .
إنتهى الغُسل .. ثُمّ لفوني بذلك الكفن الذي كنتُ قدْ اشتريتهُ بنفسي .. لقدْ كنتُ أفكر آنذاك بأنّ شراء الكفن إنما هو عملٌ روتيني .. ولكن ما أسرع أن لُفَّ جيدس بالبياض .. حقاً إنّ الدنيا دار جَواز .
وعندَ سماعي لنداء الصلاة ... الصلاة ... الصلاة .. دخلني نوعٌ من الطمأنينة .
التشييع
"".. أنا راحلٌ .. وثقوا أنكمْ ستلحقون بي .. ولا تتصوروا أنّ الموت خُلق لغيركمْ .. عجباً لكمْ تشاهدون الموت ولا زِلتُمْ غافلين ..!!! ""لما انتهت الصلاة حملوا جنازتي على أيديهم .. ومرة أخرى بعثت صرخات الشهادتين الطمأنينة في نفسي .. ولعلاقتي بجسدي أمسكتُ بأعلى الجنازة وأخذتُ أسيرُ معها .
لقدْ كنتُ أعرف المشيعين جيداً .. مجموعة بقاعدة التابوت .. وأخرى تمشي خلفه .. كنتُ أسمع أصواتهم وأحاديثهم .. حتى انّ باطن الكثير قدْ انكشفَ لي .. من هُنا قدْ اعتراني السرور لحضور البعض .. فيما كان حضور آخرين يؤذيني حيثُ كانت الرائحة الكريهة المنبعثة منهم تعّذبني .. كنتُ أرى بعضهُمْ على هيئة قردة في حين كنتُ أحسبهم في الدنيا من الصالحين .. من جانب آخر نظرتُ إلى أحد معارفي فداعبت روحي رائحة العطر المنبعثة منه .. وقدْ كنتُ في الدنيا لا أكنُّ لهُ الإحترام وذلك للبساطة الطاغية على ظاهره .. وربّما أسقطته في عيني غيبة الآخرين له .. و و ..
كان التابوت يسير مرفوعاً على أكتاف أصدقائي وكنتُ أرافقهم والقلق من المستقبل يهيمنُ عليَّ .
باب الولاية
كنت أشعر بأنني أسير بخفة أكثر من السابق ، وكأنني أريد التحليق وأصل وادي السلام خلال لحظة واحدة ، نظرت إلى الأعلى فلم أجد أثرا للنار ، لكن طبقات خفيفة من الدخان كانت تلوح في الأفق لكنها كانت في طريقها إلى الزوال بإطلالة نور أبيض بهيج ، وكانت تطل علينا بين الحين والآخر أشجار خضراء زاهية ، كنا نطوي طريقنا بسرعة فائقة وقليلا ما كنا ننتبه إلى ما يدور حولنا .
كنا نواصل مسيرنا وإذا بنا نلمح عن بعد بابا يحتشد عندها قوم وقفوا ينتظرون ويحرسها ملائكة شداد أقوياء . وقفت عند الباب دون اختيار وأخذت أراقب الحراس والحشود الواقفة ، وبين الحين والآخر يسلم بعض الناس أوراقا خضراء للحراس فيعبرون من الباب ، فأدرت عيني نحو ( حسن ) الذي كان واقفا خلفي ويراقب تصرفاتي ، فسألته : ما الذي يحدث هنا ؟ أجابني : هذا خط السعادة فهو آخر نقطة من برهوت . ثم واصل كلامه بنبرة خاصة : هنا باب الولاية فمن عبرها نال السعادة الأبدية . قلت : وماذا تعني باب الولاية ؟ قال : لا يدخل وادي السلام إلا من تعلق قلبه في الدنيا بمحبة علي ( عليه السلام ) وآل النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) . فيمنح مثل هؤلاء بطاقة الولاية ليعبروا من هذا الباب بيسر ويقتربوا من أبواب وادي السلام .
سررت كثيرا لسماعي اسم وادي السلام ، لكنني سرعان ما أخذت أفكر ببطاقة الولاية فتوجهت مرعوبا مضطربا إلى ( حسن ) وقلت له : لقد كنت في الدنيا محبا ومواليا لأهل البيت (عليهم السلام) لكنني لا أمتلك بطاقة الولاية ، فأشار بيده إلى يمين الباب وقال : اذهب إلى تلك الخيمة الخضراء ، فتوجهت إليها على عجل ، فوجدت فيها رجلا يرتدي ثيابا بيضاء حسن الوجه وقد جلس في زاوية منها ويتحدث مع أحد البرزخين ، وكأن ذلك الشخص كان محروما من بطاقة العبور وهو الآن يتوسل للحصول عليها .
قال الرجل ذو الثياب البيضاء لذلك البرزخي : كما قلت لك عليك العودة إلى وادي الشفاعة عسى أن يدركك الفرج وإلا فإن مشكلتك أنت والواقفين في الخارج لا تحل هنا .
غادر البرزخي الخيمة مهموما ، فدخلت وألقيت السلام ثم جلست أمام ذلك الرجل العظيم ، فرد علي السلام ، وقبل أن أبوح بطلبتي تصفح دفترا كان أمامه ، وكانت رجلاي ويداي ترتجفان ، ولكن لم يطل بي المقام حتى امتدت يده نحوي وهي تحمل بطاقة خضراء ، ولما سلمني إياها تبسم بوجهي وقال : لقد بلغت السعادة فهنيئا لك . وهكذا مررنا من باب الولاية وخلّفنا وراءنا المأمورين ومن لا ولاية لهم . ...::: القبر :::...
وصل المشيعون إلى المقبرة .. وعند مشاهدتي لها استحوّذ على فؤادي الغم .. مرّوا على العديد من القبور حتى بانت حفرةٌ من بعيد فهيْمنَ عليَّ الاضطراب والرعب .
بقيتُ مسافة حتى قبري فوضعوا جنازتي على الأرض .. استرحتُ قليلاً .. وبعدَ قليل رفعوا التابوت ثانية وساروا بهِ قليلاً .. ثُمّ وضعوهُ على الأرض ثُمّ رفعوه ساروا بهِ وحطّوا به على مقربة من القبر .. ألقيتُ بنظرة إلى داخل القبر فأنتابني الرعب مرذة أخرى .
رفعَتْ مجموعة منهم جنازتي من التابوت وما إن أدخلوا رأسي في القبر تصوّرتُ من شدة الخوف والرهبة كأنني هويْتُ من السماء إلى الأرض .. وحينما كانوا يُدخلون الجسد إلى اللحد ألقيتُ من خارج القبر بنظرة إلى جسدي وأخرى وجهتُها إلى الناس .. فأقتربَ أحدهم من جسدي منادياً بإسمي .. فدنوتُ منه وأستمعتُ لكلامه فقدْ كان مشغولاً بالتلقين .
كنتُ أسمع كل ما يقول وأرددٌ معه .. ما أروعه فقدْ كان يتلّفظ بروية وطراوة .. وما إن مضتْ لحظات حتى بدأوا بوضع الصخور فوق اللحد فشعرتُ بالأذى والأسى لأنهّم سجناو جسدي تحتَ التراب .
تأملتُ مع نفسي من الأفضل أن أنسحبَ ولا أدخل القبر مع الجسد .. ولكن لشدّة تعلقي بالجسد جئتُ إلى جانب الجنازة .. وفي طرفة عين بدأت الأيدي تهيل التراب على الجسد .
...::: حلَّ أوان الغربة :::...
انتابني السرور لكثرة الذين جاؤوا لمواراة جثماني الثرى .. وشعرتُ بالمتعة لحضورهم وتلاوتهم للقرآن والصلوات على النبي وآله . ثمّ أخذ الحارون بالإنصراف شيئاً فشيئاً ولمْ يبقَ منهم إلا نفرٌ يُقّدرون بعدد الأصابع .. ولكنْ لمْ يمضِ من الوقت إلا القليل حتى تركوني وحيداً – وهذا ما لَمْ أُصدّقه – ربّما لا تتصورون ما جرى عليَّ في تلكَ اللحظات .. فلمْ أكُ أتوقع منهمْ هذا الجفاء .. أولادي .. بناتي .. زوجتي وكذلك أصدقائي المقرّبين الذين لمْ أبخل عليْهم بالموّدة .. لكنّهم سرعان ما أنصرفوا وتركوني وحيداً !! وددتُ لوْ أصرخ فيهم :
" أينَ تذهبون !! ابقوا معي .. لا تتركوني وحيداً " ..
في تلكَ الأثناء سمعتُ منادياً ينادي في الناس : توالدوا للموت .. واجمعوا للفناء .. وابنوا للخراب .. ولكن للأسف فقدْ كانوا في وادٍ آخر محرومين من الإستماع لهذا النداء .. ولما عرفتُ أنّ الناس قد خرجوا من المقبرة ناديْتُهم : إذهبوا .. ولكنْ إعلموا بأنكم ستنزلون التراب يوماً صدّقتُم أمْ لم تصدقوا .. شئتُمْ أمْ أبيْتُم .. إعلموا فوالله لا يُؤخر الأجل .
بعدَ كلّ ذلك الصراخ والعويل رجعتُ إلى نفسي فوجدتُ أنّ كلّ ما بقيَ لي هو قبرٌ مظلم موحش مهول يثير الغموم .. فأستحوذتْ عليَّ الرهبة .. أخذتُ أفكر مع نفسي : وكأنهم قد قذفوا في فؤادي كلّ ما في افئدة الأرض من غموم وكلّ ما في الدنيا من قلق .. وأنهُ غَمء ورُعب لو نزل على بدن الإنسان لأهلكه .. ونتيجة لذلك الضغط النفسي بكيتُ وسالت دموعي ساعات وساعات .
أخذتُ أتذكر أعمالي فأدركتُ قلّة بضاعتي .. فتمنّيتُ لوْ عدتُ مع الذين كانوا قد اجتمعوا على قبري .. كيْ أقضي عمري بالعبادة وإحياء الليل والأعمال الصالحة وأنفق ما كنتُ جمعته خلال السنوات الأخيرة من عمري على الفقراء .. ليتني ... ليتني .!!
...::: جاء رومان :::...
وأنا غارقٌ في بحر أفكاري ارتفع صوت من يسار القبر : إنّك تتمنى العودة عبثاً .. فقدْ أُغلقت صفيحة حياتك !! فرعبتُ لذلك الصوت في تلك الظلمة وكأنّ أحداً قد دخل القبر .. فسألته بصوتٍ مهزوز : من أنت !! فأجاب : أنا رومان من ملائكة الله . قلتُ : لعلّك عرفتَ ما يدورُ بذهني !! قال : نعم .
قلت : اقسمُ لو تركتني اعود إلى ذلك العالم لنْ أعصي الله أبداً وأعمل على كسب رضاه .. اليوم حيث انصرف عني كلّ من أعرفهم بلْ وحتى أفراد أسرتي وتركوني .. أدركتُ غدر الدنيا .. فأطمئن إذا رجعت إلى الدنيا لنْ أغفل لحظة واحدة عن طاعة خالقي وعبادته !!
قال : إنّها كلمة أنتَ قائلها .. لكن إعلم أنّ الواقع غير ما تتمناه فلا بدّ أن تمكث في البرزخ من الآن وحتى قيام الساعة . بعد ذلك باشر بإحصاء أعمالي الصالحة والطالحة تلك الأعمال التي ارتكبتها طيلة حياتي وسجّلها الكرام الكاتبين . عجبا ً لها من صحيفة تضم حتى أصغر أعمالي صالحها وقبيحها , وفي تلك اللحظات شاهدت أعمالي أمام عيني . كنت أفكر بثقل أعمالي وخفتها فبادر ((رومان)) إلى تعليق صحيفة أعمالي في رقبتي بحيث شعرت وكأن جبال الدنيا كلها علِّقت في عنقي. ولما أردت أن سأله عن السبب في ذلك , قال : كلُّ إنسان يطوّق بأعماله. قلت : وإلى متى يجب أن أتحمل ثقل هذا الطوق؟ قال: لا تقلق , بعد ذهابي سيأتي منكر ونكير للمساءلة ثم تزول هذه المشكلة عنك. قال رومان ذلك وانصرف.
:: مساءلة القبر ::
لم يمض الكثير من الوقت على انصراف رومان تناهت إلى أسماعي أصوات غريبة عجيبة . وأخذت الأصوات تقترب أكثر فأكثر ويزداد فيَّ الرعب والرهبة , حتى وقف أمام عيني شبحان ضخمان مذهلان وبلغ اضطرابي ذروته لمّا شاهدت في يد كلٍّ منهما عموداً ضخماً من حديد يعجز من في الدنيا عن تحريكه, ثم فهمت أنهما نكير ومنكر. فتقدم أحدهما مني فصاح صيحة لو سمعها أهل الدنيا لماتوا . وتصورت أن أمري قد انتهى . وبعد لحظات تكلّما وباشرا بالسؤال : مَنْ ربك؟ مَنْ نبيك؟مَن إمامك ؟ فتلكأ لساني لشدة الخوف والرعب , وتوقف عقلي , بالرغم من أن فهمي وعقلي ازداد عمّا هو في الدنيا مئات المرات لكنه قصر هنا ... كنت أعلم بنزول أعمدتهم على رأسي إنْ لم أجبهم , ما عساني فاعلٌ؟ أطرقت برأسي وأخذت بالبكاء وتهيأت لنزول الضربة . في تلك اللحظات حيث كنت أتصور أن كل شيء قد انتهى , تعلق فؤادي برحمة الله سبحانه و شفاعة المعصومين { عليهم السلام } , فأخذت أردد : يا أفضل خلق الله وعباده , لقد كنت طيلة عمري أطلب منكم أن تدركوني عندما أحلُّ في قبري , وليس من كرمكم التخلي عني في هذا الحال ! هنا ارتفعت أصوات أولئك بالسؤال . ولم يمض إلاّ قليلاً من الوقت حتى استنار قبري , وأصبح نكير ومنكر أكثر شفقة فسُرَّ قلبي واطمئن روحي وانفتح لساني , فأجبتهم بشجاعة وصوت عالِ الله ربي ومحمد نبيي , وعلي وأولاده أئمتي , والقرآن كتابي , والكعبة قبلتي ... الخ , ولقد وددت لو أعادوا السؤال كي أجيبهم بكل قوة . وفي الوقت الذي بدا نكير ومنكر رضيا فتحا من تحت قدميَّ بابا ً إلى جهنم وقالا : لولا أنك قد أحسنت الجواب لكان مستقرك هناك . ثم أغلقوا تلك الباب وفتحوا من أعلى رأسي بابا أطلَّت على الجنة فبشروني بالسعادة . ومع هبوب نسيم الجنة امتلأ قبري بالنور واتسع لحدي واسترحت قليلاً . وهنا انتابتني حالة من السرور العارم والسعادة لخلاصي من ضيق القبر وظلمته .
:: الحضور عند الغربة ::
لم يستمر سروري لظفري في أول اختبار وسرعان مازال , وبزواله أدخل فيَّ حالة من الشعور بالضيق والغربة فأخذت أفكر مع نفسي : لقد كان لي في الدنيا الكثير من الأصدقاء والمعارف والأقارب , وكانت لي بهم علاقات طيبة وحميمة , بين أن يدي أصبحت صفرا ًمنهم . يا الهي ! كيف أتحمل الغربة في هذه اللحظات العصيبة القاسية ؟ ! وهل سيستمر همُّ الغربة مسيطرا ً عليَّ في هذا العالم ؟
أطرقت برأسي وأخذت أبكي دون اختيار مني , وما هي إلا لحظات حتى تناهى إلى مشامّيِ عطرٌ طيب للغاية , وأخذ يزداد ويزداد . وفي الوقت الذي كان كتابي يثقل كاهلي رفعت رأسي بصعوبة فشاهدت رجلا يقف أمامي فأدهشني وجوده , لقد كان شابا ًحسن الوجه طيب الأخلاق , فمسحَ الدموع من عينيَّ بيده وابتسم لي . فبادرت بالسلام تعبيرا ًعن تأدبي أمامه وجلست على ركبتيَّ أنظر مدهوشا ًإلى عينيه وأردد : تبارك الله أحسن الخالقين. ثم سألته بصوت واضح : مَنْ أنت حتى جئت تسلّيني وتصحبني في هذه اللحظات المليئة بالغربة والاضطراب ؟ فأجاب مبتسما ً : لست غريبا ً , وهذه الديار تعرفني حيث أكون ورفيقا ً ومؤنسا ً في هذه الطريق الخطير . قلت : انه الفلاح , ولكن منْ أنت؟لا شك أنك غريب على أهل ذلك العالم , فلم أرَ مثلك جمالا ً مدى حياتي . فقال ولم تزل تلك الابتسامة مطبوعة على شفتيه: الحق معك أن لا تعرفني ! فلقد كنت في ذلك العالم قليلا ًما تهتم بي . فأنا ثمرة أعمالك الصالحة وها أنت تراني بهذه الهيئة . اسمي (( حَسَنٌ )) وأنا الذي آخذ بيدك في هذا الطريق الخطر . | |
|
بشار
مدير عام المنتدى رقم العضوية : 1 الجنــس : المواليد : 11/05/1992 التسجيل : 07/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 32 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 3576 نقـــــــــاط التقيم : 7183 السٌّمعَــــــــــــــة : 29 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام _البوابة مدير المنتدى
| موضوع: رد: مسير الأرواح في عالم البرزخ السبت يناير 05, 2013 1:28 am | |
| سلمت يمنآك على مآحملته لنآ موضوع عآلي بذوقه ,, رفيع بشآنه كلمآت كآنت ,, وما زالت بآلقلب ولاتحرمنا من جديدك ستبقي حروفك متفرداً منفرداً بـ النور لك ودي الذي لا ينتهي ابدا مع خالص تحياتي وفائق تقديري دمت في حفظ الرحمن
| |
|
طريقي زينبي الرتبــــــة
رقم العضوية : 33 الجنــس : المواليد : 20/08/1994 التسجيل : 11/01/2013 العمـــــــــــــــــر : 30 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 3643 نقـــــــــاط التقيم : 4443 السٌّمعَــــــــــــــة : 5 علم بلدك : الموقع : https://albeet.alafdal.net/ المنتدى ومراقب عام
| موضوع: رد: مسير الأرواح في عالم البرزخ الإثنين يناير 14, 2013 7:55 pm | |
| | |
|
أبو سجاد الرتبــــــة
رقم العضوية : 9 الجنــس : المواليد : 15/05/1973 التسجيل : 19/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 51 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 10278 نقـــــــــاط التقيم : 14107 السٌّمعَــــــــــــــة : 6 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام مشرف منتدى الامام علي عليه السلام
| موضوع: رد: مسير الأرواح في عالم البرزخ الخميس فبراير 07, 2013 3:23 pm | |
| بارك الله بك أخي العزيز على الموضوع القيم | |
|
زينبية الطف الرتبــــــة
رقم العضوية : 6 الجنــس : التسجيل : 19/12/2012 عدد المساهمات : 562 نقـــــــــاط التقيم : 700 السٌّمعَــــــــــــــة : 6 علم بلدك : مراقب عام ومشرفة منتدى القسم الاسلامي
| موضوع: رد: مسير الأرواح في عالم البرزخ الأحد فبراير 10, 2013 8:43 pm | |
| بارك الله بكم ’’ جزيتم خيرا | |
|