بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين ...
السَّلامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ...
كثيرة هي الواجبات الشرعية التي تتعلق بذمة المرء بعد بلوغه سن التكليف كالصوم والصلاة والحج والزكاة والخمس والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الواجبات
وقسم من هذه الواجبات تسمى العبادات وهي الأعمال العبادية التي لابد من اقترانها بأمر مهم وهو المسمى
(خلوص النية او الاخلاص في النية)
أي بمعنى قصد التقربالى الله تعالى وحده بهذا العمل ونفي أي قصد آخر
عن أبي الصلت، عن علي بن موسى، عن آبائه (عليهم السلام)، قال :
« قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :
" لا قول إلا بعمل، و لا قول و عمل إلا بنية، و لا قول و عمل و نية إلا بإصابة السنة " »(1)
وعن خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي قال: سأل عيسى بن عبد الله القمي أباعبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال: ما العبادة ؟ فقال (عليه السلام) :
" حسن النية بالطاعة من الوجه الذي يطاع الله منه "(2)
وقد يتصور البعض لأول وهلة ان مسألة الاخلاص في النية هينة وليست بالأمر الصعب ، بينما عند الـتأمّل فيها لعلها تكون من أعقد المسائل واصعبها على العبد ؛ لكونها لا تختص بوجوب استحضارها أثناء العمل وربما قبل الشروع به فحسب ، بل لابد من استمرارها الى ما بعد العمل كي لا يحبط ثواب ذلك العمل ، فقد يأتِ المرء بالعمل العبادي بنية خالصة في بداية الأمر ويتمه على أكمل وجه ولكنه فيما بعد قد يحبط ثوابه - وبوسوسة من الشيطان - بالتباهي والتفاخر والعجب ونحوها من المكدرات والشوائب ، وهنا تكمن الخطورة وتكون المرحلة الأصعب . لذلك ورد في الحديث الشريف أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال :
" نية المؤمن خير من عمله "(3)
و قال (صلى الله عليه وآله) :
« إنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى فلا بد للعبد من خالص النية في كل حركة و سكون لأنه إذا لم يكن بهذا المعنى يكون غافلاً و الغافلون قد ذمّهم الله تعالى فقال :" إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا "(4) ، وقال :" أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ "(5)
ثم النية تبدو من القلب على قدر صفاء المعرفة و تختلف على حسب اختلاف الأوقات الإيمان في معنى قوته و ضعفه و صاحب النية الخالصة نفسه و هواه معه مقهورتان تحت سلطان تعظيم الله تعالى و الحياء منه و هو من طبعه و شهوته و منية نفسه منه في تعب و الناس منه في راحة ؛ لأن نية العمل فقط لا يتطرق اليها الرياء لكونها غير معلومة الا من قبل صاحبها وقد لا يرجو صاحبها عليها أجرا ولا يتأمل منها منفعة في الآخرة »(6)
عن زيد الشحام قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) : إني سمعتك تقول: نية المؤمن خير من عمله، فكيف تكون النية خيرا من العمل ؟ قال (عليه السلام):
" لان العمل ربما كان رياء المخلوقين، والنية خالصة لرب العالمين، فيعطي (عز وجل) على النية مالا يعطي على العمل "
وقال أبو عبد الله (عليه السلام):
" إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام، فيثبت الله له صلاته، ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه عليه صدقة "(7)
لذا فمن الضروي للمرء أن يدعو الله تعالى بالتوفيق للاخلاص في النية كما حث عليه المعصومون(صلوات الله عليهم) ففي الدعاء العشرين من الصحيفة السجادية المعروف بدعاء (مكارم الأخلاق ) يقول الامام زين العابدين (عليه السلام) :
" أَللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَبَلِّغْ بِإيْمَانِي أكْمَلَ الاِيْمَانِ، وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ، وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ، وَبِعَمَلِي إلى أَحْسَنِ الاعْمَالِ. أللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي وَصَحِّحْ بِمَا عِنْدَكَ يَقِينِي، وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ مَا فَسَدَ مِنِّي ... "(
لذا ينبغي علينا أن نحاذر في العمل ونحافظ على أعمالنا ولا نغفل عن وساوس ودسائس إبليس ونتيقض من مصائده ومكائده .