حبّ أهل البيت عليهم السلام مبدأ رسالي يتضمن أبعاداً مهمة وخطيرة ، لها آثارها في حياة الفرد المسلم وحياة المجتمع الاِسلامي ، فحبهم لم يكن مجرد علاقة قلبية أو ارتباط عاطفي يشدّنا إلى أفراد معينين لاَنهم قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته ، بل إنّه تعلّق بحبل الله الممدود من السماء إلى الاَرض بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي يتحقق من خلاله ارتباط حياة الفرد والمجتمع بتعاليم السماء وبإرادة الخالق العزيز ، ذلك لاَنّهم عليهم السلام يمثّلون الثقل الالهي في الاَرض وهم آيات الله والدّالون عليه وفيهم تتجسّد الصفات والكمالات التي يريدها الله تعالى .
فحبّهم يمثل في الواقع حبّ لله وللقيم الربانية والكمالات الالهية ، وهو يسمو بالمؤمن في مدارج الوصول إلى الكمال الذي يريده الله سبحانه .
ومن جانب آخر فان حبّهم عليهم السلام يضمن سلامة الطريق المؤدي إلى الاَهداف التي تريدها الرسالة الاِسلامية ، ذلك لاَنّهم النبع الصافي والمصدر الاَمين لاَحكام الرسالة ومفاهيمها والانفتاح على قيمها الاخلاقية وعطاءاتها التربوية ، وبذلك فان مودة أهل البيت عليهم السلام ضمان لصيانة الشريعة الاِسلامية وخط الرسالة المحمدية وأفكارها وحفظ الاُمّة من الانحراف كي تسير في السبيل المستقيم الذي يؤمن لها الخير والكمال.
وفيما يلي أهم الآثار المترتبة على حبّ أهل البيت عليهم السلام عترة النبي المصطفى المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) والمعطيات الدنيوية والاَخروية لمودتهم وفقاً لما جاء في النصوص الاسلامية :
1 ـ حبّ أهل البيت عليهم السلام حبّ لله وفي الله :
إنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام يجسّد حبّ الله تعالى وحبّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أجلى صوره ، وذلك غاية أمل المؤمنين ، قال تعالى :﴿ والَّذِينَ آمَنُوا أشدُّ حُبّاً للهِ ﴾ (1). وقال تعالى :﴿ قُلْ إن كُنتُم تُحبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُوني يُحببكُمُ اللهُ ﴾ (2).
وقد تقدم في الفصل الثاني ما يدلُّ على أنّ حبّهم عليهم السلام هو حبّ الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
كما أن حبّهم عليهم السلام من أكبر المصاديق للحبّ في الله ؛ لاَنّه حبٌّ يتوجه إلى أفراد يحبّهم الله ويندب إلى حبّهم ، وبغض أعدائهم يجسد البغض في الله ؛ لاَنّه بغضٌ يتوجه إلى أفراد يبغضهم الله ويأمر ببغضهم ، وذلك حقيقة الاِيمان وأوثق عراه ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« أوثق عرى الاِيمان الحبّ والبغض في الله » (3).
وعندما يكون حبّهم عليهم السلام لله ننال به سعادة الدارين والقرب من منازل الصالحين ، قال الاِمام الحسين عليه السلام :« من أحبّنا للدنيا ، فإنّ صاحب الدنيا يحبّه البر والفاجر ، ومن أحبنا لله كنّا نحن وهو يوم القيامة كهاتين »وقرن بين سبابتيه (4) .
2 ـ معرفة الحق والسلامة من الانحراف :
لاريب أنّ الفرد المسلم بحاجة إلى المنهل الرائق والنبع الاَصيل الذي يضمن له معرفة الحق من الباطل ويحقق له أقرب الطرق التي تؤمّن الوصول إلى خير الدنيا والآخرة ، وبما أن الاِنسان يميل إلى الاَخذ ممن أحب وممّن تعلق قلبه به ، فان من يهوى أهل البيت عليهم السلام سوف يأخذ العلم من أهله ، والدين من محله ، والتنزيل من مَنزِله ، والاعتقاد من أصله، وبذلك تكون محبتهم عليهم السلام وقاءً وعاصماً من الانحراف في تيارات الباطل والفرق الضالة ، وتكون فيصلاً للدين الحق عن تمويهات المبطلين وتشبيهات المغرضين .
3 ـ استكمال الدين :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «حبّ أهل بيتي وذريتي استكمال الدين » (5).
4 ـ طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم :
إنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام والتمسك بولائهم هو أمر إلهي ورد في الكتاب الكريم وعلى لسان الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم في الفصل الثاني هذا البحث ، وعليه فان محبتهم طاعة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقد فَازَ فَوزَاً عَظيماً » (6).
5 ـ التمسّك بالعروة الوثقى :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً أمير المؤمنين علي عليه السلام :« يا علي ، من أحبكم وتمسك بكم ، فقد تمسك بالعروة الوثقى» (7).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من أحبّ أن يتمسك بالعروة الوثقى ، فليتمسك بحبّ علي وأهل بيتي » (
.
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام :« العروة الوثقى المودة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم » (9).
6 ـ اطمئنان القلب وطهارته :
قال أمير المؤمنين عليه السلام :« إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزلت هذه الآية﴿ ألا بِذكرِ اللهِ تَطمَئنُّ القُلوبُ ﴾ (10)قال : ذاك من أحبّ الله ورسوله ، وأحبّ أهل بيتي صادقاً غير كاذب ، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً ، ألا بذكر الله يتحابون » (11) .
وقال الاِمام الباقر عليه السلام : « لا يحبّنا عبد ويتولانا حتى يطهّر الله قلبه ، ولا يطهّر الله قلب عبدٍ حتى يسلّم لنا ويكون سلماً لنا ، فإذا كان سلماً لنا سلّمه الله من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الاَكبر » (12).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام :« لا يحبّنا عبدٌ إلاّ كان معنا يوم القيامة ، فاستظلّ بظلّنا ، ورافقنا في منازلنا » (13).
7 ـ الحكمة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« من أراد التوكل على الله فليحب أهل بيتي ، ... ومن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي ، ... فوالله ما أحبّهم أحدٌ إلاّ ربح الدنيا والآخرة » (14) .
وقال الاِمام الصادق عليه السلام :« من أحبنا أهل البيت ، وحقّق حبنا في قلبه ، جرت ينابيع الحكمة على لسانه ، وجدّد الايمان في قلبه » (15).
8 ـ الاغتباط عند الموت :
قال أمير المؤمنين عليه السلام للحارث الاَعور :« لينفعنّك حبنا عند ثلاث : عند نزول ملك الموت ، وعند مساءلتك في قبرك ، وعند موقفك بين يدي الله » (16).
9 ـ الشفاعة يوم القيامة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« شفاعتي لاُمتي من أحب أهل بيتي ، وهم شيعتي » (17).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنّه من لقي الله يوم القيامة وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا » (18).
10 ـ التوبة والمغفرة وقبول الاَعمال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألاومن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان » (19).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« حبنا أهل البيت يكفّر الذنوب ويضاعف الحسنات » (20).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « من أحبّنا أهل البيت عظم إحسانه ، ورجح ميزانه ، وقبل عمله ، وغفر زلله ، ومن أبغضنا لا ينفعه إسلامه» (21).
وقال الاِمام الحسن عليه السلام : « إنّ حبنا ليساقط الذنوب من ابن آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر» (22).
وقال الاِمام الباقر عليه السلام :« بحبّنا تغفر لكم الذنوب » (23).
11 ـ نور يوم القيامة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« أكثركم نوراً يوم القيامة أكثركم حباً لآل محمد » (24).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« أما والله لا يحبّ أهل بيتي عبدٌ إلاّ أعطاه الله عزَّ وجل نوراً حتى يرد عليّ الحوض ، ولا يبغض أهل بيتي عبدٌ إلاّ احتجب الله عنه يوم القيامة » (25) .
12 ـ الاَمن من أهوال القيامة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط» (26).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« من أحبنا أهل البيت حشره الله تعالى آمناً يوم القيامة» (27).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط » (28).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« أثبتكم قدماً على الصراط أشدّكم حُباً لاَهل بيتي » (29).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« ما أحبّنا أهل البيت أحدٌ فزلّت به قدم ، إلاّ ثبّتته قدمٌ أُخرى ، حتى ينجيه الله يوم القيامة » (30).
13 ـ دخول الجنة والنجاة من النار :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« ألا ومن مات على حبّ آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزفُّ إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد فتح له من قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات على السُنّة والجماعة » (31).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« من أحبنا لله أسكنه الله في ظلٍّ ظليل يوم القيامة يوم لاظلّ إلاّ ظلّه ، ومن أحبنا يريد مكافأتناكافأه الله عنّا الجنّة » (32).
وعن حذيفة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسين بن علي فقال : «أيُّها الناس ، جدّ الحسين أكرم على الله من جدّ يوسف بن يعقوب ، وإنّ الحسين في الجنة ، وأباه في الجنة ، وأُمّه في الجنة ، وأخاه في الجنة ، ومحبهم في الجنة ، ومحب محبهم في الجنة » (33).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « والله لا يموت عبدٌ يحبّ الله ورسوله ويتولى الاَئمة فتمسّه النار » (34).
14 ـ الحشر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبّهم من أُمتي كهاتين يعني السبّابتين» (35).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين ، فقال : من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأُمهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة » (36).
وقال عليه السلام : « من أحبّنا كان معنا يوم القيامة ، ولو أن رجلاً أحبّ حجراً لحشره الله معه » (37).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من أحبّنا ، لم يحبّنا لقرابة بيننا وبينه ، ولا لمعروف أسديناه إليه ، إنّما أحبنا لله ولرسوله ، فمن أحبنا جاء معنا يوم القيامة كهاتين » وقرن بين سبّابتيه (38).
15 ـ خير الدنيا والآخرة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« من رزقه الله حب الاَئمة من أهل بيتي ، فقد أصاب خير الدنيا والآخرة ، فلا يشكّنّ أحدٌ أنه في الجنة ، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة ، عشر منها في الدنيا ، وعشر منها في الآخرة .
أما التي في الدنيا : فالزهد ، والحرص على العمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشاط في قيام الليل ، واليأس ممّا في أيدي الناس ، والحفظ لاَمر الله ونهيه عزَّ وجل ، والتاسعة بغض الدنيا ، والعاشرة السخاء .
وأما التي في الآخرة : فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ، وتكتب له براءة من النار ، ويبيَضّ وجهه ، ويكسى حلل من حلل الجنّة ، ويُشفّع في مائة من أهل بيته ، وينظر الله عزَّ وجلّ إليه بالرحمة ، ويُتَوّج من تيجان الجنة ، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب ، فطوبى لمحبي أهل بيتي » (39).
وواضح من هذا الحديث ومما تقدم من أحاديث هذا الفصل أنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام يعني حبّ خصال الخير ومكارم الاَخلاق التي ندب إليها الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كالزهد ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، وقيام الليل ، وغيرها ممّا يؤدي بالعبد إلى منازل الاَخيار والفوز بالرضوان .
ومن هنا يتضح أيضاً أن إيجاب حبّهم عليهم السلام يعني إيجاب التمسّك بهم كقادة رساليين يمثلون إرادة الحق وسُنّة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم لاِقامة دعائم الدين وتهذيب النفوس لتبلغ منازل الكمال التي أرادها الله تعالى لها .
وكذلك وجوب محبة شيعتهم والتبري من أعدائهم ؛ لاَنّ مجرد حبّهم عليهم السلام دون العمل بما يقتضيه ذلك الحبّ لا يغني عن صاحبه شيئاً ولا يوصله إلى نيل المعطيات التي أشرنا إليها في هذا الفصل .
ولهذا ورد عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال :« ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لاَنّك لا تجد أحداً يقول : أنا أبغض محمداً وآل محمد ؛ ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنّكم تتوالونا وتتبرأون من أعدائنا » (40).
وجاء عن الاِمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنّه قال :« من عادى شيعتنا فقد عادانا ، ومن والاهم فقد والانا ؛ لاَنّهم منّا ، خلقوا من طينتنا ، من أحبّهم فهو منّا ، ومن أبغضهم فليس منّا ... » (41).