اللهم صلّ على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
الإمام السجاد عليه السلام باعث الإسلام من جديد
نلاحظ هنا
الأمور التالية
إنه يخاطب
مماليكه بـ يا بني ، وكان يهدف إلى إعطاء النظرة الصحيحة للإسلام تجاه المماليك ،
وأنه يعتبرهم بمنزلة
الإخوة والأبناء ، وإن الإسلام
الذي يفرض على الإمام السجاد عليه السلام أن يعامل مماليكه معاملة يأمنوه معها ،
يختلف عن ذلك
الإسلام الذي يدعيه الآخرون
الذين يعتبرون الموالي أحقر وأذل من الحيوان
إن كتابة
إساءاتهم ، ثم محاسبتهم عليها وعتقهم حينه ، إنما يهدف إلى تنبيههم إلى أخطائهم ،
وترسيخ ذلك في
نفوسهم ، ولاسيما حينما تطرح كقضية حاسمة في أسعد لحظات حياتهم اللحظات التي
ينالون فيها حريتهم ، التي هي
في الحقيقة هوية وجودهم فهم إذن قد نالوا
أعز ما في الوجود من غير استحقاق ، وفي هذا ضغط نفسي من نوع معين ،
ليحاولوا الإرتفاع
بأنفسهم إلى درجة الإستحقاق والجدارة ، ويبعث في نفوسهم روح العمل الجاد في سبيل
التكامل في
الفضائل
الإنسانية ، والإلتزام بالتعاليم الأخلاقية الإسلامية
إن ذلك
يجعل له بشكل طبيعي مكانة خاصة في نفوسهم ، والنظر إليه نظرة خاصة فيها كل الاحترام
والتقدير، واعتباره نوعية
أخرى ، تختلف عما يعرفون ويعهدون ، وهذا يؤهلهم في المستقبل إلى الإستماع
إلى تعاليمه ، واحترام آرائه التي هي
تعاليم وآراء
الإسلام ، ثم السير على منهاجه
واتباع سلوكه
وأما
إعطاؤهم المال في هذا الظرف بالذات ، فبالإضافة إلى أنهم يكونون عادة في أمس الحاجة
إليه في هذا الظرف
بالذات ، حيث لا يملكون فيه من حطام الدنيا شيئاً ، ويمنعهم بذلك من اتباع
الأساليب الملتوية من أجل الحصول
علي لقمة العيش ، فبالإضافة إلى ذلك هو
يؤكد على إنسانية تعاليم الإسلام ،
وإنه يعيش قضية الإنسان ، ويتفاعل معها ،
ويهتم اهتماماً حقيقياً بحلها ، ولا يتاجر
بآمال الناس وآلامهم ، وبكراماتهم كما هو شأن غيره
ممن لم يعد أمرهم خافياً على أحد
لقد كان
من نتيجة هذه السياسة التي لا نجدها بهذا الشمول والسعة لدى غيره ، أن صار الموالي
يعتبرون أهل البيت
عليهم السلام هم المثل الأعلى للإنسان
وللإسلام ، وكانوا مستعدين للوقوف إلى جانبهم في مختلف الظروف ،
ولا نعدم بعض
الشواهد التي تظهر أن الموالي كانوا ينتصرون للعلويين إذا رأوهم تعرضوا لظلم أو
لبغي من قبل السلطات ،
كما يظهر لمن راجع كتاب عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة ، وغيره
إن ذلك
كان إدانة لمنطق الأمويين القائم على أساس تفضيل العربي وإعطائه كل الامتيازات ،
وحرمان غيره منها بكل
صورة ، واعتباره أذل وأحقر من الحيوان ، حتى كان يقال لا يقطع الصلاة إلا
كلب أو حمار أو مولى ، ومنعوهم
من الإرث كما في موطأ مالك ، ومن العطاء
ومن القضاء ، ومن الولاية وإمامة الجماعة ، ومن الوقوف في الصف الأول منها
،
واعتبر غير
العربي ليس كفؤاً للعربية ، وأباحوا استرقاقهم ولا يسترق غيرهم ، إلى غير ذلك مما
لا مجال لتتبعه واستقصائه
وإذا لاحظنا أن العرب قبل الإسلام لم يكن لهم شأن يذكر ، ولا كان
لهم حكم ولا سلطان ، وإنما كان الحكام هم
غيرهم ، فإن من الطبيعي أن ترضي هذه
السياسة غرور العربي ، الذي أصبح يرى نفسه حاكماً على ملك الأكاسرة
وغيرهم ، وذلك
ربما كان يزيده عنفاً وغلواً في معاملته القاسية لغير العرب
ومن الجهة
الأخرى فإن من الطبيعي أن يحس غير العرب بالغبن وبالمظلومية وعدم حفظ حقوقهم ، فكان
هذا
سبباً
لتعاطفهم مع الدعوة العباسية التي تسببت في الإطاحة بالعرش الأموي ، وعلى الأخص
حينما رأى غير العرب
أنه لم ينصفهم ويعاملهم معاملة عادلة وحسنة إلاعلي بن
أبي طالب عليه السلام ، ثم جاء الإمام
السجاد عليه السلام
وغيرهم من أئمة أهل البيت عليهم السلام ليعلن رفض الإسلام
لمنطق الأمويين هذا القائم على أساس التمييز العنصري
البغيض ، وأن هذا لا يمثل رأي الإسلام الصحيح ،
ولا ينسجم مع منطلقاته في التعامل
والتفضيل القائم على أساس العمل فقط
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات : 13]
و
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة : 7- 8]
فكان كل
ذلك قد هيأ الأجواء لتعاطف غير العرب مع الدعوة ضد الأمويين ، كما أنه في نفس الوقت
قد خفف
من غلوائهم
وحقدهم ، ولهذا فإننا لا نجد تطرفاً كثيراً في معاملة غير العرب للعرب حينما حكموهم
في الدولة
العباسية في فترات متعددة ، وإن كان للظروف الخاصة الأخرى أثراً كبيراً
أيضاً في هذا المجال
وهكذا فإن
علي بن الحسين قد قام بمهمة شاقة جداً وخطيرة جداً ، مهمة
بعث الإسلام في الأمة من جديد ، في
حين أنه لم يكن يعترف بإمامته في وقت ما غير ثلاثة أشخاص ، وهيأ
الظروف والأجواء وأعاد العلاقات والروابط
والصلات بين أهل
البيت عليهم السلام وبين الأمة رغم جهد
الحكام المستمر والمستميت لقطعها ، والقضاء
عليها نعم.. لقد قلب
كل الموازين رأساً على عقب كما أوضحناه بأسلوبه الحكيم ،
والهادئ
الرصين.. صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين
ويلاحظ
أنه قد فعل كل ذلك ونجح فيه أعظم النجاح ، بصورة متميزة وفريدة ، قد خفيت على الحكم
، وعلى
كل أجهزته
بصورة تامة ، ولعل ذلك هو ما يفسر لنا ما نجده مع اهتمامهم بإبراز
عظمتهعليه السلام
، وسعة علمه
وفضله حتى من قبل المتعاطفين مع الحكم
والموالين له ، حتى ليقول يحيى بن سعيد والزهري
ما رأيت قرشياً قط أفضل من علي بن الحسين
المصدر
20 أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي (ع) ج3 ص146و207
نسألكم الدعاء