اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
قال الله تعالى {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ }(1)
قيل في تفسير هذه الآية أي فليتفكر الإنسان في طعامه كيف قُدّر ودُبّر له وايضاً هي دعوة كي يلتفت لما يدخل إلى جوفه من طعام لئلا يكون مضراً بجسمه فيؤدي إلى مرضه وهذا ما هو عليه غالب الناس من التدقيق في مأكولاتهم وإنتخاب الطيب منها والنظيف .
ولكن للآية الشريفة معنى أدق أشار إليه أئمة اهل البيت (ع)
عن زيد الشّحام عن ابي جعفر (ع) قال : قلت ما طعامه ؟
قال : علمه الذي يأخذه عمن يأخذه(2)
وهذه إشارة مهمة إلى أن المطلوب من الإنسان التدقيق فيما يدخل عقله من علوم وافكار والتفكير فيها كي لا تؤدي به إلى الإنحراف فكما هو الحال في الغذاء الجسدي كذلك في الغذاء الروحي
عن أمير المؤمنين (ع) :" مالي أرى الناس إذا قُرّب إليهم الطعام ليلاً تكلفوا إنارة المصابيح ليبصروا ما يدخل بطونهم !! ولايهتمون بغذاء النفس بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم ! ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في إعتقاداتهم واعمالهم "(3)
إن لإعمال الفكر محورية اساسية في تحديد وجهة حياة الإنسان لهذا أكد عليها الإسلام عبر كتاب الله والأحاديث الشريفة فطريقة تفكير الإنسان ترسم شخصيته في غالب الأحيان فمن يفكر بالخير يعمل به ومن يفكر بالنجاح يسير في دروب النجاح ومن يفكر بالخوف يعيشه
عن أمير المؤمنين (ع):" الفكر في الخير يدعو إلى العمل به "(4)
لذلك إذا اردنا أن نبني شخصية إسلامية خيّرة وناجحة فعلينا أن نتحكم ونوجه تفكيرنا فحيثما نأخذ أفكارنا نكون فسلوك الإنسان ناتج عن المشاعر والمشاعر ناتجة عن نمط التفكير
قال الدكتور تشاد هيلميستر :" خلال فترة ال18 سنة الأولى من حياتنا يكون قد قيل لنا ما يقارب 148000 مرة كلمة لا أو لا نستطيع أو لا تؤدي ذلك وفي المقابل فإن عدد الرسائل الإيجابية ما يقارب 400 مرة فقط أي مقابل كل كلمة تشجيع هناك 370 كلمة تثبيط "
ووجد العلماء أن الذين ينظرون إلى المشاكل على أنها تهديد ترتفع في أدمغتهم مادة الكورتيزول وهي تثبط نشاط الأعصاب الدماغية في حين أن الذين ينظرون إلى المشاكل على أنها تحد ترتفع في أدمغتهم مادة الكاتيولامينات وهي تنشط عمل الأعصاب الدماغية اي أننا عندما ننظر إلى المشكلة أنها تهديد تضعف أنفسنا وعندما ننظر إليها على أنها تحدي تقوى أنفسنا (5)
عن أمير المؤمنين (ع):" دوام الفكر والحذر يؤمن الزلل وينجي من الغير "(6)
ولما كان كل شيء في حياة الإنسان محكوم بالصحة والخطأ فإن سلامة مسيرة الإنسان قائمة على إدراك الحق من الباطل ومثل هذا لا لا يتم إلا بالفكر الذي هو بمثابة ميزان الخطأ والصواب فعلينا توظيف هذا الجهاز البديع الذي هو نعمة إلهية كبرى من أجل السمو والإرتقاء بشخصيتنا فإعمال الفكر هو روح العبادة وجوهرها
عن النبي (ص) :" فكر ساعة خير من عبادة سنة "(7)
وأرقى انواع التفكر هو في خلق الله وأمره
عن الرضا (ع):" ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم إنما العبادة التفكر في أمر الله "(
قال الله تعالى
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَات لِّأُوْلِي الألْبَابِ{190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{191}(9)
مصادر الموضوع
1- عبس (24)
2- الشيخ الكليني /الكافي 1/49/8
3- الإرتقاء الروحي ص20
4- الريشهري /ميزان الحكمة /مادة الفكر ص538
5- الذكاء العاطفي ص52
6- الريشهري /ميزان الحكمة /مادة الفكر ص539
7-8- بحار الأنوار /ج68/ ص 326-322
9- آل عمران 190/191