الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين
قد ورد لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرتين أحداهما في هذه الآية المرتبطة بحديث الكساء الشريف والأخرى في قوله تعالى « قولوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت »
. ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد استعماله فيقال :
وهذه الموارد توقفنا على أن كلمة أهل تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية
بمن أضيف إليه ، فأهل الأمر والنهى هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر ،
وأهل الإنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الإسلام .
وقد اتفقت كلمة أهل اللغة على أن الأهل والآل كلمتان بمعنى واحد قال ابن
منظور : آل الرجل : أهله وآل الله وآل رسوله : أولياؤه ، أصلها أهل ثم بدلت
الهاء همزة فصارت في التقدير أأل فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية
ألفاً . كما قالوا : آدم وآخر ، وفي الفعل آمن وآزر . وقد انشأ عبد المطلب
عند هجوم أبرهة على مكة المكرمة وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال :
وانصر على آل الصليب
وعابديه اليوم آلك
وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة
خاصة بالمضاف إليه ، فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به ، وأهل المسجد
المترددون كثيراً إليه ، وأهل الغابة القاطنون فيها ... فإذا لاحظنا موارد
استعمال هذه الكلمة لا نترود في شمولها للزوجة والأولاد وبل غيرهم ممن
تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج ولأجل ذلك ترى
أنّه سبحانه يطلقه على زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية هذه هو حق الكلام في
تحديد مفهوم هذه الكلمة ولنأتي ببعض نصوص أئمة اللغة .
قال ابن منظور : أهل البيت سكانه وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت
أزواجه وبناته وصهره أعني علياً عليه السلام ، وقيل نساء النبي والرجال
الذين هم أهله (2) .
فلقد أحسن الرجل في تحديد المفهوم ، أولاً ، وتوضيح معناه في القرآن الكريم
كما أشار بقوله : قيل : إلى ضعف القول الآخر لأنه نسبه إلى القيل .
وقال ابن فارس ناقلاً عن الخليل ابن أحمد : أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج
وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به (3) .
وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة
خاصة بالمضاف إليه فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به فإذا لا حظنا موارد
استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد بل وغيرهم ممن
تربطهم رابطة خاصة البيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج .
اذن هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت
في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو
سبب أو غيرهما ، وهناك إشكال من بعض المفسرين الذين قالوا ان لفظ أهل البيت
يطلق فقط على الزوجة ويستعمل في الأولاد والأقارب تجوزاً أي يكون استعماله
حقيقة في الزوجة ومجازاً في الأولاد والأقارب وقد استدل هذا الذي أثار هذا
الإشكال على ذلك عن طريق إثباته ذلك من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة
ـ أهل البيت ـ في قصة إبراهيم بالبشرى حيث قال الله تعالى « وامرأته
قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق من وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا
عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب ، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة
الله وبركاته عليكم أهل البيت »
(4) . وفي قصة موسى عليه السلام أيضاً : « فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله إمكثوا اني آنست ناراً »
(5) . فالمستشكل
قال : إن الله استعمل هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيم عليه
السلام لا غير كما في الآية الأولى الخاصة بالبشرى واستعمل الأهل في زوجة
موسى عليه السلام وهي بنت شعيب ما في الآية ، إذن فالمستشكل قال إن الأهل
تطلق على الزوجة حقيقة ، وهذا مردود من عدة جهات :
أولاّ : تقدم على لسان أهل اللغة أن لفظة أهل تطلق على أخص الناس بالزوج وهم الأولاد .
ثانياً : ان كلامه غير صحيح من كون الأهل تطلق حقيقة
على الزوجة ومجازاً على الأولاد فنحن نقول له من أين استظهرت هذا ، فإذا
قلت من آية البشرى وآية موسى فإنه مردود لأنه الإطلاق هنا على كلمة الأهل
ليس دليلاً على الانحصار ـ أي انحصار اللفظة على الزوجة فقط ..
ثالثاً : إنّ الآية في قصة إبراهيم قالت عليكم أهل البيت ولم تقول الآية المباركة عليك تكون ظاهرة في زوجته فقط كلمة أهل .
أمّا السؤال المهم في هذا المقام هو هل أنّ مفهوم ولفظ أهل البيت يطلق على
الزوجة أو على الزوجة والأولاد ؟ وفيما نحن فيه هل هناك قرائن في آية
التطهير أو قبلها أو بعدها تصرف هذا اللفظ خاصة إلى أهل البيت الذين يقصد
بهم على وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، أم لا توجد قرائن ؟ والجواب
على ذلك : إن بعض من وقف مع هذه الآية المباركة ومدلولاتها قال ان المراد
من أهل البيت هم أزواجه ونسائه صلى الله عليه وآله وسلم والبعض الآخر قال
إنّ لفظ أهل البيت خاصة يطلق على بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم و صهره
وولداهما الحسن والحسين عليهم السلام .
والحق مع من ذهب إلى القول الثاني ـ على وفاطمة والحسن والحسين ـ بدلالة
عدة شواهد وقرائن حفت بالآية المباركة سواء كانت قرائن حالية أو مقامية
وإليك هذه القرائن .
1 ـ القرينة الأولى اللام في أهل البيت للعهد وبيان ذلك : إنّ اللام قد يراد منها الجنس المدخول عليه مثل قوله تعالى « إن الإنسان لفي خسر » ، وقد يراد من اللام الاستغراق مثل قوله تعالى « يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم »
وقد يراد منها باعتبار معهودية مدخولها بين المتكلم والمخاطب ، أمّا الأول
والثاني من الأقوال لا يمكن أن نحمل اللام عليهما أما القول الثالث فهو
الحق لأنّ الله تعالى إنما يريد إذهاب الرجس عن أهل بيت معهودين بين
المتكلم والمخاطب ، وفمن هم هؤلاء أهل البيت ؟!!
2 ـ القرينة الثانية على أن المراد من أهل البيت هم
علي وفاطمة والحسن والحسين هو تذكير الضمائر في الآية خلاف الضمائر الأخرى
التي وردة في الآية المباركة حيث جاءت مؤنثة مثل وقلن ، اتقيتن . فلا تخضعن
... الخ .
3 ـ القرينة الثالثة : ـ هي ان الإرادة وكما أثبتتها
الكتب الكلامية هي الإرادة التكوينية .. إنما يريد الله ـ لا التشريعية
فلا يصح حمل مفهوم أهل البيت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم
يدع أحد من المسلمين كونهن معصومات من الذنب مطهرات من الزلل فلا مناص من
تطبيقه على جماعة خاصة من المنتمين إلى البيت النبوي الذين تحقق فيهم
تعلقهم بالأسباب والمقتضيات التي تنتهي بصاحبها إلى العصمة ولا ينطبق هذا
إلا على الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
وأضف إلى ذلك إلى أن المراد من أهل البيت عليهم السلام هم أصحاب الكساء
الخمسة هو وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر على باب فاطمة
ويناديهم بقوله تعالى ـ « إنما يريد الله ... »
ليوقظهم للصلاة وليؤكد على حرمة أهل هذا البيت عليهم السلام ، وكذلك نزول
آية التطهير في بيت فاطمة عليها السلام حيث قالت دخل علي أبي وفيه دلالة
على أن حديث الكساء كان في بيت فاطمة عليها السلام خلاف ما يدعيه البعض أن
حديث الكساء كان في بيت أم سلمة وكما سيأتينا هذا البحث .
إذن كان للنبي العناية الوافرة بتعريف أهل البيت لم يرّ مثلها إلا في أقل
الموارد حيث قام بتعريفهم بطرق مختلفة كما كان المحدثين والمفسرين وأهل
السيّر والتأريخ لهم العناية الكاملة بتعريف أهل البيت عليهم السلام في
مواضع مختلفة وحسب المناسبات التي تقتضي طرح هذه المسألة وكذلك الشعراء
المخلصين الإسلاميين الذين كان لهم العناية البارزة ببيان فضائل أهل البيت
وتعريفهم للناس والتصريح بأسمائهم على وجه يظهر من الجميع اتفاقهم على نزول
الآية في حق العترة الطاهرة .
أما الروايات الواردة في بيان من هم أهل البيت عليهم السلام فنروي لك
شاهدين الشاهد الأول : ما روي عن أم سلمة إنها قالت : ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان في بيتي فاستدعى علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم
السلام ؛ وجللهم بعباءةٍ خيبرية ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم
الرجس وطهرهم تطهيراً فقالت أم سلمة : قلت يا رسول الله أنا من أهل بيتك ؟
قال لا : ولكنك إلى خير (6) .
أما الشاهد الثاني : ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في احتجاجه على أبي بكر حيث قال له أخبرني عن وقول الله عزّ وجلّ « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »
أفينا نزلت أو في غيرنا نزلت ؟ قال : فيكم : فأخبرني لو أنّ شاهدين من
المسلمين شهداً على فاطمة عليها السلام بفاحشة ما كنت صانعاً ؟ قال :
كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين !! قال الإمام عليه السلام
كنت إذن عند الله من الكافرين قال : ولم ؟ قال : لأنك رددت شهادتها وقبلت
شهادة غيرها كنت عند الله من الكافرين قال : فبكى الناس وتفرقوا ودمدموا (7) .
وعلى هذا يكون الشاهدين فيهما دلالة على أن فاطمة كانت من أهل بيت العصمة
فهي معصومة من الزلل والخطأ والعصمة هنا لها هي العصمة الذاتية وليس
الفعلية ، ومما يؤكد العصمة فيها كذلك الأقوال والأحاديث الواردة من خلال
استقراء كتب الحديث حيث روت لنا هذه الكتب إن الرسول كان دائماً يقول :
فاطمة بضعة مني يغضبني من أغضبها ويسرني من أسرها وإن الله ليغضب لغضبها
ويرض لرضاها .
فان هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جلّ شأنه وغضبه بغضبها حتى
إنها لو غضبت أو رضيت على أمر مباح لابد أن تكون له جهة شرعية تدخله في
الراجحات لم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية وهذا مثل
العصمة الثابتة لها عليها السلام (
وقد قال الشيخ المفيد طاب ثراه (9)
في إثبات الحكم بكون فاطمة معصومة من الزلل والخطأ ما نصه : قد ثبت عصمة
فاطمة عليها السلام بإجماع الأمة على ذلك فتياً مطلقة ، وإجماعهم على إنّه
لو شهد شهود بما يوجب إقامة الحد من الفعل المنافي للعصمة ، لكان الشهود
مبطلين في شهادتهم ، ووجب على الأمة تكذيبهم وعلى السلطان عقوبتهم ، فإنّ
الله تعالى قد دل على ذلك بقوله : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً » .
ولا خلاف بين نقلة الآثار إن فاطمة عليها السلام كانت من أهل هذه الآية ،
وقد بيّنا فيما سلف إنّ ذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب
عصمتهم ولإجماع الأمة أيضا على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل » . فلولا
أنّ فاطمة عليها السلام كانت معصومة من الخطأ ، مبرأة من الزلل ، لجاز
منها وقوع ما يجب آذاها بالأدب والعقوبة ولو وجب ذلك لوجب آذاها ولو جاز
وجوب آذاها لجاز آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والأذى لله عز
وجل فلمّا بطل ذلك دلّ على أنها عليها السلام كانت معصومة حسب ما ذكرناه ،
وإذا ثبت عصمة فاطمة عليها السلام وجب القطع بقولها ، واستغنت عن الشهود في
دعواها ـ في قضية فدك ـ لأن المدعي إنمّا افتقر للشهود لارتفاع العصمة عنه
وجواز ادعائه الباطل فيستظهر بالشهود وعلى قوله لئلا يطمع كثير من الناس
في أموال غيرهم ، وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن
الشهادة وجب القطع على قول فاطمة عليها السلام وعلى ظلم ما نعها فدكاً
ومطالبتها بالبينة عليها .
ويكشف عن صحة ما ذكرناه أن الشاهدين إنما يقبل قولهما على الظاهر مع جواز
الهوامش
(1) هود : آية 73 .
(2) لسان العرب : 11 | 29 « أهل » .
(3) معجم مقاييس اللغة : 1 | 150 .
(4) هود : آية 73 .
(5) القصص : آية 30 .
(6) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي : 8 | 339 .
(7) علل الشرائع : 191 باب 151 .
(
وفاة الصديقة الزهراء : 55 للمقرم .
(9) الفصول المختارة من العيون المحاسن : 8