بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
من أين يأتي الخطر ؟
ولكن لماذا يصبح احتمال الانحراف وارداً في حياة الانسان المؤمن ؟
يبدو ان هناك اسباباً عدة وراء ذلك وخاصة بالنسبة لنا كمؤمنين نعيش في هذا العصر :
فأولاً : رواسب التربية والبيئة.
فآباؤنا وعوائلنا وبيئتنا التي نشأنا فيها لمن تكن في المستوى المطلوب من الوعي والالتزام بالقيم الاسلامية الصحيحة ... ان اغلب العوائل في مجتعنا لا تعرف شيئاً عن اساليب التريبة السلمية ولا عن مناهج الاسلام في التربية وتوجيه الاولاد ... وان الثقافة التي يحملها اهالينا والتي يغرسونها في اذهاننا ليست نقية وصافية انها مشوية بالاوهام والخرافات والتزييف ...
وان الاخلاق وطريقة التعامل التي ننشأ في ظلها ليست وفق ما يريد الاسلام مائة في المائة بل هي مليئة بالاخطاء والانحرافات ...
وحينما يتربى الانسان في مثل هذه الاوضاع والظروف فانه حتى وان توفق لاصلاح نفسه واهتدى الى الصراط المستقيم في حياته فان رواسب تلك التربية والبيئة قد يبقى بعضها في نفسه ليقذف به مهاوي الانحراف والضلال ...
ثانياً : تأثير الأجواء الفاسدة.
تعالوا لننظر في اية اجواء نحن نعيش ؟ ومن اي هواء نتنفس ؟ اننا نعيش اجواء يسيطر عليها الطاغوت سيطرة تامة كاملة ... فالحكومات التي تحكمنا ونخضع لها حكومات ظالمة طاغية ... والمدارس التي نتخرج منها مناهجنا فاسدة ... وخاطئة ...
والاعلام الذي نستمعه ونراه من خلال الصحف والمجلات ومحطات الراديو والتلفزيون اعلام مضلل.
والثقافة المتوفرة ثقافة قشرية ومنحرفة ...
والقيم السائدة قيم جاهلية ومصلحية ...
والمجتمع الذي نعيش ضمنه مجتمع متخلف ...
ان هذا الفساد الذي يغطي اجواءنا ويلف حياتنا قد يترك بعض اثاره على افكارنا وممارساتنا شعرنا بذلك او لم نشعر ...
ثالثاً : ضغوط الالتزام.
ففي هذا العصر المادي وفي مثل هذه الاجواء الفاسدة التي نعيش ، يصبح الالتزام بالمبادئ والقيم مصدر مصاعب ومتاعب وضغوط قاسية في حياة الانسان المؤمن ...
وقد صدق رسولنا العظيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو الصادق الامين حينما قال : « يأتي على الناس زمان يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ».
هذه الضغوط التي يعانيها الانسان المؤمن من قبل سلطات الطاغوت او قطاعات المجتمع المتخلف وحتى قبل اهله وعائلته ... ولتحديه الاجواء
الفاسدة ومواجهته للواقع السيء ... كل تلك الضغوط تسبب له مضايقة نفسية قد تؤدي الى بعض التراجع والانهزام او سوء الخلق وتعقد النفس ...
رابعاً وأخيراً : دور الشيطان.
ان وجود المؤمن في هذا العصر يشكل تحدياً صارخاً وكبيراً للشيطان فكيف اذا ما كان ذلك المؤمن رسالياً يعمل على هداية الاخرين ، ونسف خطط الشيطان ، وتخريب الاجواء عليه ؟
ان المؤمن الرسالي هو اخطر جبهة يعمل الشيطان على مقاومتها ويوجه جهوده نحوها واقل غفلة تمر على المؤمن الرسالي فان الشيطان مستعد لاغتنامها حيث بالتسرب داخل حياته ولو من ثغرة بسيطة ، وعبر ذنب صغير.
لذا جاء في الحديث الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « والذي نفس محمد بيده العالم واحد اشد على ابليس من الف عابد ، لان العابد لنفسه والعالم لغيره » (1).
والسبب واضح فألف عابد ليست لهم فطنة وفقه في دينهم لا يجد الشيطان عناءاً كبيراً في اضلالهم والانحراف بهم ومن ناحية اخرى فهم يشكلون خطراً محدوداً لا يتعدى انفسهم لان امتدادهم وتأثيرهم على الاخرين ليس وارداً .. أما مؤمن يفقه دينه ويعيه بمختلف ابعاده فان اضلاله مهمة شاقة وصعبة على الشيطان هذا أولاً وثانياً فانه جبهة قابلة للتوسع والامتداد بواسطة تأثيره واستقطابه للآخرين ...
1 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 461.
من هنا يصب الشيطان كل جهوده واهتمامه على هذه الجبهة الخطيرة وهي : المؤمن الرسالي ...
وقد جاءت النصوص الدينية عن انبياء الله وائمة الهدى تحذرنا من الغفلة وتؤكد علينا ضرورة استمرار التنبه واليقظة ...
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
« ومن غفل غرته الاماني واخذته الحسرة » (1).
وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« ان كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ؟ » (2).
احذروا مؤامرات الشيطان
وثمة ملاحظة اخرى مهمة جداً في هذا المجال :
حينما يعمل الشيطان على اضلال المؤمن والانحراف به على جادة الصراط المستقيم فانه قد لا يأتيه من قبل الذنوب الواضحة والمعاصي المكشوفة فيحاول مثلاً ان يقنعه بشرب الخمر او باللواط او ترك الصلاة ... انها حينئذ محاولة مفضوحة ومحكوم عليها بالفشل بالنسبة لمؤمن ملتزم ...
فلا بد من اختيار الخطة المناسبة التي يمكن ان تنطلي على المؤمن في لحظة غفلة او سهو يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصيته لكميل بن زياد « ان لهم ـ الشياطين ـ خدعاً وشقاشق وزخارف ووساوس وخيلاء. على كل احد قدر منزلته في الطاعة والمعصية فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة » (3).
فعن اي طريق اذن يجيء الشيطان ؟؟
1 و 2 ـ سفينة البحار : ج 2 ص 323.
3 ـ بصائر وهدى للمؤلف : ص 62.
انه يأتي للانسان المؤمن عن طريق دينه ، فيحيك له مؤامرة يضفي عليها طابع الدين ، وينصب له فخاً عليه مظاهر الطاعة والعبادة وحينما يغيب عن المؤمن وعيه وانتباهه وتيقظه في احدى اللحظات فانه يقع في فخ الشيطان ويتورط في مصيدته !!
وهذا هو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) ويقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « فلو ان الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين ولو ان الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السن المعاندين ، ولكي يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فنهالك يستولي الشيطان على اوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى » (1).
ومن هذا القبيل ما يصنعه الشيطان في نفوس بعض المؤمنين من تضخيم بعض قضايا الدين على حساب سائر القضايا الدينية.
يقول الامام زين العابدين علي ابن الحسين ( عليه السلام ) في دعائه : « فلولا ان الشيطان يختدعهم من طاعتك ما عصاك عاص ، ولولا انه صور لهم الباطل في مثال الحق ما ضل عن طريقك ضال » (2).
فباسم العبادة والاقبال على الصلاة الدعاء يهمل الجهاد في سبيل الله. وتحت عنوان لزوم « التقية » ووجوبها يعيش المؤمن الخضوع والاستسلام للطغيان والباطل ...
وبحجة اتباع وتقليد احد الفقهاء والمجتهدين يترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على مقاومة الظلم والفساد ...
وبمبرر التفرغ لا صلاح الذات وبنائها يكون التهرب من النشاط والعمل
1 ـ نهج البلاغة رقم : 50.
2 ـ الصحيفة السجادية دعاء : 37.
في سبيل الله ...
ان امثال هذه الموارد غالباً ما تكون مصائد واحابيل للشيطان تنطلي على بعض المؤمنين في لحظات الغفلة وعدم الانتباه.
وعلينا ان نتذكر احداث التاريخ لنستفيد منها دروساً تجعلنا قادرين على فضح مؤامرات الشيطان ... فالذين اعتزلوا القتال مع أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) ضد معاوية كانت له امثال هذه التبريرات ... حيث قالوا : انها فتنة وتورط في سفك دماء المسلمين لا نلطخ ايدينا بها ...
والذين قعدوا عن نصرة الامام الحسين وسكتوا على حكم يزيد كانوا يقولون : مالنا والدخول بين السلاطين او من لا تقية له لا دين له.