إطلالة على وصية الإمام الخميني(قده) لولده السيد أحمد(رح)
بقلم: الشيخ خضر ديب
هذه الوصية وإن كانت موجهة للسيد أحمد بشكلٍ مباشر، ولكن لا شك أنها تصلح لكل إنسان يحاول الارتقاء بنفسه وتهذيبها، وهي على غرار وصية الإمام علي(ع) لولده الإمام الحسن(ع) فيها مفاهيم تصلح لكل زمان ومكان وإنسان.
وخصوصية هذه الوصية أنها صدرت من إنسان قرن القول بالفعل، وكان مصداقاً حقيقياً للتقوى، والزهد، وحسن السيرة، علماً أن الدنيا فتحت له (قده) كل أبوابها.
العناوين الأساسية في الوصية
تهذيب النفس في مرحلة الشباب
يركّز الإمام الخميني (قده) على تهذيب النفس، وخاصة في مرحلة الشباب؛ لأنها هي الفترة التي يمكن فيها ذلك، أما مرحلة الشيخوخة فتصعب فيها هذه المهمة، يقول الإمام(قده): «إلى ابن يتمتع بنعمة الشباب متاحة أمامه فرصة لتهذيب النفس، وللقيام بخدمة خلقه(1)... أتحدث أليك الآن وأنت ما زلت شاباً، عليك أن تنتبه إلى أن التوبة أسهل على الشبان، كما أن إصلاح النفس وتربيتها يتم بسرعة أكبر عندهم، في حين (أنَّ) الأهواء النفسانية، والسعي للجاه، وحب المال، والغرور أكثر وأشد بكثير لدى الشيوخ منه لدى الشبان. أرواح الشبان رقيقة شفافة سهلة القيادة».
ميزان السير والسلوك
يوضح الإمام(قده) ضابطة العرفان الحقيقية، خلافاً لكثير من المتصوفة الذين ينعزلون عن الحياة العامة، فكان عرفان الإمام (قده) عرفان ثورة على الباطل، وإقامة النظام الإسلامي، وتحرير الملايين من نير الظلم. أما العارف الذي يخلي الساحة فيعتبره الإمام أنانياً، يريد أن ينجو بنفسه، بينما العارف الحقيقي يريد أن يخلّص الناس.
ويؤكد الإمام على أن السير والسلوك لا يتنافى مع كون الإنسان يحمل مسؤوليات سياسية، واجتماعية، بل العبرة تكون في النية من وراء العمل، وكيفية استخدام هذه السلطة.
يقول الإمام(قده): «الميزان في أول السير هو القيام لله، إن في الأعمال الشخصية، والفردية، أو في النشاطات الاجتماعية». من هنا يرى الإمام أن «لا الاعتزال الصوفي دليل الارتباط بالحق، ولا الدخول في المجتمع وتشكيل الحكومة شاهد الانفصال عن الحق، الميزان في الأعمال هو دوافعه».
العثور على النفس
يقول الإمام: «بني: اسع للعثور على نفسك المعجونة بفطرة الله... ولكن لا يمكن للإنسان العثور على نفسه إذا نسي الله».
ما هي وسائل العثور على النفس؟ يحددها الإمام بالتالي:
1 التمسك بالقرآن الكريم (2): يقول الإمام: «بني تعرف إلى القرآن كتاب المعرفة العظيم، ولو بمجرد قراءته وشق منه طريقاً إلى المحبوب...».
2 التمسك بالأدعية المأثورة عن الأئمة(ع): يقول الإمام: «بني: إن الأدعية والمناجاة التي وصلتنا عن الأئمة المعصومين(ع) هي أعظم أدلة إلى معرفة الله جل وعلا، وأسمى مفاتيح العبودية، وأرفع رابطة بين الحق والخلق... فضلاً عن أنها تمثل نموذجاً لحال أصحاب القلوب، وأرباب السلوك».
3 خدمة الناس: يقول الإمام: «ولدي... ما دمنا عاجزين عن شكره وشكر نعمائه التي لا نهاية لها، فما أفضل لنا من أن لا نغفل عن خدمة عباده، فخدمتهم خدمة للحق تعالى، فالجميع منه». ولكن هذه الخدمة كي توصل إلى الله يجب «علينا أن لا نرى أنفسنا أبداً دائنين لخلق الله عندما نخدمهم، بل هم الذين يمنون علينا حقاً، لكونهم وسيلة لخدمة الله جل وعل».
4 اختيار الصحبة الطيبة المؤمنة: يقول الإمام: «... من الأمور التي أود أن أوصيك بها وأنا على عتبة الموت أصعّد الأنفاس الأخيرة أن تحرص ما دمت متمتعاً بنعمة الشباب على دقة اختيار من تعاشر وتصاحب؛ ليكن انتخابك للأصحاب من بين أولئك الصالحين، والمتدينين، والمهتمين بالأمور المعنوية، ممن لا تغرهم زخارف الدنيا ولا يتعلقون بها، ولا يسعون في جمع المال، وتحقيق الآمال أكثر مما هو متعارف، أو أكثر من حد الكفاية، ومن لا تلوث الذنوب مجالسهم، ومحافلهم... فإن تأثير المعاشرة على الطرفين من إصلاح وإفساد أمر لا شك في وقوعه».
هذا كله في الوسائل الإيجابية، وأما الوسائل السلبية (ما ينبغي تركه) فيحدده الإمام (قده):
1 عدم طلب الشهرة والجاه: يقول الإمام: «فاسمع يا ولدي العزيز الذي أسأل الله أن يجعل قلبك مطمئناً بذكره لنصيحة أبٍ قلقٍ محتار، ولا تتعب نفسك بالانتقال بطرق هذا الباب أو ذاك الباب، للوصول إلى المنصب، أو الشهرة التي تشتهيها النفس، فأنت مهما بلغت من مقام فإنك سوف تتألم وتشتد حسرتك وعذاب روحك لعدم بلوغك ما فوق ذلك... ولا تسع أبداً أثر طلب تحصيل الدنيا حتى الحلال منها؛ فإن حب الدنيا حتى حلالها رأس جميع الخطايا؛ لأنها حجاب كبير، وتشد الإنسان مرغماً إلى الدنيا الحرام».
2 الابتعاد عن مجالس السوء: يقول الإمام: «واسع أن تتجنب المجالس التي توقع الإنسان في الغفلة عن ذكر الله، فإن ارتياد مثل هذه المجالس قد يؤدي إلى سلب التوفيق، الذي يعد بحد ذاته خسارة لا يمكن جبرانه».
3 عدم إنكار مقامات أهل المعرفة: يقول الإمام: «ولدي ما أوصيك به بالدرجة الأولى هو أن لا تنكر مقامات أهل المعرفة، فالإنكار سنة الجهَّال، وأتقِ معاشرة منكري مقامات الأولياء فهم قطَّاع طريق الله تعالى». وهنا يحذر الإمام من المدَّعين «أنا لا أريد أن أطهِّر المدَّعين، فكثيراً ما تكون الخرقة (3) مستوجبة للنار».
4 عدم الاهتمام بجمع الكتب، بل الأهم هو العمل: يقول الإمام: «الليلة الماضية سألتِ عن أسماء الكتب العرفانية، ابنتي(4) اهتمي برفع الحجب لا جمع الكتب، إذا نقلت الكتب العرفانية والفلسفية من السوق إلى المنزل... أو جعلت نفسك مخزناً للألفاظ والاصطلاحات... وأصبحت زينة المجالس وتبعك لا سمح الله غرور العلم والعرفان ... فهل بهذه المحمولات الكثيرة زدت الحجب أم خففتها؟ . أورد الله عز وجل لإيقاظ العلماء الآية الشريفة (مثل الذين حملوا التوراة) ليعلموا أن اختزان العلوم حتى إذا كان علم الشرائع والتوحيد لا يخفف الحجب، بل يزيده».
المصلح في المجتمع
يؤكد الإمام(قده) على أن المصلح والعامل في سبيل الله هو عرضة للكثير من الافتراءات والاتهامات وعلى الإنسان أن لا يلتفت إليها ولا تحزنه لأن المهم عنده هو اللَّه، يقول: «ولعل الباحثين عن عيوبنا والمروجين للشائعات ضدنا، مفيدون لعلاج معايبنا النفسية، وهو كذلك، كالعملية الجراحية المؤلمة المفيدة للمريض. إذا توصل قلبك إلى ما ذكر، لن تتألم من المنغصات، واختلاق الأكاذيب، وستحصل على اطمئنان القلب». ويطرح الإمام بالمقابل موضوع المدح والثناء، وأنه يؤذي الإنسان، يقول: «ما أحسن أن تلقن نفسك وتقنعها حقيقة واحدة وهي: إن مدح المداحين، وإطراء المطرين غالباً ما يهلك الإنسان ويجعله بعيداً عن التهذيب وأشد بعد».
________________________________________
(1) نلاحظ هنا أن الإمام (قده) قرن بين تهذيب النفس وخدمة الناس، وهذه ميزة أساسية في عرفان الإمام عن غيره، حيث كان العرفان عندهم هو الانقطاع عن خلق الله، وهذا يعتبره الإمام مخالفاً للاستخلاف الإلهي.
(2) يوصي الإمام بالاهتمام بسورة الحشر، وخاصة الآية (ولتنظر نفسُ ماذا قدمت لغد).
(3) إشارة إلى ما يلبسه المتصوف والعارف تدليلاً على أنه من الزهاد.
(4) يشير للسيدة فاطمة، زوجة السيد أحمد
عن موقع:
http://www.baqiatollah.net