لقاء العلامة بحر العلوم به(ع) في مكة
بهذا السند عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكة قال : كان رحمه الله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل والاخوة ، قوي القلب في البذل والعطاء ، غير مكترث بكثرة المصارف ، فاتفق في بعض الأيام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرفته الحال ، وكثرة المؤنة ، وانعدام المال ، فلم يقل شيئا وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار ، فيجلس في القبة المختصة به ، ونأتي إليه بغليان فيشربه ، ثم يخرج إلى قبة أخرى تجتمع فيها تلامذته ، من كل المذاهب فيدرس لكل على مذهبه .
فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفود النفقة ، وأحضرت الغليان على العادة ، فإذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب ، وقال لي : خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان ، وقام مسرعا خارجا عن الوقار والسكينة والآداب ، ففتح الباب ودخل شخص جليل في هيئة الاعراب ، وجلس في تلك القبة
وقعد السيد عند بابها ، في نهاية الذلة والمسكنة ، واشار إلي أن لا أقرب إليه الغليان .
فقعدا ساعة يتحدثان ، ثم قام فقام السيد مسرعا وفتح الباب ، وقبل يده وأركبه على جمله الذي أناخه عنده ، ومضى لشأنه ، ورجع السيد متغير اللون وناولني براة ، وقال : هذه حوالة على رجل صراف ، قاعد في جبل الصفا واذهب إليه وخذ منه ما أحيل عليه .
قال : فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف ، فلما نظر إليها قبلها وقال : علي بالحماميل فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له : ريال فرانسه ، يزيد كل واحد على خمسة قرانات العجم وما كانوا يقدرون على حمله ، فحملوها على أكتافهم ، وأتينا بها إلى الدار .
ولما كان في بعض الأيام ، ذهبت إلى الصراف لأسأل منه حاله ، وممن كانت تلك الحوالة فلم أر صرافا ولا دكانا فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف ، فقال : ماعهدنا في هذا المكان صرافا أبدا وإنما يقعد فيه فلان فعرفت أنه من أسرار الملك المنان ، وألطاف ولي الرحمان .
وحدثني بهذه الحكاية الشيخ العالم الفقيه النحرير المحقق الوجيه ، صاحب التصانيف الرائقة ، والمناقب الفائقة، الشيخ محمد حسين الكاظمي المجاور بالغري أطال الله بقاه ، عمن حدثه من الثقات عن الشخص المذكور1.