من أبرز صفات الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) التي عرف بها صفة الحلم، حيث اشتهر عنه أنه (حليم أهل البيت)، روى المدائني عن جويرية بن أسماء قال: لما مات الحسن أخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسين: تحمل اليوم جنازته وكنت بالأمس تجرعّه الغيظ؟ قال مروان: نعم كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال(1).
وهذه الصفة في الحقيقة هي منهج للتعامل الاجتماعي، عمل الإمام على إرسائه في حياته، وعلى أتباعه ومحبيه أن يقتدوا به في هذا المنهج.
إننا يجب أن نقرأ حلم الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) كمنهج في التسامح الاجتماعي، ونعمل على تأهيل المجتمع بهذه الصفة.
ولابد لنا أن نشير إلى أن أهل البيت (عليهم السلام) كلهم يتصفون بالحلم، إلا أن الظروف التي عاشها الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) اقتضت وساعدت على بروز هذه الصفة في شخصيته بشكل أجلى وأوضح، فالإمام كان يواجه تشنجات واستفزازات من جهتين:
الجهة الأولى: خارجية، وتتمثل في معاوية بن أبي سفيان، وجبهة الشام، حيث سعى بكل جهده وقوته، وإمكانيات سلطته وحكمه، إلى أن يشوّه سمعة الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي)، لعزله شعبياً، فعمل على إثارة الدعايات والإشاعات الكاذبة والمغرضة على الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي)، وعلى أبيه أمير المؤمنين، واستطاع نتيجةً لذلك أن يوجد تياراً في الشام يكره أهل البيت (عليهم السلام)، حتى لقد صدق بعضهم أن علي بن أبي طالب (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) لم يكن يصلي!!
ولقد كان معاوية يتعمد كثيراً أن يُسمع الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) وفي حضوره بعض الاستفزازات، وكان بعض أتباعه والمقربين منه كمروان بن الحكم، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، يقومون بمثل هذا الدور.
الجهة الثانية: داخلية، حيث إن قرار الإمام بالصلح مع معاوية، والذي فرضته عليه الظروف، ورعاية مصلحة الأمة، أثار مشاعر بعض المحيطين بالإمام، ونظروا إلى الصلح على أنه موقف ذل وخنوع واستسلام، فراحوا يوجهّون لومهم العنيف، وعتابهم الشديد، وبعبارات مسيئة وغير لائقة.
فهذا حجر بن عدي الصحابي الجليل يخاطبه قائلاً: (أما واللَّه لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك). وعدي بن حاتم يقول: (أخرجتنا من العدل إلى الجور). وبشير الهمداني وسليمان بن صرد الخزاعي يدخل كل منهما عليه هاتفاً: (السلام عليك يا مذل المؤمنين). وخاطبه بعض أصحابه قائلاً: (يابن رسول اللَّه أذللت رقابنا بتسليمك الأمر إلى هذا الطاغية)(2).
وجاء في (الإصابة): (كان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار أمير المؤمنين. فيقول: العار خير من النار)(3).
ومثل هذه الكلمات لا شك أنها تستفز الإنسان، وتؤجج غيضه، لكن الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) واجهها بحلم وأناة بالغين، واستطاع بذلك امتصاص الآثار والنتائج السلبية، التي يمكن أن تتمخض عنها… لقد كانت جبهة الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) بحاجة إلى التماسك والتلاحم، فهناك شروط على معاوية أن ينفذّها، لكنه إذا رأى جبهة الإمام متشتتة مختلفة، ومكانة الإمام مهزوزة في وسط جماعته، فإن ذلك سيشجعه أكثر على تجاهل تلك الاتفاقات، وهو لم يكن في الأساس عازماً على الوفاء بها.
الحلم لغة واصطلاحاً:
مصدر حَلُمَ فلان أي صار حليماً، قال ابن فارس الحِلم: خلاف الطيش، وقال الجوهري الحِلم الأناة، ويقال: حَلَمَ الرجل في منامه يحَلُمُ حُلْماً، إذا رأى رؤيا، وحَلُمَ يَحلُمُ حِلماً تأنى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوة.
واصطلاحاً: هو ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب كما يقول الراغب(4).
قيل للإمام الحسن (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي): ما الحلم؟ قال: (كظم الغيظ وملك النفس)(5)، أي أن يسيطر الإنسان على نفسه، حينما يواجهه الآخر بتصرف مستفز، ذلك أن غريزة الغضب تتحرك عنده، لتحميه من الاستفزاز الموجه إليه.
ولكن الحليم هو من يتحكم في توجيه هذه الغريزة، ولا يستخدمها إلا في ظرفها المناسب، لأن إتاحة الفرصة لهذه الغريزة أن تنفجر على شكل تصرف غاضب، قد يضر الإنسان بدلاً من أن يفيده.
وكم من مظلوم تصرف تصرفاً طائشاً، وتحول بسبب ذلك التصرف إلى ظالم مدان، فأعطى الفرصة لعدوه، يقول الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي): (الغضب شر إن أطلقته دمر)(6).
إن الغضب في الحقيقة هو نتيجة استثارة خارجية، يستقبلها الإنسان، فتحفزّه على اتخاذ رد فعل غاضب.
وللتحكم في هذه الغريزة، ولتوجيهها التوجيه المناسب، تنصح التوجيهات الإسلامية بذكر اللَّه تعالى، ففي الحديث القدسي (يا بن آدم اذكرني حين تغضب)(7)، وقال (صلى الله عليه وآله): (يا علي لا تغضب، فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد، وحلمه عنهم، وإذا قيل لك اتق اللَّه، فانبذ غضبك، وراجع حلمك)(
.
وليس أروع من أن يداوي الإنسان ثورة غضبه، بلجوئه إلى العبادة، فصلاة ركعتين قربة إلى اللَّه تعالى بإخلاص وخشوع لاشك أنها ستنقل الإنسان إلى الاتصال بعالم الكمال والروحانية، حيث يستلهم الإنسان من خالقه فيوضات رحمته، وألطاف كرامته.
كما تنصح بعض الروايات بالانتقال من حال إلى حالة أخرى عند الغضب. عن أبي ذر أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)(9).
والهدف من ذلك، هو تفريغ شحنات الغضب في حركة لا ضرر فيها. وفي حديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه ينصح بالوضوء قال (صلى الله عليه وآله): (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء،فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)(10).
أضرار حالة الانفعال والتشنج:
تسود البعض من الناس حالة من التشنج والانفعال السريع، لأتفه الأسباب،كما يفسح المجال لفورة غضبه أن تأخذ مداها العنيف، وهذه الحالة سيئة ومضرة، وأهم نتائجها السيئة أمران:
أولاً: الأضرار الصحية، حيث تشير التقارير الطبية، إلى أن الغضب والانفعال، يعتبر سبباً لأمراض السكري، وضغط الدم، وأمراض القلب، ولهذا فإن أهم ما يوصي به الأطباء هؤلاء المرضى، هو السيطرة على النفس، وعدم الانفعال.
ثانياً: إضعاف حالة التماسك الاجتماعي، حيث ينشغل أفراد المجتمع بمشاكلهم الجزئية والثانوية، التي تذكيها حالة التشنج، وفي غمرة كل ذلك تتلاشى الأهداف والطموحات الكبيرة، التي كان ينبغي أن ينشغل الكل بها، فيتأخر تحقيق المجتمع للأهداف والمصالح العامة، بسبب الانشغال بالخلافات الهامشية.
الحلم منهج اجتماعي:
تارة يكون الحديث عن الحلم باعتباره صفة فردية حميدة، وتارة يبحث الحلم كحالة اجتماعية عامة، بين آحاد أفراد المجتمع، وبين التكتلات والتجمعات فيه.
إذ من الواضح أن في كل مجتمع تقسيمات اجتماعية متفاوتة، مناطقية وسكنية، أو عشائرية وقبلية، أو فكرية ومذهبية، أو انتماءات سياسية، وما أشبه.
والسؤال كيف يجب أن تكون العلاقة بين كل مجموعة وأخرى؟
إن شيوع حالة التشنج والغضب يؤثر على علاقة هذه الانتماءات، فتقاطع كل فئة الأخرى، أو توجه بعضاً من جهودها للمناوأة و التخريب على الجهة الأخرى.
أما إذا ساد الحلم، وشاع التسامح بين التجمعات والتوجهات، تحول الحلم حينئذ إلى منهج اجتماعي عام، وآتى ثماره في تحقيق وحدة المجتمع وانسجامه، وتوجه جهوده وطاقاته نحو الأهداف الكبيرة، والتحديات الخطيرة.
ومن الملاحظ أن الخلافات والصراعات بين الجماعات، عادة تحدث بسبب تصرفات فردية متشنجة، لدى هذا الطرف أو ذاك، فيتعامل معها الطرف الآخر بنظره تعميمية، ويتخذ رد فعل على أساسها.
كيف نتعامل مع التشنجات الفئوية؟
أولاً: عدم تعميم الإساءة، ومحاسبة كامل الجماعة عليها.
ثانياً: بث روح التسامح والإغضاء عن الإساءات التي قد تصدر من هذه ضد تلك وبالعكس، حيث ينبغي أن يتصف أفراد وقادة الجماعات بالحلم، لأن تلك الإساءة قد تكون نتيجة لسوء فهم أو التباس، أو لأن جهة ما تريد أن تخلق مشكلة بين الطرفين.
ثالثاً: عدم رفع وتيرة الاختلاف الفكري والثقافي إلى مستوى الخلاف والنزاع. ونشر ثقافة التعددية والقبول بالرأي الآخر.
إن تضخيم الخلاف حول بعض القضايا الجانبية، كثبوت هلال شهر رمضان أو العيد، أو اختيار مرجع تقليد، أو تبني هذه الفكرة أو تلك، واعتبار مثل هذه القضايا الجزئية حدوداً فاصلة بين الإيمان والكفر، والعدالة والفسق، أمر خاطئ ناشئ من الجهل أو سوء الخلق.
نهج الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي:
لقد كان الحلم منهجاً سلوكياً، ومعلماً بارزاً، في حياة الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي)، وكان يتعامل به في مقابل الاستفزازات الفردية العادية، ومع ذوي التوجهات المخالفة له، والمختلفة معه، وكشاهد على المنحى الأول: يروى أنه كانت عنده الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي شاة فوجدها يوماً قد كسرت رجلها، فقال لغلامه: من فعل هذا بها؟ قال الغلام: أنا. قال الإمام: لم ذلك؟ قال الغلام: لأجلب لك الهم والغم.
فتبسم (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي)، وقال له: لأسرك، فأعتقه وأجزل له في العطاء(11).
وضمن المنحى الثاني، ينقل المؤرخون: أنه اجتاز على الإمام شخص من أهل الشام، ممن غذاّهم معاوية بالكراهية والحقد على آل البيت، فجعل يكيل للإمام السب والشتم، والإمام ساكت لم يرد عليه شيئاً من مقالته، وبعد فراغه التفت الإمام فخاطبه بناعم القول، وقابله ببسمات فياضة بالبشر، قائلاً:
(أيها الشيخ: أظنك غريباً؟ لو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك) ومازال (الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي) يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه حتى ذهل ولم يطق رد الكلام، وبقي حائراً خجلاً كيف يعتذر للإمام وكيف يمحو الذنب عنه؟ وطفق يقول: (اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته)(12).
إن مما يساعد على اتخاذ الموقف الحليم فهم الطرف المقابل ومعرفة الظرف النفسي والفكري الذي يحيط به، فإذا فهمت أنه مضلل، أو معبأ، وأنه هو الآخر ضحية لعدو واحد، كنتَ أقدرَ على السيطرة على الموقف، وتحويله لصالحك، لا لصالح عدوكما.
ولهذا فإن العاقل هو الذي يملك الحلم، يقول علي الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي: (بوفور العقل يتوفر الحلم)(13) ويقول: (عليك بالحلم فإنه ثمرة العلم)(14) ويقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (والذي نفسي بيده ما جمع شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم)(15)، فالعالم هو الذي ينبغي أن يتحلى بالحلم، لأنه يتفهم سلبيات الجاهلين، ودوافع أخطائهم.
ويحدث أحياناً أن يفد على المجتمع أفراد من مجتمعات أخرى، يحملون معلومات وأفكاراً مضللة حول المجتمع وأفكاره وعقائده.
فإذا كان الشخص المقابل لهم واعياً، يعرف أنهم بسطاء ومضللون، فإنه يستوعب أولاً الصدمة التي يحدثها كلامهم، ثم يبدأ في تغيير تلك الصورة المشوهة، ويعطي للوافد بأخلاقه وسلوكه مثالاً حياً على خطأ تصوراته السابقة.
أما إذا كان من يقابله شخصية متشنجة، فسوف يستفزها ذلك الكلام لترد عليه بكلام أقسى وباتهامات ونعوت مضادة، وهذا الأسلوب غالباً ما يؤدي إلى تأكيد التصورات الخاطئة عن المجتمع.
ومن المثير للدهشة والعجب أحياناً، أن يعتبر هؤلاء الأشخاص تصرفاتهم المتشنجة تلك بطولات وإنجازات، تستحق الذكر والإشادة، فترى بعضهم يحدثك عنها وكأنه انتصر على عدو، وهو لا يعلم أنه بذلك أكدَّ هزيمته.
ففي الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله): (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)(16).
ومن هذا كله ما أحوجنا إلى قراءة سيرته العطرة، والتزام خطه الرسالي، والأخذ بمنهجه في التسامح الاجتماعي، لتسود أجواءنا المحبة والوئام، ولنتوجه لمواجهة الأعداء والأخطار صفّاً كالبنيان المرصوص.
الهوامش:
- ابن أبي الحديد: عبد الحميد، شرح نهج البلاغة ج16 ص13 دار الجيل – بيروت، الطبعة الأولى 1987م.
2- القرشي: باقر شريف، حياة الإمام الحسن للتسامح الاجتماعي ج 2 ص 273 – 282، دار الكتب العلمية- قم.
3- العسقلاني: ابن حجر، الاصابة ج2 ص72 الطبعة الاولى 1992م دار الجيل – بيروت.
4- مجموعة من المختصين: موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ص 1735 الجزء الخامس، الطبعة الاولى 1998م دار الوسيلة، جدة.
5- المجلسي: محمد باقر، بحار الانوار ج75 ص102.
6- الامدي التميمي: عبد الواحد، غرر الحكم ودرر الكلم.