الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله
الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين.
روى أبو بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) قَالَ دَخَلَ
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) الْمَسْجِدَ فَاسْتَقْبَلَهُ
شَابٌّ يَبْكِي وَ حَوْلَهُ قَوْمٌ يُسْكِتُونَهُ .
فَقَالَ عَلِيٌّ ( عليه السَّلام ) : مَا أَبْكَاكَ ؟
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ شُرَيْحاً قَضَى عَلَيَّ
بِقَضِيَّةٍ مَا أَدْرِي مَا هِيَ إِنَّ هَؤُلَاءِ النَّفَرَ خَرَجُوا
بِأَبِي مَعَهُمْ فِي السَّفَرِ فَرَجَعُوا وَ لَمْ يَرْجِعْ أَبِي ،
فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ مَالِهِ ،
فَقَالُوا مَا تَرَكَ مَالًا ، فَقَدَّمْتُهُمْ إِلَى شُرَيْحٍ
فَاسْتَحْلَفَهُمْ ، وَ قَدْ عَلِمْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ
أَبِي خَرَجَ وَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ .
فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : ارْجِعُوا .
فَرَجَعُوا وَ الْفَتَى مَعَهُمْ إِلَى شُرَيْحٍ .
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : يَا شُرَيْحُ كَيْفَ قَضَيْتَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ .
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ادَّعَى هَذَا الْفَتَى عَلَى
هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي سَفَرٍ وَ أَبُوهُ مَعَهُمْ
فَرَجَعُوا وَ لَمْ يَرْجِعْ أَبُوهُ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا
مَاتَ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ مَالِهِ ، فَقَالُوا مَا خَلَّفَ مَالًا ،
فَقُلْتُ لِلْفَتَى هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا تَدَّعِي ، فَقَالَ لَا ،
فَاسْتَحْلَفْتُهُمْ فَحَلَفُوا .
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : هَيْهَاتَ يَا شُرَيْحُ هَكَذَا تَحْكُمُ فِي مِثْلِ هَذَا ؟
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ ؟
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : وَ اللَّهِ
لَأَحْكُمَنَّ فِيهِمْ بِحُكْمٍ مَا حَكَمَ بِهِ خَلْقٌ قَبْلِي إِلَّا
دَاوُدُ النَّبِيُّ ( عليه السَّلام ) ، يَا قَنْبَرُ ادْعُ لِي شُرْطَةَ
الْخَمِيسِ ، فَدَعَاهُمْ فَوَكَّلَ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنَ
الشُّرْطَةِ ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى وُجُوهِهِمْ .
فَقَالَ : مَا ذَا تَقُولُونَ أَ تَقُولُونَ إِنِّي لَا أَعْلَمُ مَا
صَنَعْتُمْ بِأَبِي هَذَا الْفَتَى ، إِنِّي إِذاً لَجَاهِلٌ ، ثُمَّ قَالَ
: فَرِّقُوهُمْ وَ غَطُّوا رُءُوسَهُمْ .
قَالَ الراوي : فَفُرِّقَ بَيْنَهُمْ وَ أُقِيمَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ
إِلَى أُسْطُوَانَةٍ مِنْ أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ وَ رُءُوسُهُمْ
مُغَطَّاةٌ بِثِيَابِهِمْ ، ثُمَّ دَعَا بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
رَافِعٍ كَاتِبِهِ .
فَقَالَ هَاتِ صَحِيفَةً وَ دَوَاةً ، وَ جَلَسَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ، وَ جَلَسَ النَّاسُ
إِلَيْهِ .
فَقَالَ لَهُمْ إِذَا أَنَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ اخْرُجُوا .
ثُمَّ دَعَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ كَشَفَ
عَنْ وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ
اكْتُبْ إِقْرَارَهُ وَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ
بِالسُّؤَالِ .
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) : فِي أَيِّ يَوْمٍ
خَرَجْتُمْ مِنْ مَنَازِلِكُمْ وَ أَبُو هَذَا الْفَتَى مَعَكُمْ ؟
فَقَالَ الرَّجُلُ : فِي يَوْمِ كَذَا وَ كَذَا .
قَالَ : وَ فِي أَيِّ شَهْرٍ ؟
قَالَ : فِي شَهْرِ كَذَا وَ كَذَا .
قَالَ : فِي أَيِّ سَنَةٍ ؟
قَالَ : فِي سَنَةِ كَذَا وَ كَذَا .
قَالَ : وَ إِلَى أَيْنَ بَلَغْتُمْ فِي سَفَرِكُمْ حَتَّى مَاتَ أَبُو هَذَا الْفَتَى ؟
قَالَ : إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا .
قَالَ : وَ فِي مَنْزِلِ مَنْ مَاتَ ؟
قَالَ : فِي مَنْزِلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ .
قَالَ : وَ مَا كَانَ مَرَضُهُ ؟
قَالَ : كَذَا وَ كَذَا .
قَالَ : وَ كَمْ يَوْماً مَرِضَ ؟
قَالَ : كَذَا وَ كَذَا .
قَالَ : فَفِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ وَ مَنْ غَسَّلَهُ وَ مَنْ كَفَّنَهُ وَ
بِمَا كَفَّنْتُمُوهُ وَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَ مَنْ نَزَلَ قَبْرَهُ ؟
فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنْ جَمِيعِ مَا يُرِيدُ كَبَّرَ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) وَ كَبَّرَ النَّاسُ جَمِيعاً ،
فَارْتَابَ أُولَئِكَ الْبَاقُونَ وَ لَمْ يَشُكُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ
قَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ وَ عَلَى نَفْسِهِ ، فَأَمَرَ أَنْ يُغَطَّى
رَأْسُهُ وَ يُنْطَلَقَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ .
ثُمَّ دَعَا بِآخَرَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ .
ثُمَّ قَالَ : كَلَّا زَعَمْتُمْ أَنِّي لَا أَعْلَمُ مَا صَنَعْتُمْ .
فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : مَا أَنَا إِلَّا وَاحِدٌ مِنَ الْقَوْمِ وَ لَقَدْ كُنْتُ كَارِهاً لِقَتْلِهِ ، فَأَقَرَّ .
ثُمَّ دَعَا بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يُقِرُّ بِالْقَتْلِ ، وَ أَخْذِ الْمَالِ .
ثُمَّ رَدَّ الَّذِي كَانَ أَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ فَأَقَرَّ أَيْضاً فَأَلْزَمَهُمُ الْمَالَ وَ الدَّمَ .
فَقَالَ شُرَيْحٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَيْفَ حَكَمَ دَاوُدُ النَّبِيُّ ( عليه السَّلام ) ؟
فَقَالَ : إِنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ ( عليه السَّلام ) مَرَّ بِغِلْمَةٍ
يَلْعَبُونَ وَ يُنَادُونَ بَعْضَهُمْ بِيَا مَاتَ الدِّينُ فَيُجِيبُ
مِنْهُمْ غُلَامٌ ، فَدَعَاهُمْ دَاوُدُ ( عليه السَّلام ) .
فَقَالَ : يَا غُلَامُ مَا اسْمُكَ ؟
قَالَ مَاتَ الدِّينُ .
فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ ( عليه السَّلام ) : مَنْ سَمَّاكَ بِهَذَا الِاسْمِ ؟
فَقَالَ : أُمِّي .
فَانْطَلَقَ دَاوُدُ ( عليه السَّلام ) إِلَى أُمِّهِ .
فَقَالَ لَهَا : يَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ مَا اسْمُ ابْنِكِ هَذَا ؟
قَالَتْ : مَاتَ الدِّينُ .
فَقَالَ لَهَا : وَ مَنْ سَمَّاهُ بِهَذَا ؟
قَالَتْ : أَبُوهُ .
قَالَ : وَ كَيْفَ كَانَ ذَاكِ ؟
قَالَتْ : إِنَّ أَبَاهُ خَرَجَ فِي سَفَرٍ لَهُ وَ مَعَهُ قَوْمٌ وَ
هَذَا الصَّبِيُّ حَمْلٌ فِي بَطْنِي فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ وَ لَمْ
يَنْصَرِفْ زَوْجِي ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ .
فَقَالُوا : مَاتَ .
فَقُلْتُ لَهُمْ : فَأَيْنَ مَا تَرَكَ ؟
قَالُوا : لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئاً .
فَقُلْتُ : هَلْ أَوْصَاكُمْ بِوَصِيَّةٍ ؟
قَالُوا : نَعَمْ ، زَعَمَ أَنَّكِ حُبْلَى فَمَا وَلَدْتِ مِنْ وَلَدٍ
جَارِيَةٍ أَوْ غُلَامٍ فَسَمِّيهِ مَاتَ الدِّينُ ، فَسَمَّيْتُهُ .
قَالَ دَاوُدُ ( عليه السَّلام ) : وَ تَعْرِفِينَ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا خَرَجُوا مَعَ زَوْجِكِ ؟
قَالَتْ : نَعَمْ .
قَالَ : فَأَحْيَاءٌ هُمْ أَمْ أَمْوَاتٌ ؟
قَالَتْ : بَلْ أَحْيَاءٌ .
قَالَ : فَانْطَلِقِي بِنَا إِلَيْهِمْ .
ثُمَّ مَضَى مَعَهَا فَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ فَحَكَمَ
بَيْنَهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ وَ أَثْبَتَ عَلَيْهِمُ الْمَالَ
وَ الدَّمَ ، وَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ سَمِّي ابْنَكِ هَذَا عَاشَ الدِّينُ .
ثُمَّ إِنَّ الْفَتَى وَ الْقَوْمَ اخْتَلَفُوا فِي مَالِ الْفَتَى كَمْ
كَانَ فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) خَاتَمَهُ وَ
جَمِيعَ خَوَاتِيمِ مَنْ عِنْدَهُ .
ثُمَّ قَالَ : أَجِيلُوا هَذَا السِّهَامَ فَأَيُّكُمْ أَخْرَجَ خَاتَمِي
فَهُوَ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ سَهْمُ اللَّهِ وَ سَهْمُ اللَّهِ
لَا يَخِيبُ.