موت القلب
عن أبي عبد الله(ع) عن أبيه(ع)، قال: قال رسول الله(ص)
( أربع يمتن القلب، الذنب على الذنب، وكثرة مناقشة النساء يعني محادثتهن، ومماراة الأحمق، فتقول ولا يرجع إلى خير أبداً، ومجالسة الموتى، فقيل: يا رسول الله: وما الموتى؟ قال(ص): كل غني مترف ))
قد تضمنت الرواية التي أفتـتحنا بها المقام عرضاً للأسباب التي توجب اتصاف القلب الإنساني بصفة الموت، فيقال أنه قلب ميت، فعرضت إلى أربعة أمور، ولا يبعد أن ما ذكر فيها ليس على نحو الحصر الحقيقي، إذ من الممكن وجود أسباب أخرى، وربما كان الداعي لعرض هذه الأمور كونها أبرز الموارد التي تحقق ذلك. وكيف كان، فإن الأمور الأربعة المعروضة في الرواية هي:
الأول: الذنب على الذنب: إن العادة جارية على أن إقدام الإنسان على الذنب يكون ناجماً عن حالة من الغفلة تصيبه، فتنسيه الآخرة وما فيها من نعيم وعقاب، كما أن موجب إقدامه على المعصية غالباً اشتغاله بسكرة الذنب والشهوة، إلا أن الغالب في مثله أنه عندما يفيق من سكرة الذنب يؤوب إلى رشده، ويراجع نفسه، ويستفيق من غفلته، فيتوب إلى ربه تعالى.
الثاني: كثرة مناقشة النساء: يقصد من ذلك الحديث مع المرأة الأجنبية من دون وجود سبب داعٍ إلى ذلك، أو كون الحديث أبعد مما يسوغ فيه الحديث، فالمرأة التي تركب مع السائق الأجنبي مثلاً ينبغي أن يقتصر حديثها معه في حدود حاجتها إلى ذلك، أما أن تعمد إلى إدارة الحديث معه، والتدخل في جملة من الشؤون الخاصة، وتقوم بتجاذب أطراف الحديث وإياه، فهذا أحد مصاديق محادثة النساء التي توجب موت القلب، وكذا أيضاً المرأة التي تتصل هاتفياً على شخص كي ما تستشيره، أو تسأل منه، فيتعدى ذلك إلى بعض الأحاديث الجانبية، ويتضمن ذلك ترقيقاً في الصوت، أو غير ذلك، فإنه يسبب موت القلب.
الثالث: المماراة مع الأحمق: ولا يخفى أن المقصود من الأحمق هو كل من يفتقد إلى الاتزان في التصرفات والأفعال والأقوال، أعني من لا يكون ضابطاً لحيثيات الأمور، فيقدم على أعمال لا ينبغي أن تصدر منه، ولهذا نجده يأسف على ما بدر منه، ويتمنى لو أنها ما صدرت عنه. وقد فسرت بأن المقصود منها الدخول معه في مناقشة إلا أنها لا تنتهي إلى إيجابية، فلا تثمر خيراً أبداً.
الرابع: مجالسة الموتى: وقد عرف(ص) الموتى وقد سأل عن المقصود منهم، فقال هم الأغنياء المترفون. والظاهر أن ذلك يعود لكونهم مبتعدين عن عالم الآخرة، قد شغلتهم الدنيا، والأموال، فنسوا ذكر الله تعالى.
الشيخ محمد القطيفي