في عهد الرسالة وخصوصاً في المدينة
وبملاحظة مجموع القرائن نعرف أنّ الرسول الأكرم كان كذلك لا يعرف القراءة والكتابة حتى في عصر الرسالة وإن كان العلماء المسلمون ، سواء الشيعة أو السنّة ، يختلفون في ذلك ؛ إذ قد استبعد البعض أن لا يكون الوحي قد علّمه كلّ شيء .
وقد جاء في بعض روايات الشيعة : أنّه (ص) كان يقرأ في عصر الرسالة ، ولكنّه لم يكن ليكتب (1) ، ومنها ما رواه الصدوق في علل الشرائع عن أبي عبد الله (ع) : ( قال : كان ممّا مَنَّ الله عزّ وجلّ على رسول الله (ص) أنّه كان يقرأ ولا يكتب ، فلمّا توجّه أبو سفيان إلى أُحد ، كتب العبّاس إلى النبيّ (ص) فجاءه الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة فقرأه ولم يخبر أصحابه وأمرهم أن يدخلوا المدينة ، فلمّا دخلوا المدينة أخبرهم ) (2) .
ولكنّ سيرة زيني وحلان تنقل حادثة رسالة العبّاس بشكل يخالف رواية علل الشرائع ، فيقول :
( وكتب العبّاس للنبيّ (ص) وأخبره بجمعهم وخروجهم ... فجاء كتابه للنبيّ (ص) وهو بقباء وكان العبّاس أرسل الكتاب مع رجل من بني غفّار أستأجره وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها ، ففعل ذلك ، فلمّا جاء الكتاب فكّ ختمه ودفعه لأُبي بن كعب فقرأه عليه
ــــــــــــ
(1) بحار الأنوار ، ج16 ، ص 132 .
(2) بحار الأنوار ، ج 16 ، ص 133 ، والرواية ضعيفة السند . (المترجم) .
فاستكتم أُبيّاً ، ثمّ نزل (ص) على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العبّاس ، فقال : والله إنّي لأرجو أن يكون خيراً ، فاستكتَمه إياه ) (1) .
هذا في حين يعتقد البعض أنّه (ص) كان في عصر الرسالة يقرأ ويكتب ، فيقول السيد المرتضى ـ كما ينقله البحار عنه (2) ـ : قال : ( الشعبي وجماعة من أهل العلم : ما مات رسول الله (ص) حتى كتب وقرأ ) ، ولعلّه هو يؤيّد ذلك بعد أن أستند إلى حديث الدواة والكتف قائلاً : ( وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله (ص) : إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ) .
ولكنّ الاستناد إلى حديث الدواة والكتف ليس صحيحاً ؛ فإنّه ليس بصريح في أنّ رسول الله (ص) أراد أن يكتب بيده . ولو فرضنا أنّه كان يريد أن يأمر بكتابة شيء مستشهداً الحاضرين عليه لكان تعبير : ( أكتب لكم كتاباً ... ) صحيحاً إذ هو من الإسناد المجازي ـ كما يصطلح عليه البيانيون ـ وهو من وجوه الفصاحة الشائعة في اللغة العربية وغيرها .
المصدر
من كتاب النبي الأمّي
للعلاّمة الشهيد مرتضى المطهّري