تقدم أن سبب وقعة
الحرة أن الأنصار أرسلوا وفداً ليكشف لهم حال يزيد
وما اشتهر عنه من الفسوق والفجور
، فعاد الوفد بتصديق ذلك ، فأجمع الأنصار على
خلعه وأمَّروا عليهم عبدالله بن حنظلة
غسيل الملائكة ، وأمَّر المهاجرون عليهم
عبد الله
بن مطيع العدوي (فتح الباري:8/499)
وطردوا والي المدينة وكل بني
أمية ، واستعدوا للقتال
!وقد ذكرنا شيئاً من جرائم جيش يزيد الذي
استحل
المدينة النبوية ، ونسلط الضوء هنا على موقف الإمام × على الحياد فيها ، فمن
الغريب أن الأنصار مع احترامهم الكبير لأهل البيت ^ واستشهاد بعضهم مع الإمام
الحسين × واستنكارهم قتله وإقامتهم العزاء عليه ، واستقبالهم المؤثر للإمام زين
العابدين × والسبايا.. لكنهم لم يستشيروه في خلع يزيد ، ولا جعلوا ثورتهم بسبب
قتل
الحسين وآل الرسول ^ ، مع أن ابن الزبير الموصوف بعدائه لعلي × دعا الناس
الى نفسه
وأظهر الطلب بدم الحسين × . (الأخذ بالثار للسيد
الأمين فكان
الأحرى بالأنصار أن ينهضوا ثأراً
لأهل بيته ^ لأنه ثأرٌ للنبي ’ يجب على
المسلمين كافة القيام به ، ويجب عليهم خاصة
لتحالفهم مع النبي ’ وبيعتهم له قبل
هجرته ، على حمايته مما يحمون منه أنفسهم
وحماية أهل بيته وذريته ^ مما يحمون
منه ذراريهم ! (الطبراني الأوسط:2/207)
لكنهم لم يفعلوا ذلك ،
بل جعلوا سبب
ثورتهم فساد يزيد وفقده الشرعية لأنه فاسقٌ فاجر ، وكأن أباه
معاوية كانت له شرعية
ولم يكن فاسقاً فاجراً !
قال أميرهم
عبدالله بن
حنظلة
فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من
السماء ! إن
رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة
، والله لو لم
يكن معي أحدٌ من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسناً
).(الطبقات:5/47) . فمطلبه إذن استبدال يزيد بآخر غير فاسق ، وهذا من بساطته
السياسية ،
ونقص فقاهته ومن أسلوبه الخاطئ & : أنه
طرد
بني أمية من المدينة حتى النساء والأطفال فلم يجد مروان أحداً يحفظ له
نساءه
وأطفاله ! وقد خاف عبدالله بن عمر أن يأخذهم معه الى مكة ! (قال: لا آمن
أن يدخل على حريمي من أجل
مكانكم ! فكلم مروان علي بن الحسين فقال: نعم فضمهم
عليٌّ إليه وبعث بهم مع عياله .
قال: ثم ارتحل القوم من ذي خشب على أقبح
إخراج).(الإمامة والسياسة:1/229)
.ومن ذلك: أنه &
خرَّبَ العيون والآبار بين المدينة والشام
ليعطش الجيش الأموي الذي يقصد
المدينة ، لكن الوقت كان شتاء فلم يحتج الجيش الأموي
الى العيون !قال
الطبري:4/380:(بعث أهل المدينة إلى كل ماء بينهم وبين أهل الشام فصبوا فيه زقاً من
قطران وعوَّروه ، فأرسل الله عليهم السماء فلم يستقوا بدلو حتى وردوا المدينة)
!وابن خياط/182، وتاريخ دمشق:58/104.
أمام هذه الحركة
المخلصة التي تفتقر
الى الفكر والأسلوب وفرصة النجاح ، كان موقف
الإمام ×
الحياد ، فقالوا إنه ترك المدينة الى ينبع.(الطبري:4/372). وستعرف ما
يدل على
أنه × كان يومها في المدينة ، لكن خارج داره
وكان ذلك
موقف عامة بني عبد المطلب(سير
الذهبي:3/325).(لما وجَّه يزيد بن معاوية عسكره
لاستباحة أهل المدينة، ضمَّ علي بن
الحسين إلى نفسه أربعمائة مُنَافِيَّة
يعولهن ، إلى أن انقرض جيش مسلم بن عقبة ،
فقالت امرأة منهن: ما عشت والله بين
أبوي بمثل ذلك التشريف).(التذكرة الحمدونية/383 ، والبحار:46/101)
.لكن ذكر المؤرخون ثلاثة من بني
عبد المطلب قُتلوا في وقعة
الحرة ، هم
الفضل بن العباس بن ربيعة بن
الحارث بن عبد
المطلب ، وأبو بكر بن عبد الله بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب ،
وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، كما يأتي من الإستيعاب ،
ولعلهم لم
يكونوا مقاتلين بل هاجم الجنود بيوتهم
وأعراضهم ، فدافعوا عنها فقتلوا كما حدث
لغيرهم !
وقد توسط عبدالله بن جعفر & عند يزيد للأنصار
فقال له:
(إنما تقتل بهم نفسك ! فقال: أجل ، أقتل بهم نفسي ،
وأشفي نفسي) !
(تاريخ دمشق:58/105)
ورواه الذهبي في سيره:3/322
،وذكر أن
يزيداً أوصى قائد جيشه بأن ينهب المدينة
ثلاثاً ، ولايتعرض لعلي بن الحسين ×
تابع الموضوع الاحق