ومن كلماته (عليه السلام) التي دوَّت في تاريخ البشرية وكانت مدرسة للأجيال ولكل
الأحرار والمفكرين والعظماء، بل مدرسة لا يمكن التخلي عنها هي:
قوله (عليه
السلام) (عليه السلام)الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درَّتْ
معائشهم، فإذا مـحّصوا بالبلاء قلَّ الديانون. ثم قال لهم: (عليه السلام)أهذه
كربلاء؟(عليه السلام). قالوا: نعم. فقال: (عليه السلام)هذه موضع كرب وبلاء، هاهنا
مناخ ركابنا، ومـحط رحالنا، ومسفك دمائنا(عليه السلام)(1).
وقولـه (عليه
السلام) - مـخاطباً أصحابه بعد أن حمد الله وأثنى عليه
عليه السلام)أيها الناس خط
الموت على ولد آدم مـخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق
يعقوب إلى يوسف، وخُيِّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات
بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً، لا مـحيص عن يوم خط
بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أُجور الصابرين، لن تشذ
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحمته، هي مـجموعة لنا في حضرة القدس، تقرّ
بهم عينه، وينجز لهم وعده، فمن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه
فليرحل معي، فأنا راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى(عليهم السلام)(2).
وقوله
(عليه السلام) - لما خرج من منزله ذات ليلة وأتى قبر جده (صلى الله عليه وآله وسلم)
-
عليه السلام)السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك،
وسبطك والثقل الذي خلّفته في أُمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني
وضيعوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك صلّى الله عليك(عليه
السلام)(3).
وقوله (عليه السلام) - في وصية إلى أخيه مـحمد بن الحنفية -
عليه السلام)بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب
لأخيه مـحمد بن الحنفية، المعروف بابن الحنفية أنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله
إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ مـحمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأنّ
الجنة حق، والنار حق، وانّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور،
وأنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح
في أُمّة جدّي مـحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن
المنكر، وأسير بسيرة جدُي مـحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة أبي علي بن أبي
طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي
الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين(عليهم السلام)(4).
وقولـه
(عليه السلام) - للوليد بن عتبة والي المدينة عندما طلب من الحسين (عليه السلام)
البيعة ليزيد -
عليه السلام)أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة
ومـختلف الملائكة ومهبط الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر
قاتل نفس معلن بالفسق، فمثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون
أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة(عليه السلام)(5).
وقولـه (عليه السلام): (عليه
السلام)ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب والفهود، ونـحن
بقـية آل الرسول، لا والله لا يـكون ذلك أبداً(عليه السلام)(6).
وقوله (عليه
السلام) - لما نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن انهم قاتلوه -
عليه السلام)أمّا بعد،
إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها،
واستمرت جداً فلم يبق منها إلاّ صُبابة كصُبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل،
ألا ترون أنّ الحق لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء
الله مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً(عليه
السلام)(7).
وقال (عليه السلام): (عليه السلام)أيها الناس اعلموا أنّ الدنيا
دار فناء وزوال متغيرة بأهلها من حال إلى حال، معاشر الناس عرفتم شرائع الإسلام،
وقرأتم القرآن، وعلمتم أنّ مـحمداً رسول الملك الديّان، ووثبتم على قتل ولده ظلماً
وعدواناً، معاشر الناس أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيَّات يشربه
اليهود والنصارى والكلاب والخنازير، وآل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يموتون
عطشاً(عليه السلام).
وقوله (عليه السلام) - يعظ به أهل العراق - : (عليه
السلام)الحمد لله خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال،
فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فإنّها تقطع رجاء من
ركن إليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه
عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنَّبكم رحمته، فنعم الرب ربنا،
وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول مـحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،
ثم إنّكم زحفتم على ذرّيته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم
ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولما تريدون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم
كفروا بعد إيمانهم، فبعداً للقوم الظالمين،... اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فإنه لا
يحل لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإني ابن نبيكم، وجدتي خديجة زوجة نبيكم، ولعله قد
بلغكم قول نبيكم: (عليه السلام)الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(عليه
السلام)(
.
وقوله (عليه السلام) - في احتجاجه على أهل الكوفة: (عليه
السلام)أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل
يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست أنا ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه
وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما جاء به
من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمي؟ أوليس الشهيد جعفر الطيار في الجنة عمي؟
أو لم يبلغكم ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لي ولأخي: هذان سيدا شباب
أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ
الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا
جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب
أو زيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) لي ولأخي. أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ فإن كنتم في شك من
هذا فتشكون في أني ابن بنت نبيكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري
فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو
بقصاص من جراحة؟... لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أُقرّ إقرار
العبيد(عليه السلام)(9).
وقولـه (عليه السلام): (عليه السلام)ألا وإنّ الدعي
ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك
لنا ورسوله والمؤمنين، حجور طابت وحجور طهرت، أُنوف حميّة ونفوس أبية من أن نؤثر
طاعة اللئام على مصارع الكـرام، ألا قـد أعذرت وأنذرت، ألا وإنـي زاحف بهذه الأُسرة
مع قلة العدد وكثرة العدو، وخذلان الناصر، وخذلة الأصحاب(عليه
السلام)(10).
وقولـه (عليه السلام) لعبد الله بن الزبير: (عليه السلام)أما
أنا فلا أُبايع أبداً؛ لأن الأمر كان لي بعد أخي الحسن فصنع معاوية ما صنع، وكان
حلف لأخي الحسن أن لا يجعل الخلافة لأحد من ولده وأن يردّها عليَّ إن كنت حياً، فإن
كان معاوية خرج من دنياه ولم يف لي ولا لأخي بما ضمن فقد جاءنا ما لا قرار لنا به،
أتظن أبا بكر أني أُبايع ليزيد، ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق يشرب الخمر ويلعب
بالكلاب والفهود ونحن بقية آل الرسول، لا والله لا يكون ذلك أبداً(عليه
السلام)(11).
وقولـه (عليه السلام) لمروان بن الحكم: (عليه السلام)ويحك
أتأمرني ببيعة يزيد وهو رجل فاسق لقد قلت شططاً من القول يا عظيم الزلل، لا ألومك
على قولك لأنّك اللعين الذي لعنك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت في صلب
أبيك الحكم بن أبي العاص؛ فإن من لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن
له ولا منه إلاّ أن يدعو إلى بيعة يزيد(عليه السلام)(12).
وقوله (عليه
السلام) اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كُلِّ شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة،
وأنت وليُّ كلِّ نعمة، وصاحبُ كلِّ حسنة. وقال لعُمر وجندِه لا تعجلوا، والله ما
أتيتكُم حتى أتتني كتبُ أماثلكم بأنَّ السُّنَّةَ قد أُميتت، والنفاق قد نجم،
والحدود قد عُطِّلت؛ فاقدم لعلَّ يُصلح بك الأُمّة، فأتيتُ؛ فإذْ كرهتُم ذلك، فأنا
راجع، فارجعوا إلى أنفسكم؛ هل يصلح لكم قتلي، أو يحلُّ دمي؟ ألستُ ابنَ بنتِ نبيكم
وابنَ ابنِ عمه؟ أوَليس حمزةُ والعباسُ وجعفر عمومتي؟ ألم يبلغكم قولُ رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فيَّ وفي أخي: (عليه السلام)هذان سيِّدا شباب أهل
الجنة(عليه السلام)(13).
وقولـه (عليه السلام): لما جمع أصحابه بعد رجوع
عمر: (عليه السلام)أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل
بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً عني خيراً، ألا وإنّي لأظنّ
يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإنّي قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حلّ ليس عليكم
مني ذِمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل
بيتي، فجزاكم الله جميعاً، ثم تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله، فإنّ
القوم يطلبونني، ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري(عليهم السلام)(14).
لذا ورد:
أنّ الفرزدق لقيه (عليه السلام) وهو متوجه إلى الكوفة فقال له: يا ابن رسول الله
كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل؟ فترحَّم على مسلم
بن عقيل وقال: أما إنّه صار إلى رحمة الله تعالى ورضوانه، وقضى ما عليه، وبقي ما
علينا، وأنشد يقول:
وإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة فإنّ ثواب الله أعلى
وأنبل
وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت فقتل امرئ بالسيف في الله
أفضلُ
وإن تكن الأرزاق قسماً مقدراً فقلّة حرص المرء في الكسب
أجمل
وإن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل