وصيته لسفيان الثوري
الوقوف عند كلّ شبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وترك حديث لم تروه أفضل من روايتك حديثاً لم تحصه ، إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، وما خالفه فدعوه(122)
وقال نصر بن كثير(123) : دخلت أنا وسفيان الثوري على جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)فقلت : إني اُريد البيت فعلّمني شيئاً أدعو به ، فقال : إذا بلغت البيت الحرام فضع يدك على الحائط ثم قل : يا سابق الفوت يا سامع الصوت يا كاسي العظام لحماً بعد الموت ثم ادع بما شئت. فقال له سفيان شيئاً لم أفهمه.
فقال : يا سفيان إذا جاءك ما تحبّ فأكثر «الحمد لله»، وإذا جاءك ما تكره فأكثر من «لا حول ولا قوة إلاّ باللّه»، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من «الاستغفار».(124)
ولقيه مرّةً فقال : يا ابن رسول اللّه أوصني. قال : يا سفيان لا مروة لكذوب ، ولا أخ لملول ، ولا راحة لحسود ، ولا سؤدد لسيّئ الخلق.
فقال : يا ابن رسول اللّه زدني ، قال : يا سفيان ثق باللّه تكن مؤمناً ، وارض بما قسم اللّه لك تكن غنياً ، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً ولا تصحب الفاجر يعلمك من فجوره ، وشاور في أمرك الذين يخشون اللّه عز وجل.
فقال : يا ابن رسول اللّه زدني ، فقال : يا سفيان من أراد عزّاً بلا عشيرة وغنىً بلا مال وهيبة بلا سلطان; فلينتقل من ذل معصية اللّه الى عز طاعته.(125)
وقال سفيان للصادق مرّةً : لا أقوم حتى تحدّثني. قال له : أنا أحدّثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان ، إذا أنعم اللّه عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها; فأكثر من الحمد والشكر عليها فإنّ اللّه عز وجل قال : (لئن شكرتم لأزيدنكم)(126)وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار ، فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه : (اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّات وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)(127)ياسفيان، إذا أحزنك