في وجوب الرضا بقضاء الله تعالى.
اتفقت الإمامية والمعتزلة، وغيرهم من الأشاعرة، وجميع طوائف الإسلام: على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره (5).
____________
(1) المؤمنون: 31.
(2) الإسراء: 38.
(3) الزمر: 7.
(4) البقرة: 205.
(5) قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث قدسي: قال الله عز وجل: " من لم يرض بقضائي، ولم يصبر على بلائي، فليتخذ ربا سوائي. (كنز العمال ج 1 ص 93 رقم: 483 و 486، وإحياء العلوم للغزالي ج 4 ص 247). وعن علي بن موسى الرضا عن آبائه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قال الله جل جلاله: من لم يرض بقضائي، ولم يؤمن بقدري، فليلتمس إلها غيري. (توحيد الصدوق ص 371)، وغيرهما من الروايات.
وقال الله عز وجل: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة، إذا قضى الله ورسوله أمرا، أن يكون لهم الخيرة " الأحزاب: 36. فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه وتسليمه، ورضائه بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وآله رسولا نبيا.
ثم إن الأشاعرة قالوا قولا لزمهم منه خرق الاجماع، والنصوص الدالة على وجوب الرضا بالقضاء، هو: أن الله تعالى يفعل القبائح بأسرها.
ولا مؤثر في الوجود غير الله تعالى: من الطاعات، والقبايح. فتكون القبايح من قضاء الله تعالى على العبد، وقدره (1). والرضا بالقبح حرام بالإجماع، فيجب أن لا يرضى بالقبح ولو كان من قضاء الله تعالى لزم إبطال إحدى المقدمتين، وهي: إما عدم وجوب الرضا بقضائه تعالى وقدره، أو وجوب الرضا بالقبح، وكلاهما خلاف الاجماع.
(1) قال أبو حامد الغزالي في إحياء العلوم ج 4 ص 351 و 352: " وقد غلط بعض البطالين المغترين، وزعم أن المعاصي والفجور والكفر من قضاء الله وقدره عز وجل، فيجب الرضا به.. وهذا جهل بالتأويل، وغفلة عن أسرار الشرع. فإن قلت: وردت الآيات والأخبار بالرضا بقضاء الله تعالى، فإن كانت المعاصي بغير قضاء الله تعالى، فهو محال، وهو قادح في التوحيد، وإن كانت بقضاء الله تعالى فكراهتها ومقتها كراهة لقضاء الله تعالى، كيف السبيل إلى الجمع، وهو متناقض على هذا الوجه، وكيف يمكن الجمع بين الرضا والكراهة في شئ واحد، واعلم أنه قد التبس على قوم حتى رأوا السكوت عن المنكر مقاما من مقامات الرضا، وسموه حسن الخلق، وهو جهل محض، بل نقول:
الرضا والكراهة يتضادان إذا تواردا على شئ واحد، من جهة واحدة، فليس من التضاد في شئ واحد أن يكرهه من وجه، ويرضى به من وجه. وكذلك المعصية لها وجهان:
وجه إلى الله تعالى، من حيث أنه فعله، واختياره، وإرادته، فيرضى به من هذا الوجه تسليما للملك إلى مالك الملك، ورضا بما يفعله فيه، ووجه بما يفعله العبد من حيث أنه كسبه، ووصفه، وعلامة كونه ممقوتا عند الله، بغيضا عنده، حيث سلط عليه أسباب العبد، والمقت.. فهو من هذا الوجه منكر مذموم ". أقول: لا خفاء " أن كسب العبد، ووصفه به، وتسلطه عليه هو عندهم بإيجاد الله تعالى، وبقضائه، وقدره، لقولهم:
" ولا مؤثر في الوجود إلا الله ". واتصاف العبد به ليس إلا الوجود لا العدم، فالله هو المؤثر في هذا الوجود أيضا فجوابه مما لا يرضى به العاقل المنصف، لأنه في الحقيقة دليل للسائل، وتشبث بالطحلب.