• الإمام الحسين (عليه السلام) يُري أصحابَه منازلهم في الجنة:
روي أنّ الحسين (عليه السلام) كشف لأصحابه عن أبصارهم، فرأوا ما حباهمُ اللهُ من نعيم، وعرَّفَهم منازلَهم فيها، وليس ذلك في القدرةِ الإلهيةِ بعزيز، ولا في تصرفات الإمام بغريب، فإنَّ سحرةَ فرعون لمّا آمنوا بموسى (عليه السلام) وأراد فرعون قتْلَهم، أراهم النبيُّ موسى (عليه السلام) منازلَهم في الجنة (أخبار الزمان للمسعودي: 274، مقتل الحسين (عليه السلام) للمقرّم: 215).
قال شاعر أهل البيت الفرطوسي (عليه الرحمة):
وأراهم وقد رأى الصـِّدقَ منهم * في المُوالاة بعد كـشفِ الغطاءِ
ما لهم مـن مـنازلٍ قد أُعدَّتْ * في جِنانِ الخلود يومَ الجـزاءِ
ولَعَمْري وليـس ذا بعـسيـرٍ * أو غـريبٍ من سيّدِ الشُّهـداءِ
فَـلَـقـد أطْلعَ الكليـمُ عليـها * مـنهمُ كلَّ سـاحـرٍ بـجَـلاءِ
حينما آمـنوا بمـا جـاءَ فـيه * عندَ إبطالِ سِحـرِهم والـرياءِ
بعد خوفٍ من آلِ فرعونَ مُردٍ * لهـمُ منـذرٌ بسـوءِ الـبـلاءِ
فأراهم منـازلَ الخيرِ زُلفـىً * وثـوابـاً فـي جنّةِ الأتقيـاءِ
لِازديـادِ اليقينِ بالحقِّ فـيهـم * بعدَ دحضٍ للشكِّ والإفـتـراءِ
وثَباتاً منهم عـلى الـدِّينِ فيما * شاهَدُوه من عالَمِ الإرتقاءِ
(ملحمة أهل البيت (عليهم السلام) للفرطوسي: 3 / 291)
وروي عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الأهوازي، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): كنتُ مع أبي في اللّيلة التي قُتل في صبيحتها، فقال (عليه السلام) لأصحابه: «هذا الليل فاتّخِذوه جملاً، فإنَّ القوم إنّما يريدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حِلٍّ وسَعة»، فقالوا: والله لا يكون هذا أبداً!
قال: «إنكم تُقتلون غداً كلّكم، ولا يفلت منكم رجل»، قالوا: الحمد لله الذي شرفّنا بالقتل معك.
ثمّ دعا وقال لهم: «إرفعوا رؤوسَكم وانظروا»، فجعلوا يَنظرون إلى مواضعِهم ومنازلِهم من الجنة، وهو يقول لهم: «هذا منزِلُكَ يا فلان، وهذا قصرُك يا فلان، وهذه درجتك يا فلان»، فكان الرجلُ يَستقبلُ الرّماحَ والسيوف بصدرِه وَوجهِه، ليصلَ إلى مَنزِلِه مِنَ الجنة (الخرائج والجرائح للراوندي: 2 / 842 ــ 848، بحار الأنوار: 44 / 298، أسرار الشهادة: 2 / 221).
وفي حديث أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنّ الحسين (عليه السلام) قال لأصحابه: «أبشروا بالجنّة، فواللهِ إنّا نَمكثُ مَا شاء اللهُ بعد ما يجري علينا، ثمّ يُخرجُنا اللهُ وإياكم حتّى يَظهر قائمُنا، فَينتقمَ من الظالمين، وأنا وأنتم نُشاهِدُهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب»!
فَقيلَ له: ما قائمُكُم يا ابن رسولِ الله؟
قال: «السابعُ مِن وُلدِ ابني محمّد بن عليِّ الباقر، وهو الحجّةُ ابنُ الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابني، وهو الذي يَغيبُ مدةً طويلةً، ثمّ يظهر ويملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وَجوراً» (مقتل الحسين (عليه السلام) للمقرّم: 215).
وروى الصدوق (عليه الرحمة) في علّة إقدام أصحاب الحسين (عليه السلام) على القتل، قال: حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا محمّد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبِرْني عن أصحاب الحسين (عليه السلام) وإقدامِهم على الموت، فقال: «إنَّهم كُشفَ لَهم الغطاءُ حتّى رَأوا منازلَهم من الجنّةِ، فكان الرجلُ منهم يَقدمُ على القتلِ لِيُبادرَ إلى حَوراءَ يُعانِقُها وإلى مكانِه مِن الجنة» (علل الشرائع للصدوق: 1 / 229 ب 163 ح 1، بحار الأنوار: 44 / 297، مدينة المعاجز: 4 / 214).
وجاء في زيارة الناحية المقدسة: «أَشْهدُ لَقدْ كَشفَ اللهُ لكمُ الغِطاء، وَمَهَّدَ لكُمُ الوِطاء، وأجزل لكمُ العطاء، وكُنْتُم عن الحقِّ غَيرَ بِطاء، وأنتُم لنا فُرطاء، ونحنُ لكُم خُلطاءُ في دارِ البقاء، والسلام عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته» (الإقبال لابن طاووس: 3 / 80، بحار الأنوار: 98 / 273 ــ 274).
ولقد أجاد من قال فيهم (عليهم السلام):
وذَوُو المُـروّة والوفا أنصارُهُ * لهمُ على جـيـشِ اللئامِ زئيرُ
طَهُرَت نفوسُهمُ لطِيبِ أُصولها * فعناصرٌ طابَتْ لـهم وحُجورُ
فتمَثَّلتْ لهمُ القصورُ وما بـهِم * لولا تمثّلتِ القـصورُ قصورُ
ما شاقَهم للمـوتِ إلّا دَعْـوَةُ الـ * رحمانِ لا وِلْدانُها والحُورُ
(نفثة المصدور للشيخ عباس القميّ: 629)
وقال الآخر:
وفتيةٌ مِن رجـالِ اللهِ قد صـبروا * على الجِـلادِ وعـانَوا كلَّ مَحذورِ
حـتّى تَراءت لـهمْ عَدْنٌ بزينتِـها * مآتماً كُنَّ عُرسَ الخُرَّدِ الحُورِ
(أدب الطف للسيّد جواد شبر: 6 / 261)
وقال آخر أيضاً:
وبيّـتوه وقـد ضـاقَ الفـسيحُ بهِ * منهم على موعـدٍ مِن دونهِ العـَطَلُ
حتّى إذا الحربُ فيهم من غدٍ كشَفَتْ * عن ساقِهـا وذكا من وَقْدِ ما شُـعَلُ
تـبادرت فـتـيةٌ مـن دونِـه غررٌ * شُمُّ العرانـينِ مـا مالـوا ولا نَكَلوا
كـأنّمـا يُـجتـنى حُـلْواً لأنفسِهم * دونَ المَـنـونِ مـنَ العسّالةِ العَسَلُ
تراءتِ الحُورُ في أعلى القصورِ لهم * كشفاً فهانَ عليهم فيه ما بَـذَلوا