بشار
مدير عام المنتدى رقم العضوية : 1 الجنــس : المواليد : 11/05/1992 التسجيل : 07/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 32 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 3576 نقـــــــــاط التقيم : 7183 السٌّمعَــــــــــــــة : 29 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام _البوابة مدير المنتدى
| موضوع: ايه الغار وشرحها الخميس ديسمبر 20, 2012 1:59 am | |
|
بسم الله الرّحمن الرّحيم
اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وعجّل فرجهم والعن أعداءهم.. قال الله تعالى جدّه: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة / الآية40).
كثيراً مّا يتبجّح إخواننا السنيّون بهذه الآية الميمونة على خصومهم التّقليديين، بل ويقودونهم بعصا التّبديع والتّفسيق والزّندقة إلى مؤدّاها، حيث أنّهم يحسبونها من عيون مناقب خليفتهم الأوّل أبي بكر بن أبي قحافة، الّتي لا تقبل الجدل والنّقاش، فكلّ من ناقش فيها فكأنّما ناقش في الشّمس الطّالعة، وهل السّفسطة إلاّ المناقشة في الواضحات ؟! كلّ هذا وأكثر منه بكثير .. حتّى قال قائلهم:
وَفي القُرْآنِ لِلْمُخْتَارِ آثَارٌ وَأنْــوَارُ وَأمّا عَنْ أبي بَكْرٍ فَيَكْفِي الشّاهِدُ الغَارُ
إلاّ أنّنا عند التّأمّل في حاقّ الآية المباركة - بعد التّسليم بكون الثّاني المذكور فيها هو أبو بكر بن أبي قحافة، لأنّه يوجد شكّ تأريخيّ حيال ذلك - لا نستفيد منها ما استفادوه.. من أنّها من عيون مناقبه، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ أنّها من عيون مساويه ومثالبه ومخازيه، كما سيأتي بيانه ! وسوف لن نطيل في الاستدلال على ذلك، بل سنكتفي بالإشارة ووجيز العبارة. فممّا قالوه في الاستدلال على فضله من الآية المباركة: 1- ذكرت النّبي (صلّى الله عليه وآله) وجعلت أبا بكر ثانيه (ثَانِيَ اثْنَيْنِ). 2- وصفتهما بالاجتماع في مكان واحد ألّف بينهما (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ). 3- أضافته إليه (صلّى الله عليه وآله) بعنوان الصّحبة، فجمعت بينهما فيما يقتضي الرّتبة (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) 4- شفقة النّبي (صلّى الله عليه وآله) عليه، ورفقه به، لموضعه عنده (لاَ تَحْزَنْ). 5- أخبر (صلّى الله عليه وآله) أنّ الله معهما على حدٍّ سواء، وأنّه دافع عنهما (إِنَّ اللّهَ مَعَنَا). 6- نزول السّكينة على أبي بكر لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم تفارقه سكينته (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ). وردّنا على هذه الأراجيف ما يلي: 1- أمّا جعل أبي بكر ثاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فهو إخبار عن العدد، وما في ذلك أيّة فضيلة تذكر، فبطبيعة الحال إنّ مؤمناً ومؤمناً اثنان، ومؤمناً وغير مؤمن اثنان أيضاً.
2- وأمّا الاجتماع في مكان واحد فهو كالأوّل، لأنّ المكان قد يجمع بين المؤمن والمؤمن، وبين المؤمن وغير المؤمن، وما السّجن الّذي جمع الصدّيق يوسف (عليه السّلام) وصاحبيه المشركين إلاّ مصداق واضح على ذلك: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (سورة يوسف / الآية39).
فلا يدلّ الاجتماع في مكان واحد على ما تقدّم ذكره من الدّليل على الفضيلة.
3- وأمّا دليل الصّحبة فإنّه أضعف من الدّليلين الأوّلين، لأنّ الصّحبة تجمع المؤمن وغير المؤمن، والدّليل على ذلك من سورة الكهف، في مقطع يصوّر القرآن فيه محاورة جرت بين مؤمن وكافر، قال تبارك وتعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} (سورة الكهف / الآية37).
مضافاً إلى أنّ وصف الصّحبة يطلق على العاقل وغير العاقل، والدّليل على ذلك من كتاب الله تعالى، عندما قرن الحوت بيونس بن متّى (عليه السّلام): {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} (سورة القلم / الآية48) .. فتراه قد سمّى الحيوان صاحباً، بل وقرنه بنبيٍّ من أنبيائه العظام (عليهم السّلام).
بل سمّى النّبات صاحباً أيضاً، وذلك في قوله: {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (سورة ق / الآية14).
بل أكثر من ذلك، فلقد سمّى الجماد صاحباً، فقال: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} (سورة الكهف / الآية9).
فإذا كانت الصّحبة تقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل وغير العاقل، وبين النّامي والجماد، فلا حجّة في الصّحبة حينئذ.
4- وأمّا مفردة (لاَ تَحْزَنْ) فهي صادرة من النّبي (صلّى الله عليه وآله) لأبي بكر، وهي إمّا أن تقع منه في مقام الطّاعة أو في مقام المعصية، فإذا كان الأوّل: فالنّبي (صلّى الله عليه وآله) لا يمكنه أن ينهى عن الطّاعات، وإذا كان الثّاني: فلقد نهاه عن المعصية، وعليه كيف تكون المعصية محلّ افتخار واعتزاز ؟!
علاوةً على أنّ أبا بكر لا ينبغي له أن يحزن إذا كان قد تبع هدى الله.. وذلك لمقتضى قوله تبارك وتقدّس: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة / الآية38).
كما أنّه لا ينبغي له أن يحزن إذا كان يؤمن بالله واليوم الآخر وعمل عملاً صالحاً يرجو به أجراً عند ربّه.. لأنّ الله يقول في من هذه صفته: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة / الآية62).
وكذلك يقول تعالت آلاؤه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة المائدة / الآية69).
وأيضاً لا ينبغي له أن يحزن إذا كان ممّن أسلم وجهه لله وهو محسن، فإنّ أجره يقع على الله تقدّست أسماؤه: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة / الآية112).
وأنّى له أن يحزن إذا كان ينفق أمواله في سبيل الله ولم يتبع ما أنفق منّاً ولا أذىً: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة / الآية262) ؟!
أم كيف له أن يحزن إذا كان ينفق أمواله باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة / الآية274) ؟!
وما له والحزن إذا كان من الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، وأقاموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة / الآية277) ؟!
ثمّ إذا كان من الفرحين بما آتاهم الله من فضله فما موقعيّة الحزن في قلبه: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة آل عمران / الآية170) ؟!
وإذا كان من السّابقين للإيمان بالرّسول (صلّى الله عليه وآله) وكان من المصلحين على المستويين العلمي والعملي - كما يدّعيه له مناصروه - فأينه والحزن: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة الأنعام / الآية48) ؟!
وهل يحزن من كان من التّقى والصّلاح بمكان، بحيث أنّه يستمع من الرّسول (صلّى الله عليه وآله) ما يؤهّله للإتّقاء والإصلاح على الصّعيدين الذّاتي والإجتماعي: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة الأعراف / الآية35) ؟!
ثمّ إذا كان من أولياء الله - كما يريدوه أن يكون - فلم الحزن والحال أنّه: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة يونس / الآية62) ؟!
وزعموه أنّه من المتّقين النّاجين الّذين لا يمسّهم السّوء، إذن لماذا حزن: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة الزمر / الآية61) ؟!
كما وقد رشّحوه للإستقامة المثاليّة والجنّة الأخرويّة، في حين أنّ صاحبهم قد حزن: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (سورة فصلت / الآية30).
وكذلك: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(سورة الأحقاف / الآية13).
فإذن: دلّ حزنه - الّذي نهاه عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - على خلوّه من الكفاءة واللّياقة، لعدم إتباعه هدى الله، وعدم إيمانه بالله واليوم الآخر، وعدم عمله عملاً صالحاً يرجو به أجراً عند ربّه، وعدم إسلامه وجهه لله وهو محسن، وعدم إنفاقه أمواله في سبيل الله، باللّيل والنّهار، سرّاً وعلانيةً، مع عدم إتباعه ما أنفق منّاً ولا أذىً، وعدم كونه من الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، وأقاموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وعدم كونه من الفرحين بما آتاهم الله من فضله، وعدم كونه من السّابقين للإيمان بالرّسول (صلّى الله عليه وآله) وعدم كونه من المصلحين على المستويين العلمي والعملي، وعدم استماعه من الرّسول (صلّى الله عليه وآله) ما يؤهّله للإتّقاء والإصلاح على الصّعيدين الذّاتي والاجتماعي، وعدم صيرورته من أولياء الله، وعدم كونه من المتّقين النّاجين الّذين لا يمسّهم السّوء، وعدم أهليّته للإستقامة المثاليّة والجنّة الأخرويّة وتنزّل الملائكة عليه ! فمن كانت هذه حاله كيف يصلح للخلافة الإلهيّة، يا عقلاء أهل السّنة ؟!
وهنا ربّما يستشكل مستشكل: بأنّ حزن أبي بكر إنّما كان خوفاً على النّبي (صلى الله عليه وآله) أن يصل إليه ضرر، وما كان نهي النّبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ تطييباً لخاطره وتصبيراً لقلبه، وليس في ذلكم أيّة غضاضة، كما لا غضاضة على النّبي (صلى الله عليه وآله) في خطاب الله له بقوله تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة آل عمران / الآية176).
وقوله أيضاً: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة المائدة / الآية41).
وقوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (سورة يونس / الآية65).
وقوله: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (سورة الحجر / الآية88).
وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} (سورة النحل / الآية127).
وقوله: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} (سورة النمل / الآية70).
وقوله: {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (سورة لقمان / الآية23).
وقوله: {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} (سورة يس / الآية76).
كما أنّه لا غضاضة أيضاً على لوط (عليه السّلام) لمّا أمره الله على لسان ملائكته بعدم الحزن في قوله: {وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} (سورة العنكبوت / الآية33).
وكذلك الحال في أمّ موسى (عليهما السّلام): {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (سورة القصص / الآية7).
والحال هو الحال بعينه في مريم ابنة عمران (عليهما السّلام): {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} (سورة مريم / الآية24).
مضافاً إلا أنّه لا غضاضة على سائر المؤمنين الّذين هم من النّاس العاديّين: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (سورة فصلت / الآية30).
فلم تنحصر الغضاضة في حزن أبي بكر فقط وفقط، مع أنّ الحزن هو الحزن ؟!
وردّنا لهذه السّفاسف يقع في عدّة نقاط: الأولى: إنّنا لا نسلّم بأنّ حزن أبي بكر كان من أجل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .. لفقدان الدّليل على ذلك، فهو مجرّد إدّعاء فارغ لا غير.
الثّانية: من قال بأنّ الملاك في حزن أبي بكر وسائر حزن الأولياء (عليهم السّلام) - المذكور في الآيات المحتجّ بها - هو ملاك واحد ؟! وذلك لأنّ ملاك حزن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو: التّحسر والتّأسف على كفر الكافرين، وأعمالهم السّيئة المفضية بهم إلى النّار، وذلك لمحض كونه (صلّى الله عليه وآله) رحمة للعالمين، بما فيهم المؤمن والكافر.
وأمّا الملاك في حزن لوط (عليه السّلام) فهو: لخوفه على عرضه من الهتك، وأهله من الهلاك والعذاب الإلهي.
والملاك في حزن أمّ موسى (عليهما السّلام) هو: وجلها على ابنها من القتل.
وأمّا حزن مريم (عليها السّلام) فملاكه: التّرقب والتّحسب من اتهامها بالفاحشة - والعياذ بالله - وهي المعروفة بطهارة الذّيل، وقداسة الشّرف.
وملاك حزن سائر المؤمنين: الطّمع في جنّة الله وثوابه، ولذلك بشّرهم الملائكة الكرام (عليهم السّلام) بالجنّة ونعيمها الدّائم.
فنلاحظ أنّ الملاكات في أحزان أولياء الله (عليهم السّلام) مختلفة، وهي ملاكات طبيعيّة وشرعيّة، وليس فيها ما يتعارض مع التّعاليم الإسلاميّة بتاتاً.
وأمّا حزن أبي بكر فلم يتّضح له ملاك راجح، خلا فكرة إبليسيّة تتعارض مع روح الإسلام بجميع المقاييس، وهي: اعتقاده الخاطئ بأنّ المشركين أقوياء، بحيث يمكنهم أن يظفروا بهما لأنّهما مستضعفين، وهذا الاعتقاد الباطل يدلّ على عدم إيمانه بالنّصر الرّباني المؤزّر للنّبي (صلّى الله عليه وآله).. وإلاّ بماذا يفسّر ردّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليه هذا الاعتقاد الهزيل، بأنّ القوّة الإلهيّة الغيبيّة سوف لن تتخلّى عنه، وهي معه على طول الخطّ النّضالي ؟! وعليه: لا يمكن عدّ الملاكات في حزنهم (عليهم السّلام) وحزن أبي بكر واحداً.
الثّالثة: إنّ النّهي الوارد في حقّ الأولياء (عليهم السّلام) وباقي المؤمنين هو نهي إرشاديّ، لا يقتضي كراهة ولا حرمة، فهم مخيّرون بين الفعل أو التّرك، وذلك بلحاظ الملاكات، الّتي هي ملاكات مشروعة كما قلنا.
وأمّا النّهي الوارد في جانب أبي بكر فهو نهي مولويّ يقتضي الإيجاب والحرمة، وذلك بقرينة الملاك، الّذي هو ملاك شيطانيّ غير مشروع.
ولا ضير - هنا - من دفع إشكال مقدّر .. مفاده: أنّ المقولة القرآنيّة المتكرّرة: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.. إنّما يقصد بها في الآخرة لا الدّنيا، أي: أنّ المؤمنين الّذين تكون صفاتهم كذا وكذا .. سوف لن يخافوا ولن يحزنوا، يوم يخاف ويحزن غيرهم من سائر النّاس، وذلك لإيمانهم المقتضي نجاتهم ..
ونحن نقول: إنّ هذا التّفصيل ممّا لا دليل عليه، وعدم التّقييد في الآيات يقتضي الإطلاق، أي: أنّهم لا يخافون ولا يحزنون مطلقاً، دنياً وآخرةً.
ويعضده قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (سورة فصلت / الآيات30-31).
5- وأمّا (إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) فهو شيء عابر، لا دلالة فيه على أيّة منقبة، بدليل قوله عزّ وجلّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (سورة المجادلة / الآية7).
6- وأمّا القول بأنّ السّكينة قد نزلت على أبي بكر: فإنّه عدول عن الظّاهر، والعدول عن الظّاهر يفتقر إلى إثبات، لأنّ الّذي نزلت عليه السّكينة هو الّذي أيّده الله بالجنود الّتي لم يرها أحد، وهم الملائكة، كما في كلمات المفسّرين.
وحيث أنّه لم يدّع أحد أنّ أبا بكر من مشاهدي الملائكة، فيصبح النّبي (صلّى الله عليه وآله) هو المعنيّ بها، لأنّه القدر المتيقّن، كما يشهد سياق الآية الكريمة بذلك.
وبعد هذا .. إذا كان الّذي في معيّة النّبي (صلّى الله عليه وآله) في هذه الآية مؤمن للزم إشراكه معه (صلّى الله عليه وآله) في السّكينة، كما أشرك معه (صلّى الله عليه وآله) طائفة من المؤمنين في مواضع أخرى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (سورة الفتح / الآية26).
وكما في موضع آخر: {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (سورة التوبة / الآية26).
ولمّا كان اختصاص السّكينة في هذا الموضع به وحده (صلّى الله عليه وآله) إذ لم يشرك معه أبا بكر، دلّ على خروج أبي بكر من زمرة المؤمنين، إذ لو كان معه (صلّى الله عليه وآله) مؤمن لأشركه في السّكينة، كما أشرك المؤمنين معه (صلّى الله عليه وآله) فيما تقدّم من الآيات، فدلّ إخراج أبي بكر من السّكينة على عدم أهليّته للإيمان والسّكينة، وذلك يدلّ على عدم استعداده للإمامة الرّبانية.
وبهذا ينقطع استدلال المستدلّين بآية الغار على فضل أبي بكر وخلافته.. {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً} (سورة الفرقان / الآية23) !
| |
|