أبو سجاد الرتبــــــة
رقم العضوية : 9 الجنــس : المواليد : 15/05/1973 التسجيل : 19/12/2012 العمـــــــــــــــــر : 51 البـــــــــــــــــرج : الأبـراج الصينية : عدد المساهمات : 10278 نقـــــــــاط التقيم : 14107 السٌّمعَــــــــــــــة : 6 علم بلدك : الموقع : منتديات اهل البيت عليهم السلام مشرف منتدى الامام علي عليه السلام
| موضوع: الأمام الباقر عليه السلام والسياسة الأموية الخميس يناير 24, 2013 7:51 pm | |
| رحل الأمام السجّاد (ع) إلى جوار ربّه الاعلى سبحانه عام 95 هـ ، فنهض الأمام محمّد الباقر (ع) بأعباء إمامة المسلمين ، وقد امتدت إمامته تسع عشرة سنة ، قضى منها زهاء السنتين في حكم الوليد بن عبد الملك السلطان الاموي ، وسنتين في عهد سليمان بن عبد الملك ـ وهي مدّة حكمه فحسب ـ ويبدو أنّ الظروف في عهده لم تشهد تطوّراً نحو الاحسن في العلاقة بين أهل البيت (ع) والبيت الاموي الحـاكم ، فإنّ حادثة اغتيال الأمام السجّاد (ع) بالسمّ ، ومن قبلها مأساة الطف ما زالت حيّة في النفوس . ويبدو أنّ سليمان بن عبد الملك الّذي كان يخشى على ملكه وسلطانه من أهل بيت النبوّة (ع) ، لا سيما وقد ارتكب جريمة اغتيال الأمام السجّاد (ع) من قبل ، قد انشغل طوال فترة حكمه القصـيرة في تصفية كلّ القـيادات الّتي اعتمدها أخوه الوليدُ مِن قَبلُ ، فقد صبَّ حقدَهُ على اُسرةِ الحجّاج بسبب حقده على الحجّاج ذاته لعوامل شخصيّة لسنا بصدد ذكرها الآن ، كما عزل وُلاةَ الوليد البارزين ، وعاقب بعضهم بالموت كمحمّد بن القاسم(61) ، ومع انشغال سليمان بالاجهاز على ولاة الوليد ، كان كذلك مشغولاً بالطّعامِ والنِّساءِ والبَذْخِ بشكل جعل المؤرِّخين يقطعون بكونه أفسد ممّن سبقه من سلاطين بني اُميّة (62) . وبتولِّي عمر بن عبد العزيز قيادة الحكم الاموي حدثَ تحوّلٌ كبير لصالح الاسلام ودعوته ، فعلى الرّغم من قِصَرِ أيّام الرّجل المذكور في الحكم ، إلاّ أنّ مواقفه من أهل البيت (ع) كان فيها الكثير من الانصاف ، فقد عملَ على رفعِ الحَيْفِ عنهم ، وأطاحَ ببعضِ أنواع الظّلم الّذي لحق بهم ، فرفع السّبَّ عن الأمام عليّ (ع) مِن على المنابر ، وهي سنّة سنّها معاويةُ ، وعمّمها على الامصار ، فصارَ سُنّةً يَستَنُّ بها كلُّ سلاطين بني اُميّة في خطبة الجمعة ، حتّى عهد عمر عبد العزيز ، الّذي منعه ، واسـتبدل به في خطبة الجمعة قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (63) . وكما رفع السّبّ عن أمير المؤمنين أعادَ فَدَكا(64)إلى الأمام الباقر (ع) ، معتبِراً أمر مصادرتها من لَدُنِ الحكّام السّابقين غيرَ شرعيٍّ ، فعن هشام بن معاذ ، قال : « كنتُ جليساً لعمر بن عبد العزيز حيث دخل المدينة ، فأمر مناديه ، فنادى مَن كانت له مظلمةٌ أو ظُلامةٌ فلـيأتِ البابَ ، فأتى محمّد بن عليّ ، فدخلَ إليه مولاه مُزاحم ، فقال : إنّ محمّد بن عليّ بالباب . فقال أَدْخِلْهُ يا مُزاحم . قال فدخلَ وعمر يمسح عينيه من الدّموع ، فقال له محمّد بن عليّ : ( ما أبكاكَ يا عمرُ ؟ ) . فقال هشام : أبكاهُ كذا وكذا يا ابن رسول الله . فقالَ محمّد بن عليّ (ع) : ( يا عمرُ ! إنّما الدُّنيا سوقٌ مِنَ الاسواق ، منها خرجَ قومٌ بما ينفعُهُم ومنها خرجوا بما يضرُّهُم ، وكمْ مِن قوم قد غرّتهُمْ بمثل الّذي أصبحنا فيه حتّى أتاهُمُ الموتُ ، فاستوعبوا ، فخرجوا مِنَ الدُّنيا ملومين لما لم يأخذوا لما أحبّوا مِنَ الاخرة عُدّةً ولا ممّا كرهوا جُنّة قَسَّمَ ما جمعوا مَن لا يحمدهم ، وصاروا إلى مَن لا يعذِرُهم ، فنحنُ والله مَحقـوقون ، أن ننظُرَ إلى تلك الاعمال الّتي كنّا نغبِطُهُم عليها فنوافقهم فيها وننظر إلى تلك الاعمال الّتي كنّا نتخوّفُ عليهم منها فنكفّ عنها ، فاتّقِ اللهَ ، واجعلْ في قلبك اثنتين : تنظرِ الّذي تحبّ أن يكوَن معك إذا قَدِمْتَ على ربِّك فقدِّمْهُ بين يديك ، وتنظرِ الّذي تكرههُ أن يكونَ معكَ إذا قَدِمتَ على ربِّك فابتغِ فيه البَدَلَ ، ولا تَذهَبَنَّ إلى سِلعة قد بارَتْ على مَن كانَ قبلك ترجو أن تجوزَ عنك ، واتّقِ اللهَ عزّ وجلّ يا عمرَ ، وافتحِ الابوابَ وسَهِّل الحُجّابَ ، وانصُرِ المظلومَ ورُدَّ المظالِمَ ) . ثمّ قال : ( ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه استكمل الايمان بالله ) ، فجثا عمر على ركبتيه ثمّ قال : إيه يا أهلَ بيت النبوّة . فقال (ع) : ( نعم ، يا عمر ! مَن إذا رَضِيَ لَم يُدخِلْهُ رضاهُ في الباطِلِ ، وإذا غَضِبَ لَم يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِن الحقِّ ، ومَن إذا قَدِرَ لَم يتناول ما ليسَ له ) . فدعا عمر بدواة وقرطاس ، وكتب : بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما ردّ عمرُ بنُ عبد العزيز ظُلامَةَ محمّدِ بن عليّ : فدك » (65) . وبالنظر إلى أنّ البيت الاموي لم يألفْ مُهادنةَ أهل بيت الرِّسالة (ع) قَطُّ ، فإنّ ابن عبد العزيز كان يواجه الضّغط من بني اُميّـة بسبب سياسته الانفتاحية عليهم ، فقد وردَ عن الأمام الصادق (ع) عن أبيه قوله : « لمّا ولي عمر بن عبد العزيز أعطانا عطايا عظيمة ، فدخل عليه أخوه فقال له : إنّ بني اُميّة لا ترضى منكَ بأنْ تُفضِّل بني فاطمة عليهم ، فقال عمر : اُفضِّلُهُم لانِّي سمعتُ ، حتّى لا اُباليَ ألا أسمعَ ، أنّ رسول الله (ص) كان يقول : إنّما فاطمةُ شجنة(66)منِّي يَسرُّني ما أسرّها ويسوؤني ما أساءها ، فأنا أبتغي سُرورَ رسول الله (ص) وأتّقي مساءَتَه » (67) . على أنّ زعامة ابن عبد العزيز لم تدمْ أكثر من سنتين وخمسة أشهر ، فتولّى الحكم بعده يزيد بن عبد الملك ، المشهور تأريخيّاً بلهوه وخلاعته وغزله الماجن . وإذا كان انشغال الاخير بأعماله الصبيانية ومجونة (68) ، لم يعطه فرصة التصدِّي لمسيرة الاسلام التأريخية الّتي يقودها الأمام الباقر (ع) ، فإنّ تولِّي هشام بن عبد الملك لقيادة السياسة المنحرفة ، قد خلق انعطافاً تاريخياً لغير صالح المسيرة الاسلامية ، فالحاكم المذكور كان خشن الطّبع ، شديد البُخْل ، فظّاً ، ناقماً على المسلمين من غير العرب ، فضاعف من حجم الضرائب الماليّة عليهم(69)،وأعاد أيّام يزيد والحجّاج الدموية ، فتصدّى له أهل البيت (ع) من خلال انتفاضة الشهيد زيد بن عليّ (ع) ، الّتي كانت صدىً لثورة الحسين (ع) وامتداداً لها ، فاستشهد هو وأصحابه ، وأمر الطاغية هشام بصلب جثّته ومن ثمّ حرقها (70) وذرّ رمادها في نهر الفرات !!! على أنّ الطغيان الاموي لم يكفه قتلُ زيد وأصحابه البَرَرَة ، وإنّما اتّجه نحو ضرب المواقع الاساسية لحركة الاسلام الّتي يمثِّلها الأمام الباقر (ع) وتلامذته . فقد أصدر هشام الحاكم الاموي قراراً يقضي بقتل جابر بن يزيد الجعفي ، أحد تلامذة الأمام الباقر (ع) ، غير أنّ الأمام قد أفشلَ مُخطّط القوم بالوسائل المتـاحة لمنصب الأمامة الشرعية عادة، إذ أمر تلميذه بالتظاهر بالجنون، كطريق وحيد لضمان نجاته من القتل(71) . وبمقدورنا أن ندرك حجم الظلم الّذي كان يُصبُّ على أتباع الرِّسالة الالهيّة في ذلك العصر الكالح حتّى يضطر الرجل منهم، على الرغم من فضله وعلمه، إلى التظاهر بالجنون ، وما ينجم عنه من إهانة الصبيان ، أو لعبه معهم ، كل ذلك درءاً للقتل عن نفسه وخلاصاً من الموت الّذي يدبّر له في الظلام . وهكذا تظاهر الجعفي بالجنون ، وامتطى قصبة ، وعلّق كعباً في رقبته ، فاجتمع عليه الصبيان في أزقّة الكوفة والجميع يقولون : جُنَّ جابر(72) !!! ولم تمضِ غير أيّام قلائل حتّى أتت أوامر هشام إلى واليه على الكوفة بوجوب قتل جابر الجعفي وإنفاذ رأسه إلى دمشق ، غير أنّ الوالي حين سأل عنه من أجل أن ينفِّذ فيه الجريمة ، قيل له : « أصلحك الله كان رجلاً له فضل وعلم وجُنَّ ، وهو دائرٌ في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم » (73) . فعدل الحاكم المحلِّي عن قتله بعد اقتناعه بجنونه . إنّ هشام بن عبد الملك كان واثقاً من أن مصدر الوعي الاسلامي الصحيح إنّما هو الأمام البـاقر (ع) وأنّ وجـوده حُرّاً طليقاً يمنحه مزيداً من الفرص لرفد الحـركة الاصلاحية في الاُمّة وتكريس مدّها المتعاظم، ومن أجل ذلك رأتِ السياسةُ المنحرفةُ ممثّلة بحفيد مروان أن يحال بين الأمام (ع) وبين استمراريته بالعمل الرِّسالي لصالح الاسلام والاُمّة ، وقد اتّجه المكر الاموي نحو اعتقال الأمام (ع) وإبعاده عن عاصمة جدّه المصطفى (ص) الّتي اجتمعت هي والحجاز عموماً على إجلاله والتمسُّك به . وهكذا حُمِلَ الأمام(ع)وابنه جعفر الصّادق(ع)إلى دمشق بأمر السّلطة الاموية لايقاف تأثيره في الاُمّة المسلمة وحجبه عن أداء دوره الرسالي العظيم ، واُودِعَ في أحد سجون الحكم هناك . بيدَ أنّ تأثيره الفكري فيمن التقى بهم حمل السّلطة الاموية على إطلاق سراحه كما تفيد رواية أبي بكر الحضرمي ، حيث يقول : « لمّا حُمِلَ أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك ، وصار ببابه ، قال هشام لاصحابه : إذا سكتُّ من توبيخ محمّد بن عليّ فَلْتُوَبِّخـوهُ ، ثمّ أمر أن يُؤذن له ، فلمّا دخل عليه أبو جعفر قال بيده : السّلام عليكم ، وأشار بيده ، فعمّهم جميعاً بالسّلام ، ثمّ جلس، فازداد هشام عليه حَنقاً بتركه السّلام بالخلافة، وجلوسه بغير إذن . فقال : يا محمّد بن عليّ ! لا يزال الرّجلُ منكم قد شقَّ عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه وزعم أنّه الأمام سَفَهاً وقِلّةَ عِلم ، وجعلَ يُوَبِّخُه . فلمّا سكت هشام ، أقبل القوم عليه رجلاً بعد رجل يُسيءُ الادبَ مع الأمام (ع) ، فلمّا سكت القوم نهض الأمام (ع) قائماً ثمّ قال : ( أيُّها الناسُ ! أنّى تذهبـونَ وأنّى يُراد بكم ؟ بنا هدى الله أوّلكم ، وبنا يختِمُ آخِرَكُم ، فإنْ يكن لكم مُلكٌ مُعجّلٌ فإنّ لنا ملكاً مؤجّلاً ، وليسَ من بعد ملكنا ملك لانّا أهل العاقبة ، ويقول الله عزّ وجلّ : (وَا لْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ) فأمر به هشام إلى الحبس . فلمّا صار في الحبس تكلّمَ ، فلم يبقَ في الحبس رجلٌ إلاّ تَرَشَّفَهُ وحَسُنَ عليه ، فجاء صاحب السجن إلى هشام ، وأخبره بخبره ، فأمر به فحُمِل على البريد ، هو وأصحابه لِيُرَدّوا إلى المدينة » (74) . وإذا كانت رواية الحضرميّ تؤكِّد أنّ إطلاق سراح الأمام (ع) من السجن الاموي كان بسبب تأثيره في السّجناء الّذين التقى بهم ، فإنّ رواية محمّد بن جرير الطبري في دلائل الأمامة (75) ، تفيد أنّ اطلاق سراحه إنّما جاء بسبب تأثيره على جماهير دمشق على إثر مناظراته لزعيم النصارى هناك ودحض آرائه ، وتبيان زيفها ، والردّ على كلّ الشّبهات التي أثارها حول الاسلام ، على أنّه ليس هناك مِن تعارض بين الرّوايتين إذ لا مانع من وقوع الحادثتين معاً ، فإنّ الأمام (ع) إنّما يتّبع الهُدى والحقَّ أينما حلّ ، طليقاً كان هو أو مُعتقلاً ، ما دام هناك إنسان يُلقي السّمعَ وهو شهيد . وإذا لم تُحَقِّقِ المُضايقة الامويّة غاياتِها الدنيئةَ في صدّ الأمام الباقر (ع) عن النهوض بمهامه الرِّسالية العظمى ، فقد رأت السياسة المنحرفة أنّه ليسَ عن اغتياله بديل . وهكذا دُسَّ إليه السمّ في عام 114 هـ (76) . فرحلَ إلى ربِّه الاعلى سبحانه صابِراً مُحتَسِباً . فسلامٌ عليه يوم وُلِدَ ، ويوم رحلَ إلى ربِّه ، ويوم يُبعثُ حيّاً | |
|