حسبي،الله ونعم الوكيل
قصّة واقعية وأليمة !
إنها طفلة لم تتجاوز السادسة من العمر مرمية على أحد القبور الحديثة و تحفر بكلتا يديها القبر و هي تقول باكية
“خلص اطلع ما عاد بدي ألعب غميضة طلاع أمانة”
...
أحزنني هذا المشهد كثيرا فاقتربت منها فإذا بوالدها يجلس على حافة قبر آخر و الدمع ينهمر بصمت من عينيه وهو ينظر إليها دون أن يمنعها
حاولت حمل الطفلة و إبعادها عن هذا العمل لكنها أبت إلا أن تتابع ما تقوم به و هي تبكي
سألت والدها عن السبب فأخبرني و الدمع يملأ عينيه و الحرقة تعتصر قلبه
قال لي : “في ذلك اليوم أراد ابني أن يخرج من البيت لكن أخته هذه منعته من ذلك و هي متعلقة به كثيرا و كلما هم بالخروج قامت بالبكاء الشديد لتمنعه
فما كان منه إلا أن لجأ إلى الخدعة معها فقال لها : يلا ما عاد بدي روح خلينا نلعب غميضى
فقبلت :: و لعبا سوية فهي تغمض و هو يختبئ و بعد عدة مرات أغمضت عينيها و استغل الفرصة و خرج من المنزل
فتحت عينيها و بدأت بالبحث عن أخيها دون جدوى
و ما هي إلا لحظات حتى رن جرس هاتفي ظاهرا عليه اسم ابني فتحت الخط فإذا بي أسمع أصوات ضجيج و صوت رجل غريب أخبرني بأن ابني قد استشهد برصاص قناص غادر وضيع
شيعناه في اليوم التالي فشاهدته ابنتي و هو محمول على الأكتاف فنادته فلم يستجب
فقالت لي : بابا و ين آخدينو لأخي
فقلت لها في حيرة : رح ياخدوه حتى يتخبى منشان تكملو لعبة الغميضة
فقالت : بس أنا ما عاد بدي إلعب
فقلت لها : بس هالمرة
و أثناء دفنه أغمضت ابنتي عينيها في حجري و قالت لي هامسة : يللا خلي يتخبى
لقد و ضعناه في الحفرة و لفه تراب الوطن شهيدا بإذن الله و عدنا إلى البيت
و من يومها تطلب منا كل يوم أن نأتي إلى المقبرة لأنها تعرف أن أخيها قد اختبأ هنا و تقول : يا متخبي احفير و طلاع
ثم شهق شهقة أحرقت قلبي و قال لي : و الله ما عاد يطلع
ثم أجهش بالبكاء حتى احمرت عيناه و ابتلت لحيته”
فتركتهما و خرجت من المقبرة و أنا أردد في نفسي و الدمع في عيني :
لاحول ولاقوة الا بالله .. حسبنا الله ونعم الوكيل