بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإشتياق للموت
و بناءً علي هذه الحقيقة فانّ الموت سوف لن يوجد الاضطراب و لا الحيرة و الفزع للعارف و المؤمن، بل انّه سيُثير فزع الافراد الذين ابتعدوا عن تجرّد النفس بالانغمار في عالم المادّة و الشهوات، و الذين لم يعرفوا ربّهم بسبب عدم معرفة عوالم القرب و عدم الانس بها، اولئك الذين يجعلهم جهلهم في فزع و اضطراب دائمين.
أمّا المؤمن الذي لم يتخطّ طريق الحقّ قدماً واحداً، و الذي وافق بين عمله و صفاته و بين الحقّ و أمر الحقّ، فطوي كشحه في هذه الدنيا عن عالم الغرور و تجافي عنه، و مال الي دار الخلود و الابديّة، و كان عاشقاً و محبّاً للقاء الله، فهو كذلك عاشق للموت، عاشق للتجرّد، لانّه محبّ لله مؤمن بفردانيّته، فهو يتمنّي كلّ يوم أن يخلع لباس البدن و يرتدي خلعة التجرّد و زيّه، بل انّه يسعي علي الدوام ليقلّل كلّ يوم درجةً من غروره ومجازه، و يقترب كلّ يوم درجةً من إدراك المعني و الحقيقة، حتّي يصل الي الحد الذي تصبح لديه جميع الامور الدنيويّة الفانية مدفونة في سراب البطلان و العدم، و حتي يتحقّق لديه تجلّي عالم الانوار و الحقيقة.
يقول الباري عزّوجل في خطابه لليهود:
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الاْخِرَةُ عِنْدَ اللَهِ خَالِصَةً مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَـ'دِقِينَ * وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيْهِمْ وَاللَهُ عَلِيمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ [1]
يا أيّها النبيّ قل لليهود (الذين يدّعون انّهم مقرّبون عندالله، و انّ الآخرة و الجنّة ملكهم المنحصر بهم) قل: إن كانت الجنّة و المنزل الخالد عندالله لكم فقط لا يستفيد منه الآخرون، و إن صدقتم في ادّعائكم هذا فتمنّوا الموت. و لن يتمنّونه أبداً بسبب أساليبهم و أعمالهم الظالمة التي اجترحوها و قدّموها قبلهم، و الله سبحانه عليم بالظالمين.
أي انّ من عمل صالحاً، و لم يتجاوز علي حقوق الآخرين، و لمينحرف عن مقام عبوديّته لله سبحانه، سيكون قد وجد الارتباط بالله والمعرفة به، و هذا الانس و العلاقة سيوجبان محبّته و نزوعه الي لقاءه والنظر اليه عزّوجل، و باعتبار انّ الموت يمثّل جسر العبور للّقاء والوصال، فانّ المؤمن ينبغي أن يكون عاشقاً للموت، لانّ عاشق الحبيب يعشق أيضاً الطريق الذي يقوده الي حبيبه. و يقول تعالي أيضاً:
قُلْ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنُّوُا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَـ'دِقِينَ * وَ لاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَالَلهُ عَلِيمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ. [2]
انّ من يعقد آماله علي عالم الغرور، فينحصر نظره الي عالم الوجود من نافذة الشهوة و الغضب و الاستثمار و التعيّن و الحكومات غير اللائقة، اي انّ من انغمر في عين الجهل و ابتعد عن عالم الحقيقة الماثل في متن الواقعيّة، و ابتعد عن الله سبحانه و لم يُبدِ خضوعاً في مقام العبوديّة له، فهو ليس عاشقاً لله أبداً، بل هو مُدّعٍ كاذب و ليس من أولياء الله، لانّ الوليّ عاشق لمولاه، كما انّه ليس محبّاً لانّ المحبّ مشتاق لزيارة و لقاء حبيبه.
انّ اليهود يدّعون انّهم النخبة و الصفوة من ولد آدم، و انّهم لن يحترقوا في نار جهنّم يوم القيامة الاّ أيّاماً معدودات هي الاربعين يوماً التي تمرّدوا فيها علي هارون وصيّ موسي فعبدوا العجل، و هم كاذبون في ادّعائهم هذا، لانّ آثار المحبّة لا تبين في هيكل وجودهم و في أرجاء عملهم و اسلوبهم و سلوكهم المعرّف بصفاتهم و ذواتهم وطريقة تفكيرهم.
اولئكم عشّاق الدنيا، المتلهّفون لكنز المال و الثروة، و هم لذلك يعشقون ايّ سبيل ينهج بهم الي معشوقهم و معبودهم، و لو كان قتل النفوس البريئة و نهب الاموال المحترمة. اولئكم عشّاق حياة عالم الغرور لا عشّاق الابديّة و السرمديّة.
اُقتلوني اُقتلوني يا ثِقاة إنَّ فِي قتلي حياةً في حياة [3]
و في رواية عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال:
لمّا أراد الله تبارك و تعالي قبض روح ابراهيم عليه السلام أهبط ملك الموت فقال: السلام عليك يا ابراهيم!
قال: وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا مَلَكَ الْمَوتِ. أدَاعٍ أمْ نَاعٍ؟قال: بل داعٍ يا ابراهيم، فأجب.قال ابراهيم: فَهَلْ رَأَيْتَ خَلِيلاً يُمِيتُ خَلِيلَهُ؟قال: فرجع ملك الموت حتّي وقف بين يدي الله جلّ جلاله فقال:الهي قد سمعتَ ما قال خليلُك ابراهيم.فقال الله جلّ جلاله: يا ملك الموت اذهب اليه و قل له: هَلْ رَأيْتَ حَبِيبَاً يَكْرَهُ لِقَاء حَبِيبِهِ؟ إنَّ الْحَبِيبَ يُحِبُّ لِقَاءَ حَبِيبِهِ.[4]
الهوامش
:[1] ـ الآية 94 و 95، من السورة 2: البقرة.[2] ـ الآية 6 و 7، من السورة 62: الجمعة.[3] ـ يقول: وجدتُ في حياتي موتي، ادركتُ انّ الخلود في رحيلي عن هذه الحياة اقتلوني اقتلوني...[4] ـ بحار الانوار طبع الاسلامية، ج 6، ص 127، نقلاً عن أمالي الصدوق، عن الدقاق، باسناده عن ابن ظبيان، عن الصادق عليه السلام عن آبائه الواحد تلو الآخر الي أميرالمؤمنين عليه السلام كما يرويه في ج 12، ص 78 بنفس السند عن الامالي و علل الشرايع.