وفاء الموسوي الرتبــــــة
رقم العضوية : 6 الجنــس : التسجيل : 18/12/2012 عدد المساهمات : 2483 نقـــــــــاط التقيم : 4743 السٌّمعَــــــــــــــة : 2 علم بلدك : ادارة منتدى
| موضوع: سورة الواقعة : بيئة أصحاب اليمين الثلاثاء أكتوبر 08, 2013 10:46 pm | |
| و الآن لنقرأ نصوص القصة في رسمها لبيئة الجنّة التي اُعدّت لأصحاب اليمين:
﴿وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ﴾
﴿فِي سِدْر مَخْضُود وَ طَلْح مَنْضُود وَ ظِلّ مَمْدُود﴾
﴿وَ ماء مَسْكُوب وَ فاكِهَة كَثِيرَة لا مَقْطُوعَة وَ لا مَمْنُوعَة﴾
﴿وَ فُرُش مَرْفُوعَة﴾
﴿إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً﴾
إنّ المتأمّل لهذه البيئة التي اُعدّت لأصحاب اليمين ، يجدها عبر المقارنة بالبيئة التي اُعدّت للسابقين ، ذات فارقية كبيرة دون أدنى شك فيما يتصل بدرجة الإشباع ، أو درجة التَرَفِ ، مع ملاحظة غياب العنصر الاجتماعي المتمثل في تحديد العلاقات القائمة بين الأطراف .
و واضح أنّ لهذا الفارق بين البيئتين مسوّغاته المتصلة بالفارقية بين الفريقين في ممارساتهما لمهمّة الخلافة في الأرض .
كما أنّ الطرائق الفنّية التي سلكتها القصة في هذا الصدد يُجلي حقائق جديدة ينبغي أن نقف عندها مفصّلا .
* * *
المُلاحَظ أنّ أوّل عنصر يختفي في الجنّة التي يرفل فيها أصحاب اليمين ، هو عنصر المكان من حيث وسائل التَرَف الذي يصاحبه . فليس ثمة إشارة إلى السُرر التي وُصفت بأنّها محبوكة موضونة ، متكئين عليها متقابلين .
هذه الأوصاف: السُرر ، كونها موضونة ، الإتكاء عليها ، مقابلة الأحبّة واحداً حيال الآخر . هذه الأوصاف التي لحظناها ـ فيما يتصل بعنصر المكان ـ قد اختفت هنا عند أصحاب اليمين ، بحيث لم يرد أيّ وصف لمكان الجلوس ، عدا: الظلّ الممدود و الفرش المرفوعة التي لا نملك يقيناً بأنها تعني المكان المفروش ، مادام ظاهر النص و بعض النصوص المفسّرة تذهب إلى أنّ المقصود بها النساء .
و السؤال هو: هل أنّ القصة اعتمدت عنصر الاقتصاد في عملية السرد القصصيبحيث لم تكن ضرورةٌ لوصف سَبقَ أن قدّمته لأصحاب السبق السابقين ، فحذفته هنا ، اعتماداً على كشف القارئ لهذه الحقيقة ؟
هذا السؤال لا يمكن الإجابةُ عليه بحسم و يقين ، ما دمنا بالضرورة نُدرك بأنّ فارقاً بين درجات الإيمان يطبع المؤمنين دون أدنى شك .
و تبعاً لذلك ، فإنّ درجات الإثابة لابدّ أن تـتفاوت بدورها أيضاً ، بحيث تنعكس على مستويات التَرَفِ في الجنّة .
بيد أنّنا في نصوص قرآنية كريمة اُخرى نجد تعميماً لأصحاب الجنّة فيما يتصل بوسائل الجلوس ، من نحو قوله تعالى:
﴿عَلَى الاَْرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾
﴿فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾
﴿زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾
﴿نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ ...﴾
فالأرائك و السُرر و الفرش اتّكاءً عليها أو جلوساً ، قد وردت في سياق أصحاب الجنّة دون أن تشير هذه النصوص القرآنية إلى الفارقية بين الأصحاب .
و الملاحظ أنّ أصحاب اليمين قد اختفى مثل هذه الأوصاف من بيئاتهم في الجنّة قبال الوصف التفصيلي لأصحاب السبق .
و السؤال للمرة الجديدة ، لماذا لم يرد وصف المكان لأصحاب اليمين ؟
و هل أنّهم داخلون في التعميمات الواردة في وصف أهل الجنّة ،
فيشملهم هذا الوصف للمكان ، و إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا اختفى وصف المكان هنا قبال الوصف التفصيلي للسابقين ؟
لقد وُصِفَت بيئةُ أصحاب اليمين في الجنّة ، بأنّ ما يكتنفهم هو:
1 ـ سدرٌ مخضود: منزوع الشوك لا يكلّف صاحبَه رشحةَ تعب يبذله في نزع الشوك عند تناوله .
2 ـ طلحٌ منضود: نوعٌ من الأثمار أو الأشجار يتميّز بجمال الطعم أو الشكل .
3 ـ ظِلٌّ ممدود: ظلّ باق لا يزول .
4 ـ ماءٌ مسكوب: لا ينقطع عنهم .
5 ـ فاكهة كثيرةٌ: لا تنقطع في موسم دون آخر ، و لا تُمنع عليهم بسبب أو بآخر .
6 ـ فُرُش مرفوعة: قد تكون بُسُطاً عالية و قد تكون رمزاً للحور .
و يعنينا من هذا الوصف صلته أوّلا بسلوكنا الدنيوي ، و الفارق بين السابقينو أصحاب اليمين ثانياً ، من حيث صلته أيضاً بسلوكنا الدنيوي .
أمّا الفارق بين الجنّتين ، أو البيئتين ، أو المكانين اللذين خُصّصا لكلّ فريق أو طبقة فمن الوضوح بمكان كبير .
إنّ مستويات التَرَفِ التي لحظناها في وصف السابقين قد اختفت هنا تماماً ، سواء أكان ذلك متصلا بالمكان ، أو الأكلّ و الشرب ، أو الخدمة .
على سبيل المثال: لم يرد وصفٌ في كلّ نصوص القرآن الكريم من حيث المكان ، بأنّ السرر موضونة أي محبوكة ، منسوجة ، متشابكة إلاّ في مورد واحد هو وصف السابقين .
و من حيث الخدمة لم يرد وصفٌ للكؤوس ، و الأباريق ، و الأكواب مُجتمعةً ، إلاّ في مورد واحد هو وصف السابقين .
و من حيث الأكل فإنّ لحوم الطير لم ترد إلاّ في مورد واحد هو وصف السابقين .
إنّ ذلك يعني ـ من حيث الدلالة الفكرية ـ أنّ الاشباع الاُخروي يقابله جوعٌ دنيوي يتناسبان طردياً أحدهما بالنسبة إلى الآخر .
فالسابقون: هم خاصة البشر ، أولياءُ ، مُتّقون . لم يصدر عنهم سلوك خاطئ ، إلاّ ما لا يُطلق عليه مصطلح الخطأ .
أمّا ما دونهم فقد يتراوحون بين الصواب و الخطأ على نِسَب مختلفة ، لكنهم بعامّة متّجهون نحو اللّه ، يوظّفون طاقاتهم للخلافة في الأرض .
فالمهمّ أنّ المُتمحّض في نشاطه للّه ، غير الممتزج برائحة الذات .
فالمُـجاهد في سوح القتال غير القاعد .
و المُجاهد بدمه غير المُجاهد بأمواله فحسب .
و هكذا فيما يتصل بجهاد النفس .
المهمّ ـ للمرّة الجديدة ـ أنّ الدلالة الفكرية للقصة ، مُؤشّرٌ إلى أنّ الشخصية الإسلامية بقدر ما تـتنازل عن ذاتها في الحياة الدنيا ، تحقق إشباعاً اُخروياً يتناسب مع درجة تنازلها عن الذات . . . و في هذا كفايةٌ لكلّ مُعتبر .
ولعلّ ما يعزّز هذه الدلالة المستخلصة مِن أنّ حجم التنازل عن الذات في الدنيا يتناسب مع حجم الإشباع في الاُخرى ، هو الوصف الذي بدأت القصةُ به في بيئة أصحاب الشمال ، بعد أن انتهت من وصف البيئة للسابقين و أصحاب اليمين . | |
|