هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم حتى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية
المقدمة
تمجيد الله بذكر تجليه بالأسماء الحسنى
وبيان عملنا في هذه الصحيفة
تمجيد الله بأسمائه الحسنى وصلاة على النور الأول لتجليها:
ببسم الله الرحمن الرحيم أتوكل وأذكر :
{ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }[1] { وَلِلَّهِ الأسماء الحسنى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[2] .
{ قُلْ ادْعُوا اللهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الحسنى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً }[3] .
{ هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ ()
هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ()
هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسماء الحسنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[4].
فلله الأسماء الحسنى وكل شيء يُسبح بها بوجوده وهو ظهورا لها :
قال الله تعالى : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ () لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ()
هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[5]
ولذا وجب علينا أن نستجيب لله لنحصل على نور أسماءه الحسنى :
قال الله تعالى : { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ الْحُسْنَى
وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }[6].
{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى
وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا }[7].
ولنلتحق بمن سبقت لهم الحسنى نبينا وآله والمخلصين لله بهداه :
لأنه : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ () لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ () لاَ يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[8] { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }[9].
لأن الله تعالى صلى على نبينا وآله وسلم لهم حسناه ولمن تبعهم :
وذلك إذ قال سبحانه : { إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[10].
{ قُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى
آ اللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ }[11] .
{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } [12].
فيا ربي إني أصلي وأسلم عليهم فزدني حسنى وأشكر ودي لهم :
لأني أستجيب لأجمل ظهور أسمائك الحسنى في الوجود وأعظمها نورا وأقول بكل وجودي مقرا مذعنا :
لبيك اللهم لبيك : لبيك اللهم ربنا وسعديك ، تلبية الضعيف بين يديك ، تلبية الخائف الفقير إليك ، سمعنا لك وأطعنا ، ربنا وسيدنا ومولانا .
اللهم : اجعل شرائف صلواتك وتحياتك ورأفتك ورحمتك وتحيتك ، على محمد عبدك ، ورسولك إلى خير خلقك ، وصفيك وخليلك لنفسك ، ونجيك لعلمك وأمينك على سرك ، وخازنك على غيبك ومؤدي عهدك ، ومنجز وعدك ، والداعي إليك وحدك ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، البشير النذير ، السراج المنير ، الطهر الطاهر ، العلم الزاهر ، المبعوث بالرسالة ، والهادي من الضلالة ، الذي جعلته رحمة للعالمين ، ونورا يستضيء به المؤمنون ، وبشيرا بجزيل ثوابك ، ونذيرا بالأليم من عقابك .
وأشهد : أنه قد جاء بالحق من عندك ، وبلغ رسالاتك ، وتلا آياتك ، وأمر بطاعتك ، ونهى عن معصيتك ، فبين أمرك ، وأظهر دينك ، وأعلى الدعوة لك ، و جاهد في سبيلك ، وعبدك حتى أتاه اليقين من قولك .
فصل اللهم : أنت عليه كما هديتنا به من الضلالات ، وخلصتنا به من الغمرات وأنقذتنا به من شفا جرف الهلكات ، وأدخلتنا به في الصالحات ، وأعطيتنا به الحسنات وأذهبت به عنا السيئات ، ورفعت لنا به الدرجات ، اللهم فاجزه عنا أفضل و أعظم وأشرف جزاء النبيين ، وخير ما جازيت نبيا عن أمته .
اللهم : وصل عليه أنت وملائكتك المقربون ، وأنبياؤك ورسلك المصطفون ، وأولياؤك وعبادك المؤمنون ، وأهل طاعتك أجمعون ، من أهل السماوات وأهل الأرضين .
اللهم : وأبعثه المقام المحمود الذي وعدته في الموقف المشهود ، تبيض به وجهه ، ويغبط به الأولون والآخرون ، مقاما تفلج به حجته ، وتقيل به عثرته ، وتقبل به شفاعته ، وتكرم به مرافقته ، وتلحق به ذرياته ، وتورد عليه عترته ، و تقر عينه بشيعته ، وتعظم برهانه ، وترفع شأنه ، وتعلي مكانه .
اللهم : فاجعله أقرب النبيين منك منزلاً ، وأدناهم منك محلاً ، وأفضلهم عندك نزلاً ، وأعظمهم لديك حباً وشرفاً ، وأعلاهم مكانا وزلفى ، وأرفعهم عندك درجة وغرفا ، وسيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وإمام المتقين ، وولي المؤمنين ، ونبي رحمة ، وسيد الأمة ، ومفتاح البركة ، والمنقذ من الهلكة ، ورسول رب العالمين .
اللهم : صل على محمد وآل محمد ، واستعملنا بطاعتك وسنته ، وتوفنا على ملته ، وأبعثنا في شيعته ، واحشرنا في زمرته ، ولا تحجبنا عن رؤيته ، ولا تحرمنا مرافقته ، واجعلنا ممن تبعثنا معه حتى تسكنا غرفه ، وتوردنا حوضه ، وتخلدنا في جواره .
اللهم : إنا نؤمن به وبحبه ، فأحببنا لذلك ، ولا تفرق بيننا وبينه ، آمين رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأبلغ محمدا عنا أفضل التحية والسلام ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .
وأسلم عليه وعلى آله الكرام محل أجمل وأكمل تجلي لأسمائك الحسنى :
السلام عليكم : يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة ، وخزان العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم ، وقادة الأمم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ، ودعائم الأخيار ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وأبواب الإيمان ، وأمناء الرحمن ، وسلالة النبيين ، وصفوة المرسلين ، وعترة خيرة رب العالمين ، ورحمة الله وبركاته .
السلام : على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وذوي النهى ، وأولي الحجى ، وكهف الورى ، وورثة الأنبياء ، والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ، ورحمة الله وبركاته .
السلام : على محال معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحفظة سر الله ، و حملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورحمة الله وبركاته .
السلام : على الدعاة إلى الله ، والأدلاء على مرضاة الله ، والمستقرين في أمر الله ، والتامين في محبة الله ، والمخلصين في توحيد الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين ، الذين لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ، ورحمة الله وبركاته .
حقائق كريمة عن صحيفة الأسماء الحسنى وظهورها :
يا أخي : منذ زمن بعيد ما يقارب الستة سنوات أو أكثر ، مرت قبل شهر رمضان الحالي لسنة 1425 للهجرة النبوية المباركة ، وهاأنذا في ليلة القدر منها أكتب هذه الكلمات ، وكنت قد كتبت بتوفيق الله صحيفة التوحيد الثانية للكاملين وقد تمت فيه هذه الليلة مراجعتها ورفعها للإنترنيت في موقع موسوعة صحف الطيبين ، وهاأنذا أشرع بمراجعة ما كتبناه في صحيفة الأسماء الحسنى الإلهية لتكون الجزء الثاني من صحيفة التوحيد للكاملين ، ومكملة لها ، بعد أن كان ما قبلها في معارف الإيمان وأدلة التوحيد ومراتبه ، ومعارف عامة في الأسماء الحسنى وشرح مختصر لبعضها و لإحاطتها ولتجليها وكيفية طلب نورها والتحقق به بشرح وافي ، وإنه كان قبلها الجزء الأول لصحيفة التوحيد وهو لليافعين ، وحتى إن شاء الله تأتي باقي صحف التوحيد للعارفين وما يتممها بإذن الله وتوفيقه ، وإنها ومثيلاتها كُنَّ في طي الأوراق حتى وفقني لله لأن أعيد النظر فيها وأن أنضد حروفها بيدي في الحاسب مجريا عليها الشرح والترتيب بما أراه مناسبا.
وأسأل الله : أن يتجاوز عني في يوم الحساب ولا يأخذني بتقصيري وانشغالي ، حيث لم أوفق لأعدادها قبل هذا الزمان ، ومع ما أكن له ولها حبي ولكل ما فيها من المعارف الكريمة في تجلي أسماء الله الحسنى .
فإنه قد عرفت يا طيب : في أول المقدمة إن الله تعالى له الأسماء الحسنى والصفات العليا وبها تجلى في الكون ، وظهر الوجود ومراتبه وكل الكائنات في السماوات والأرض وفيما بينها ، فكون نوره الحسن الكريم ظهور أكرم خلق الله ، ثم من اقتدى بهم ، فلحقهم العباد المؤمنين الطيبين بحسب جدهم واجتهادهم بالإخلاص بهداهم في عبودية الله وإقامة دينه القيم الحسن ، والذي علموه لهم شرحا وبيانا بكل وجودهم وتصرف لهم وبصفاتهم وسيرتهم وسلوكهم ، فأخذوه منهم وتحلى به الطيبون ، ثم طبقوه فتجلوا ظاهرين به بكل أخلاص المخلصين ، وتخلوا عما ينافيه ويمنع من اقتباس نوره ، فحصلوا على الحسنات وحَسِنوا في الذات والصفات والأعمال فكونوا مملكة نعيمهم وبتجلي أسماء الله الحسنى الجمالية عليهم ، فكانوا معهم ومنهم في كل حسن ونعيم ونور وبهاء وسناء وفي كرامة الله تعالى وفضله ، ولذا عرفت بعض الصلاة والسلام المفصل عليهم لأنهم أكمل نوره ، وأتم ظهور لأسماء الله الحسنى في الوجود صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، وجعلنا الله معهم ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
ويا أخي : ستعرف هنا في هذه الصحيفة حقائقه كريمة أخرى عن تجلي الأسماء الحسنى ، فإنه سوف نذكر أولاً معنى كل اسم من الأسماء الحسنى وفق اللغة والعرف وعند أهل الشرع ، وبذوق الحكماء والعارفين بقدر الممكن وما عرفنا من حسن ظهورها ، ثم نتبع هذه المعرفة اللغوية والذوقية العقلية ، بتعريف التجلي العام للأسماء الحسنى الكلي في الكون كله بمعرفة مختصرة ، ثم نذكر أهم تجليها في أكرم خلق الله وظهورهم بنورها ، ثم نذكر ما يجب علينا من التحسن والتحلي بها عند الإقتداء بهم والظهور بالمعنى الواقعي للأسماء الحسنى في وجودنا وحقائقنا ، وبما علمونا بكل شيء من وجودهم من هدى الله والإخلاص له .
وبهذا نعرف : إن توفيق الله قد حصل لنا ، بمقدار تحققنا بنور الأسماء الحسنى ، والمتجلي من أكرم مراتب نوره علينا ، وبهذا نعرف حقائق تجلي الأسماء الحسنى في الوجود ومراتبه ، وحتى يرجع كل شيء له تعالى حسب شأنه الذي أكتسبه من نورهم ، والذي أنزله الله فيهم كما عرفنا سبحانه في آيات النور والبيوت المرفوع ذكر رجالها المتنورون بفضله ، ونحن بمقدار طلبه وسعينا بالإخلاص للتحقق بالأسماء الحسنى الإلهية المتجلي نور هداها من مصدر إشراقهم الموفق ، والمظهر المصطفى المختار للظهور بها في الكون بأول ظهور وأحسنه ، نكون متنورين بإذن الله تعالى ومن مدده المشرق بأسبابه وعلله المعلقة بعز قدسه .
وقد علمت في الصحيفة السابقة للكاملين : بأن تجلي نور الأسماء الحسنى في الوجود بالعدل الإحسان ، وإنه تعالى خص أول نور تجليها بهم لعلمه تعالى بإخلاصهم ، وبتفانيهم في إطاعته للتحلي والتجلي به والتخلي عن كل مانع منه ، فسبقت لهم الحسنى ، فجعلهم ولاة لدينه وأئمة للناس يهدونهم لصراطه المستقيم ، فيتحلى بالحسنى والحسنات ويزداد بهاء وسناء من تحقق بهداهم وتابعهم بحق ، ولم ينحرف عنهم و لم يهجر هداهم .
فيا أخي الطيب : لو تدبرت فيما ذكرنا أعلاه وفيما ذكرنا من تمجيد الله سبحانه وتعالى ، لعرفت مراتب من التجلي العام وكيفية ظهور الأسماء الحسنى الإلهية ، والتوفيق الإلهي لظهور أسماءه الحسنى في عباده الأخيار الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، ومن تبعهم فاقترف الحسنى وغفر الله تقصيره ، بل شكر سعيه ، لأنه حب وود بحق حسناه لعباده المصطفين الأخيار ، كما صلى عليهم وسلم لهم هداه ، وتسلمه منهم ، فسلم عليهم وسلم لهم وسَلِم في الدنيا والآخرة ، وتحقق بالحسنات ، ولم يكن من الطرف الأخر المبعدون بالضلال والسيئات والعياذ بالله منهم ، وإن كان كل شيء راجع له تعالى ولو بخافت حُسنة .
فيا أخي : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وقال تعالى : { أدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) } الأعراف .
ولكن يا طيب : الرجوع بالأسماء الحسنى الجمالية لجنة الحُسن ، وبالحسنات مقتنين كل شيء فيها ، والذين يكون حسن وجميل وبهي ، هو بحق النعيم المقيم الذي لا يزول ، والمعد لعباد الله الذين أحسنوا وظهروا بأسماء الله الحسنى حسب معرفتهم بحقائقها ، ومجالي وجوب ظهورها واستحبابه ، فكانوا لنورها محلا وتحليا وتجليا وظهورا ، وتخلو عن كل منافي لها ومبعد عن التحقق بها ، فكانوا طيبين طاهرين قد حسن وجودهم ببركة الأسماء الحسنى الجمالية .
وأما المبعدون الضالون والعياذ بالله منهم : فهم بعد في حيطة الله وتحت قيوميته ولم يخرجوا عن ربوبيته ومالكيته تعالى ، ولا ابتعدوا عن سلطانه ، ولا استغنوا عن رزقه ومدده لهم بالأسماء الحسنى ، ولكن مده لهم ليقيم عليهم الحجة ، فيمتعهم بنعمه وحسناه ، وإن عصوا ببركاتها ويطلبون بها الضلال والظلام ، حتى حين يستوفون رزقهم ، فيستولي ويتشدد بالظهور عليهم بالأسماء الحسنى الجلالية القهرية المنتقمة لكل من رفض الأسماء الحسنى الجمالية ولم يتحقق بحسنها ، فيكون في حرمان وتشديد وتضييق وحرق وقهر إليه بأشد حيطتها والعياذ بالله من عذابه وغضبه وانتقامه المعد للظالمين والمبعدين عن رحمه لتعصيهم على نوره .
ولذا يا أخي : بهذا نعرف أهمية معرفة الأسماء الحسنى الإلهية وجمال البحث في حقائقها ، لأنه نعرف أكرم خلق الله لنكون معهم ، ومن لهم أحسن نصيب منها فنتحسن بحسن ظهورهم بها ونقتدي بهم ، ونسير بهداهم على صراط مستقيم لكل نعيم الله تعالى ، وحتى لنكون منهم ومعهم بتوفيق الله ، وبنفس الوقت لنبتعد عن المبعدين عن جمال ظهور الأسماء الحسنى ونتخلى عن كل ما يوجب ظهور القهر عليهم ، وذلك بترك كل مبعد عن الأسماء الحسنى الجمالية .
فنفر من الله إليه : فيحسن وجودنا ، هذا بالإضافة :
لما نعرفه بحق المعرفة وبيقين الإيمان : من أن أحسن معرفة في الكون والوجود هي معرفة الله تعالى ، وهي تتحقق بما علمنا من نور ظهور أسماءه الحسنى وصفاته العليا ، وهذا هو نصيبنا من معرفة عظمة الله تعالى ، وعلياء ظهور عدله الحسن على كل مستحق حسب طلب نور أسماءه الحسنى بالحق ، فهي معارف كريمة لا يوجد أعلى منها شيء في معارف الوجود ، لأنها معارف حسنة تُخلد المتحقق بحسنها بالحُسن الخالد والجمال الدائم والنعيم الباقي بإذن الله ، وفي كل كرامة وعز ومجد ونعيم مع نور وبهاء وسناء دائم ، فيكون المسلم لها والمؤمن بها بيقين التحقق ، في نور حقائق ظهور جمال الله تعالى ورحمته وكرمه وعدله ، بل يكون له أحسن نصيب من أسماء الله الحسنى ، وهذا غاية خلق الوجود وغرض العباد ، وما يصبوا إليه العارفون ويتحقق به الكاملون ، ويصير فيه المحسنون في الدنيا والآخرة ، جعلنا الله منهم وحشرنا الله معهم .
وإنك عرفت يا طيب : إنه كتبنا قبل هذه الصحيفة صحيفة التوحيد ، وقد عرفنا فيها أهم أدلة التوحيد ، وكيف نصف الله سبحانه وتعالى بالأسماء الحسنى ، وحقائق صدقها عليه في مراتب الوجود العيني الذاتي ظاهرا وباطنا ، و في الوجود الفعلي وكيفية وصفه بها ، وعرفنا معاني قسم منها ، وكيفية أحاطتها ، وبعض معاني سعتها ، ومعاني ومعارف عن بعضها وكيف يتحقق بها العباد في معارف كريمة قد عرفتها في الجزء الأول ، وسيأتي بيانا آخرا هنا .
وهنا في هذه الصحيفة : شرح كريم لمعاني حديث شريف فيه تسعة وتسعين أسما من أسماء الله الحسنى ، فنتوسع بمعارف الأسماء الحسنى بعض الشيء بشرحها وبيان حقائقها ، وقد كثر ذكر هذا الحديث الذاكر للأسماء الحسنى في الكتب وشرحه كثير من العلماء ، ولكن لشرحنا حُسن تعرفه بالتدبر فيما ذكرناه هنا ، ولم يتطرق له من الشارحين قبلنا بهذه السعة ، فهو هنا معرفة للمعنى وللتجلي ولحقائق الظهور في مراتب الوجود العام والخاص للمؤمنين وأئمتهم .
كما يا أخي الطيب : سيأتي بحث أعلى في معارف الأسماء الحسنى في صحيفة التوحيد الثالثة فأنتظر ، فإنه بحث كريم في معارف الظهور والتجلي في نفس المراتب العالية ، دون النظر لعالم الشهادة وظهورها فيه في المؤمنين وأئمتهم أو أعدائهم أو غيره من خلق الله في هذا العالم ، وإن ذُكر فاليسير منه للضرورة مع صغر وجوده وضيقه بالنسبة لتلك العوالم ، ولمعرفة هذا أنظر اسم الله الحسن العظيم في الجزء الثالث لهذه الصحيفة ، فإنه هناك مراتب تحقق الوجود العظيم الطيب الطاهر العالي والواسع جدا وفوق حد التصور في مراتب الجمال الملكوتية والجبروتية وإن كانت من الخلق ، بل هناك مراتب الواحدية والأحدية لظهور نفس الأسماء الحسنى ، وهي مرتبة عالية وعالية معارفها فهي للعارفين وستأتي إن شاء الله .
كما إنه يا أخي : قد شرحنا كثير من معاني التجلي والتحقق بنور حُسن الأسماء الحسنى الإلهية في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وفي أجزاء متعددة تعرفنا ظهور الأسماء الحسنى الإلهية في الوجود الطيب الطاهر لأئمة الحق ولمن تبعهم بحق ، فإن حببت بحوث خادم علوم آل محمد عليهم السلام ، فراجعها هناك ، أو تدبر بما موجود هنا ، ففيه شمام عِطره طيب لما ذكرنا هناك .
ثم يا أخي : بعد إن عرفنا شيء من معارف أهمية الظهور بالأسماء الحسنى والتحقق بها ، لنقيم عبودية الله تعالى بعد أن نعرفه لأنه لا عبادة إلا لعارف ، و إلا غير العارف لا عبادة له ، وكيف يُعبد من لا يعرف ، وكيف يُتوجه لمن لم يُعلم بعظمته وقدرته وعلمه وحكمته ، فيطلب كرمه وعظمته وقدرته في تحقيقه من نوره ومجده بالحُسن وجمال الكرامة ، وإن كان لكل طالب نصيبه وما عطاء الرب بمحظور ، ولكن هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ وهل تستوي الظلمات والنور ؟ كلا فإن معرفة الله بالحسنى والجمال لنطلبه والقهر لنبتعد عنه هي أول الدين ، ثم معرفة أحكامه وإقامة دينه بإخلاص العبودية له .
وبعد إن عرفنا هذا يا أخي : سنتعرف في هذه الصحيفة أولاً على باب فيه معارف عامة في الأسماء الحسنى ، فيشمل عددها وفضل معرفتها ، وشيء من معارف أحاطتها وظهورها وبطونها وسعتها بمختصر البيان ، ثم يأتي بابا آخرا فيه شرح لكل اسم من الأسماء الحسنى والصفات العليا المذكورة في حديث إن لله تسعة وتسعون أسما من أحصاها دخل الجنة ، فبعد معرفة شؤون العظمة ، ندخل في معانيها بسعة أكبر ، فندخل فيها متدرجين ومتسلحين بنور معارفها ، حتى يكون الجزء الثالث مختص بشرح ثلاث أسماء حسنى فقط وهي : العظيم واللطيف والشافي ، بعد أن كان الجزء الأول مختص بشرح ستة وثمانون اسما ، والجزء الثاني مختص بشرح عشرة أسماء ، حتى نكون إن شاء الله في واقع ظهورها وبكل إيمان ويقين بها عالمين عاملين ، وبما يحب سبحانه وتعالى حتى يرضى عنا ويرضينا ، وأسأل الله التوفيق لكم ولي ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.comتمت المراجعة للمقدمة وللباب الأول ليلة عيد الفطر المباركة سنة 1425
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الإخلاص/1:4. [2] الأعراف/180. [3] الإسراء/110. [4] الحشر22 /24 . [5] الحديد1 /3. [6] الرعد/18 . [7] الكهف/88 . [8] الأنبياء101 /103 [9] النحل/32. [10]الأحزاب/56 . [11]النمل/59 . [12]الشورى/23 .
يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام
--------------------------------------------------------------------------------
يا طيب إلى فهرس شرح الأسماء الحسنى أحسن الله علينا بنورها
--------------------------------------------------------------------------------