بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ... وَصَلَّى اللهُعَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
--------------------
*********
لماذا الإمساك قبل الفجر ؟ وما حكمه ؟
*********
لا إشكال في أن الصوم عموماً ومنه صوم شهر رمضان يتحقق بالإمساك عن المفطرات والامتناع عنها في النهار فقط أي من الفجر الصادق الى الغروب ، ولا يجب أكثر من ذلك ، فيجوز ممارسة المفطرات من الغروب الى الفجر ، وقوله تعالى :
( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (1)
صريح وواضح في هذا المعنى ، فالآية حددت المقدار من الزمان الذي يجب فيه الإمساك والامتناع عن المفطرات بدايةً ونهايةً ، فقالت كلوا واشربوا أي مارسوا المفطرات حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر أي حتى طلوع الفجر ، فالخيط الأبيض هو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود ، فبداية الصوم تكون من الفجر ، ثم قالت أتموا الصيام الى الليل فجعلت غاية الصوم دخول الليل والليل يتحقق بأول جزء منه وهو الغروب فالمعنى أتموا الصيام الى الغروب
إذن حتى يصدق على المكلف أنه صائم لا بد أن يمسك عن المفطرات من الفجر الى الغروب
ومعنى ذلك أنه من الغروب الى الفجر يجوز له الأكل والشرب وتناول المفطرات كما هو صريح الآية
ولا خلاف في هذا المعنى ولا جدال وهو من ضروريات الإسلام وعليه إجماع المسلمين واتفاقهم ، وعليه انعقدت كلمات فقهائنا كما سيمر بنا إن شاء الله تعالى
وحينئذٍ نطرح هذا السؤال /
وهو أنه إذا كان الصوم يتحقق بالإمساك عن المفطرات من الفجر الى الغروب ، إذن لماذا الإمساك قبل الفجر بعشر دقائق كما جرت به العادة ؟
حيث جرت العادة بالاحتياط بالإمساك عن المفطرات قبل الفجر بعشر دقائق ، فما هو وجه هذا الاحتياط ؟ أليس هو خلاف ظاهر الآية بل صريحها في جواز الاستمرار بالأكل والشرب الى الفجر ؟ أليس هو خلاف فتاوى الفقهاء بعدم وجوب الإمساك ونية الصوم الا عند طلوع الفجر فقد ذكروا في رسائلهم العملية ما نصه : ( وقت النية في الواجب المعيّن - ولو بالعارض - عند طلوع الفجر الصادق بحيث يحدث الصوم حينئذ مقارناً للنية ) (2) بلا خلاف في ذلك ومعناه أن النية تتضيق عند الفجر بمعنى يجوز تأخيرها الى الفجر ولازم ذلك عدم وجوبها وعدم وجوب الإمساك قبل عشر دقائق من الفجر ، وقد صرّحوا بذلك في رسائلهم فقالوا : ( وإذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ظاهرا ) (3) .
إذن من أين نشأت فكرة الإمساك قبل الفجر ؟
الجواب / لا إشكال في أن الصوم لا يجب الا عند طلوع الفجر الا أن المشكلة أن طلوع الفجر بما أن علامته هي ظهور الخيط الأبيض في الأفق ، وهي علامة ليست دقيقة ولا مضبوطة أي يصعب ضبطها والعلم بها بالدقة ، خصوصاً في العصور المتأخرة التي كثرت فيها الأنوار والإضاءات مما زاد في صعوبة التعرف على الخيط الأبيض ورؤيته وتمييزه عن الخيط الأسود ، من هنا كان الفجر عادة وغالباً غير معلوم بالدقة .
ولئن كان ذلك ليس مشكلة بالنسبة الى صلاة الفجر لإمكان تأخيرها قليلاً حتى يحصل اليقين بدخول الفجر باعتبار استمرار وقتها الى طلوع الشمس ، الا أنه مشكلة بالنسبة الى الصوم لأنه يجب أن يقارن الفجرَ ولا يتأخر عنه ولو قليلاً ، فإن الواجب في الصوم هو الإمساك مع النية من الفجر الى الغروب بحيث يجب في صحة صوم رمضان وجود النية في كل آن من آنات النهار ابتداء من أول آنٍ من الفجر الى آخر آنٍ من النهار ، ولو وقعت بعض هذه الآنات من دون نية بطل الصوم ، من هنا كان لا بد من علاج مشكلة عدم ضبط الفجر إذ عدم ضبطه لعله يكون سبباً لتأخر النية عن الفجر فما دمنا نجهل وقت الفجر بالتحديد فلعل إمساكنا ونيتنا تكون متأخرة عن الفجر وبالتالي يبطل صومنا فمتى نمسك وننوي الصوم ونحن لا نعلم وقت الفجر بالضبط ؟
ولعلاج هذه المشكلة نشأت فكرة الإمساك قبل الفجر من باب الاحتياط حتى نكون على يقين بالإمساك والنية عند الفجر الواقعي ، وذلك من باب ( المقدمة العلمية ) أي نمسك قبل الفجر مقدمة وتوصلاً لحصول العلم بالإمساك عند طلوع الفجر والعلم باستيعاب الإمساك لكل النهار من الفجر الى الغروب ، لأن الاشتغال اليقيني يستدي الفراغ اليقيني لإننا مكلفون بالصوم وذممنا مشغولة به يقيناً فنحن على يقين بوجوب الصوم علينا فلابد عند الامتثال أن نحرز فراغ ذممنا يقيناً من هذا التكليف ، بمعنى أنه لابد أن نتأكد من صحة صومنا وامتثاله ولا يكون ذلك الا بالإمساك قبل الفجر
والسؤال المهم / هل هذا الإمساك - احتياطاً ومن باب المقدمة - واجبٌ ؟
صرّح السيد اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى بوجوبه فقال : ( الزمان الذي يصح فيه الصوم وهو النهار من غير العيدين ومبدؤه طلوع الفجر الثاني ووقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق ويجب الإمساك من باب المقدمة في جزء من الليل في كلٍ من الطرفين ليحصل العلم بإمساك تمام النهار ) (4) ، فيجب الإمساك من باب المقدمة العلمية في جزء من الليل قبل طلوع الفجر ، لأن الإمساك فيه موجب للعلم بحصول الإمساك في النهار الذي هو المأمور به ، لتعسر العلم بالطلوع غالباً بل تعذره ، ولذا يجب تقديم النية على الفجر لإحراز تحققها حينه ، لتعسر إحرازه الا بتقديم النية والإمساك .
لكن ظاهر كلام الفقهاء في رسائلهم العملية خاصة وكتبهم الفقهية عامة عدم وجوب الاحتياط بالإمساك قبل الفجر وأنه يجوز الاستمرار بالأكل والشرب وتناول المفطرات وإن شك في طلوع الفجر ما لم يحصل العلم او الاطمئنان بطلوعه او تقوم الحجة الشرعية على الطلوع ، وقد استدلوا على ذلك بأمرين :
الأمر الأول / بالآية المباركة ، وهي قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (5) ، قال السيد الخوئي قده : ( حيث جعلت الغاية التبين ، فما لم يتبين وكان شاكاً جاز له الأكل والشرب ولم يجب الامساك وإن كان الفجر طالعاً واقعاً فهو في مرحلة الظاهر مرخص في الأكل إلى أن يتبين الفجر وينكشف ) (6) .
الأمر الثاني / استصحاب بقاء الليل ، فمن شك في دخول الفجر جاز له استصحاب بقاء الليل واستمراره وبالتالي جواز الاستمرار بالأكل والشرب وغيرهما من المفطرات ، قال رحمه الله : ( لا نرى وجهاً للاحتياط بالإمساك في جزء من الليل ليتيقن بحصول الامساك من أول جزء من الفجر بعد جريان استصحاب بقاء الليل وعدم طلوع الفجر الذي نتيجته جواز الأكل ما لم يتيقن بالفجر فإنه بهذا الاستصحاب الموضوعي يحرز عدم دخول النهار شرعاً وبقاء الليل تعبداً ) (7) .
وللإحاطة بتفاصيل الحكم الشرعي للإمساك قبل الفجر ، نقول : الكلام يقع في جهتين : الجهة الأولى / في حكم الإمساك قبل الفجر . الجهة الثانية / في حكم الصوم مع عدم مراعاة الإمساك .
الجهة الأولى / في حكم الإمساك قبل الفجر
أما الكلام في هذه الجهة فنلخصه في نقاط :
1. إذا علم المكلف بوقت الفجر بالدقة فلا إشكال في عدم وجوب الإمساك عليه وجاز له الاستمرار بتناول المفطر حتى زمان دخول الفجر ، ونقصد بالعلم الجزم واليقين بحيث لا يوجد احتمال للخطأ ولو بنسبة 1 % ، ولذا هذه الصورة نادرة إن لم تكن ممتنعة لامتناع العلم بوقت الفجر عادة وغالباً ، وعلى أي حال من علم جزماً أن الفجر يكون عند الساعة الخامسة وثلاث دقائق مثلاً جاز له الاستمرار على المفطرات حتى تلك اللحظة .
2. أن يحصل الاطمئنان بوقت الفجر ، وحكم هذا كسابقه فلا يجب الإمساك لأن الاطمئنان حكمه حكم العلم ، والمقصود من الاطمئنان الظن العالي والقوي جداً الذي يقرب من العلم بحيث يكون احتمال الخطأ ضئيلاً وضعيفاً جداً لا يعتني به العقلاء كـ 1 % أو أكثر بقليل ، أياً كان منشأ هذا الاطمئنان ولو الرصد الجوي إذا أوجب الاطمئنان ، فمن حصل عنده الاطمئنان بنسبة 95 % مثلاً بأن وقت الفجر هو الخامسة وثلاث دقائق مثلاً جاز له الاستمرار على المفطرات حتى تلك اللحظة .
3. أن لا يعلم بوقت الفجر ولا يطمئن به ولكن تقوم عنده حجة شرعية على وقت الفجر كما لو شهد له شاهدان عادلان بوقت الفجر او أخبره الثقة بوقت الفجر ، فحينئذٍ الحكم كما تقدم أيضاً فيجوز التعويل على هذه الحجة الشرعية وحكمها حكم العلم والاطمئنان فيجوز الاستمرار على المفطرات ولا يجب الإمساك قبل الوقت الذي أخبر الثقة او الشاهدان العادلان بدخول الفجر فيه .
4. أن لا يحصل شيء من ذلك فحينئذٍ يكون المكلف شاكاً بوقت الفجر فلا يدري أهو الخامسة ؟ أو الخامسة وخمس دقائق أم الا خمس دقائق ؟ وهذه الصورة هي المهمة والتي يتجه فيها الكلام بوجوب الإمساك او عدم وجوبه أما الصور السابقة فلا خلاف فيها في عدم وجوب الإمساك (
، وعلى أي حال فالحكم في هذه الصورة أيضاً كالحكم في ما سبق على ما يظهر من كلمات الفقهاء خلافاً للسيد اليزدي الذي حكم بوجوب الإمساك من باب المقدمة العلمية وخلافاً للشيخ الطوسي الذي ذهب الى وجوب الإمساك مع الشك ، قال : ( إذا شك في طلوع الفجر وجب عليه الامتناع من الأكل ) (9) ، الا أن المشهور والأكثر على عدم وجوب الإمساك حتى في هذه الصورة للآية والاستصحاب لذا ذكروا في رسائلهم العملية ( وإذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ) كما تقدم ، بل نفس السيد اليزدي الذي أوجب الإمساك قبل الفجر من باب المقدمة في محل آخر حكم بجواز الاستمرار على المفطرات للشاك بالفجر : ( يجوز له فعل المفطر ولو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر ولم يشهد به البينة ) ، وعلى أي حال فالمعروف عدم الوجوب ، غاية الأمر أنه إن تبين بعد ذلك خطؤه وجب عليه القضاء كما سيأتي إن شاء الله لكن هذا حكم آخر لا يستدعي وجوب الإمساك هنا .
ولا فرق في عدم وجوب الإمساك للشاك في طلوع الفجر بين أن يتفحص ويتحرى الوقت أو لا ، فلا يجب أن يسأل او يتأكد من طلوع الفجر فما دام غير عالم بطلوعه يجوز له تناول المفطرات .
5. يستثنى من عدم وجوب الإمساك للشاك والجاهل بوقت الفجر حالة واحدة وهي أن يعلم أنه اذا استمر على استصحاب الليل وتناول المفطر بحجة أنه شاك في وقت الفجر سيقع تناول المفطر بعد الفجر جزماً ، فإذا تأكد أنه إن لم يمسك لأوجب ذلك تناول المفطر بعد الفجر يقيناً فحينئذٍ لا إشكال في وجوب الإمساك عليه قبل ذلك ، وبذلك نجيب من قد يقول : إذا كان الشاك بوقت الفجر لا يجب عليه الإمساك فحينئذٍ يمكنه الاستمرار الى أي وقت يشاء على المفطرات بحجة استصحاب الليل !! وجوابه / أن الشاك بوقت الفجر لا بد أن ينقطع شكه في لحظة ما ويحصل له اليقين بدخول الفجر ولا يحتمل أن يبقى على شكه كثيراً فحينئذٍ يجب عليه الإمساك في تلك اللحظة التي يعلم او يطمئن فيها بطلوع الفجر ولا معنى لاستصحاب الليل لأن الاستصحاب للشاك ومع عدم الشك لا معنى له .
سؤالان /
وعلى أساس ما تقدم يمكن أن نجيب على سؤالين يكثر طرحهما كما أنهما محل ابتلاء :
سؤال 1 / شخص يتسحّر وأثناء سحوره دخل وقت الامساك كما مذكور في الإمساكية او نادى المؤذن بالامساك فهل يجب عليه قطع السحور ام يجوز الاستمرار في السحور وشرب الماء ؟
سؤال 2 / شخص استيقظ من النوم في وقت الإمساك فهل يجوز له أن يتسحّر ويشرب الماء ؟
وجوابهما / بما أن الإمساك قبل الفجر ليس واجباً فلا يخلو هذا الشخص في وقت الإمساك إما أن يكون عالماً او مطمئناً بعدم دخول الفجر فلا إشكال في جواز الاستمرار في الأكل والشرب ، او يكون عالماً او مطمئناً بدخول الفجر فلا إشكال في عدم الجواز ووجوب الإمساك ، او يكون شاكاً ولا علم له بدخول الفجر او عدم دخوله كما هو الغالب وحينئذٍ أيضاً يجوز له الاستمرار في السحور وتناول المفطرات حتى يعلم او يطمئن بدخول الفجر ، وإن كان الإمساك أحوط استحباباً .
6. مع كون الإمساك قبل الفجر غير واجب حتى للشاك الا أنه بلا إشكال راجح حتى للعالم فضلاً عن الشاك وعليه فالاحتياط بالإمساك استحبابي ، حتى يحصل اليقين باستيعاب الإمساك والنية لكل النهار ولا يتورط الصائم باحتمال بطلان صومه لأنه وإن لم يجب عليه الإمساك الا أنه قد يجب عليه القضاء أحياناً كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجهة الثانية .
تحديده بعشرة دقائق :
عرفنا أن الإمساك قبل الفجر إنما هو لعدم علمنا بوقت الفجر بالتحديد وفائدته أن يحصل عندنا العلم بصحة الصوم ووقوع كل النهار عن نية وإن لم يجب ذلك ، وحينئذ لا يجب أن يكون محدداً بعشر دقائق كما جرت العادة بل المهم أن نمسك في وقت نعلم ونجزم أنه من الليل وقبل الفجر حتى متى ما طلع الفجر بعد ذلك فنحن ممسكون وليس بالضرورة أن يكون ذلك قبل عشر دقائق من الفجر المحتمل بل أي مقدار يطمئن معه الصائم بأنه أمسك قبل الفجر ولو خمس دقائق أو اقل كان كافياً ، وإنما جرت العادة بالتحديد بعشر دقائق لأنها أقل مقدار يوجب العلم بالإمساك قبل الفجر غالباً أو قل زيادة في الاطمئنان .
فائدة /
لا حجيّة لأذان المؤذن في حد نفسه ولا للمواقيت الشرعية في ذاتها ولا يصح التعويل عليهما ما لم يرجع التعويل عليهما الى أحد الصور الثلاث الأولى بأن يفيدا العلم او الاطمئنان او يكونا حجة شرعية بأن نعتبر أذان المؤذن خبر ثقة عارف بالأذان مثلاً ، وإنما جرت العادة بالتعويل عليهما باعتبار إفادتهما الاطمئنان غالباً او كونهما حجة شرعية والا لا يصح او لا يجب التعويل عليهما .
الجهة الثانية / في حكم الصوم مع عدم مراعاة الإمساك
إذا عمل الصائم بالاحتياط فأمسك قبل الفجر فلا إشكال في صحة صومه إذ هذه فائدة الإمساك وهي تحصيل العلم واليقين بصحة الصوم ، ولكن قلنا الإمساك غير واجب وحينئذٍ من لم يمسك واستمر في تناول المفطر الى حين اليقين بدخول الفجر قد يتبين بعد ذلك أنه مخطأ فينفتح الكلام في حكم صومه ، وحاصل الكلام في نقاط :
1. الشاك بوقت الفجر وإن قلنا لا يجب عليه الإمساك لكن اذا استمر في تناول المفطر من دون سؤال وفحص عن وقت الفجر معتمداً على استصحاب بقاء الليل ثم تبين أن تناوله المفطر كان بعد الفجر بطل صومه ووجب عليه القضاء ، ومن هنا تبرز فائدة الاحتياط الاستحبابي بالإمساك وهي إحراز صحة الصوم ، وعلى أي حال فلا إثم عليه ولا كفارة لعدم تعمده الإفطار .
2. أما إذا كان استمراره على تناول المفطر بعد الفحص والسؤال ثم تبين خطأ فحصه او خطأ من أخبره بوقت الفجر وأن تناوله المفطر كان بعد الفجر فلا شيء عليه وصومه صحيح .
3. من علم او اطمئن بوقت الفجر وكذا من قامت عنده الحجة الشرعية به إذا تبين بعد ذلك خطأ علمه او اطمئنانه او خطأ الحجة الشرعية وأن تناوله المفطر وقع بعد الفجر فلا شيء عليه وصومه صحيح ، كمن قامت عنده البينة على أن الفجر يكون عند الخامسة وعشر دقائق فأكل حتى هذا الوقت ثم تبين خطأ البينة وأن الفجر عند الخامسة فصومه صحيح ولا شيء عليه .
4. من علم او اطمئن او قامت عنده الحجة الشرعية بوقت الفجر كالخامسة اذا خالف واستمر على تناول المفطر بعد ذلك الوقت ثم تبين أنه الفجر فعلاً فعليه القضاء والكفارة ، أما إذا تبين الخطأ وأن تناوله المفطر وقع قبل الفجر فصومه صحيح لكنه قد يكون مأثوماً بمخالفة علمه او اطمئنانه او الحجة الشرعية .
5. إذا شك في وقتٍ كالخامسة أنه من الفجر او لا فأكل وشرب فيه ثم بعد ذلك أمسك ، إذا استمر شكه في ذلك الوقت ولم يتبين أنه من الفجر او لا فصومه صحيح وليس عليه شيء ولا يجب عليه التأكد ، وكذا من اطمئن في وقتٍ أنه ليس من الفجر فأكل ثم لم يظهر له خطأ اطمئنانه فصومه صحيح ولا يجب عليه التأكد بعد ذلك .
.
زبدة الكلام
**********
بما أنه لا سبيل الى العلم بوقت طلوع الفجر عادة وغالباً ، فلا يخلو حال المكلف إما أن يكون مطمئناً بوقت طلوع الفجر او شاكاً وجاهلاً به ، وعلى كلا التقديرين لا يجب الإمساك قبل الفجر ، أما من كان مطمئناً بوقت الفجر فيعمل بمقتضى اطمئنانه فيجوز له الاستمرار بالأكل والشرب الى أن يحصل الوقت الذي اطمئن أنه الفجر فيمسك ، وأما الشاك فيجوز له الاستمرار بالأكل والشرب حتى يحصل عنده اطمئنان بحصول الفجر فيمسك ، ثم اذا تبين لكل منهما - المطمئن والشاك - الخطأ وأن تناولهما المفطر وقع بعد الفجر فإن كانا قد تفحصا وسألا عن الفجر فلا شيء عليهما وصومهما صحيح ، وإن كان استمرارهما على المفطر من دون فحص وجب القضاء فقط ، وعلى أي حال فالإمساك أفضل وأوفق بالاحتياط .
.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.
--------------------------------
(1) سورة البقرة / آية 187 .
(2) لاحظ مثلاً : منهاج الصالحين - السيد الخوئي ج 1 ص 262 مسألة 976 ، وغيره .
(3) لاحظ مثلاً : منهاج الصالحين - السيد الخوئي ج 1 ص 273 مسألة 1024 ، وغيره .
(4) العروة الوثقى / كتاب الصوم / ج 3 ص 611
(5) سورة البقرة / آية 187 .
(6) شرح العروة الوثقى / كتاب الصوم / السيد الخوئي ج 1 ص 419 .
(7) المصدر السابق .
(
قد تتداخل هذه الصور وتجتمع كما لو حصل الاطمئنان او العلم بواسطة خبر الثقة او البينة ، كما أنه قد تقوم البينة او خبر الثقة مع بقاء الشك اذ هما لا يفيدان علماً ولا اطمئناناً بالضرورة فقد يخبره الثقة بوقت الفجر ولكن يحتمل اشتبهاهه وخطأه فيبقى شاكاً .
(9) الخلاف - الشيخ الطوسي ج 2 ص 174 مسألة 14 .