بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ، عَلَيْهِ نَتَوَكّلُ وَبِهِ نَسْتعِيْنُ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
***************
قضاء الولد الأكبر ما فات أباه
ذكر الفقهاء أنه يجب على الولد الأكبر إذا تُوفِي أبوه أن يقضي عنه ما فاته في حياته من عبادات
وقد استفادوا هذا الحكم من عدة روايات واردة عن المعصومين سلام الله عليهم أجمعين ، وهو حكم إجماعي لا خلاف فيه وإن اختلفوا في بعض تفاصيله
هذا ملخص المسألة وفيما يلي شيء من تفاصيلها ، والكلام في أربعة أمور :
1. القاضي 2. المَقضِي عنه 3. ما يُقْضَى 4. أحكام القضاء
الأمر الأول / القاضي
من الذي يجب عليه القضاء ؟
الجواب /
1. لا خلاف في أن من يجب عليه القضاء هو الولد الأكبر الذكر فلا يجب القضاء على غير الأكبر من الذكور ، كما لا يجب القضاء على الإناث ، كما لا يجب القضاء على سائر الأقارب كالأب والأم والأخ والعم والخال وهكذا ، نعم لو تطوعوا بقضاء ما في ذمة الميت من عبادات صح وأجزأ لكن لا يجب عليهم ذلك ، فالوجوب مختص بالولد الذكر الأكبر ، فلو لم يكن للميت من الأولاد الا إناثاً لم يجب عليهنّ القضاء ، ولو كان بِكر الميت وولده (1) الأكبر أنثى والذكر أصغر منها لم يجب على الأنثى ووجب على الذكر ، فالواجب هو القضاء على أكبر الذكور وإن لم يكن هو أكبر الأولاد بأن كانت هناك أنثى أو أكثر أكبر منه .
2. المقصود هو الذكر الأكبر حال موت الأب وإن كان هناك من هو أكبر منه قد سبق الأب بالموت وتوفي في حياته ، فإذا كان لشخص ثلاثة أولاد ذكور مثلاً ومات أكبرهم في حياته ثم مات هو أي الأب بعده وجب القضاء على أوسط الأولاد الثلاثة لأنه وإن لم يكن أكبر أولاد الميت الا أنه أكبرهم حال موت الأب ، هذا هو المعروف بين الفقهاء وخالف السيد الصدر فأفتى بأن المقصود هو الولد الأكبر في الولادة لا حال الموت وعليه فلو مات الأكبر في الولادة في حياة الأب لم يجب على الأكبر حال وفاة الأب القضاء حينئذٍ لأنه ليس الأكبر في الولادة وإن كان الأكبر حال الوفاة .
3. لا خلاف أنه إذا مات الذكر الأكبر - سواء الأكبر حال الموت أو الأكبر في الولادة - بعد موت الأب ولم يقضِ لم يجب على الأكبر من بعده ولا غيره القضاء .
4. إذا كان الذكر الأكبر حال الموت صغيراً غير بالغ وجب عليه القضاء بعد البلوغ ، فلا يتذرع بعدم كونه مكلفاً حال موت أبيه ، هذا هو المعروف بين الفقهاء وخالف السيد السيستاني فأفتى بعدم وجوب القضاء عليه بعد البلوغ وأن الوجوب يختص بالبالغ حال موت الأب .
5. إذا كان الأكبر توأماً يجب القضاء على الأسبق ولادة لأنه أكبر سناً ، ولو مات أحدهما في حياة الأب وجب على الآخر القضاء على القول المعروف وعلى رأي السيد الصدر لا يجب إن لم يكن هو الأسبق ولادة .
.
______________________
(1) يطلق لفظ الولد لغة وشرعاً على الذكر والأنثى على حد سواء ، فالذكر ولد والأنثى ولد والذكور أولاد والإناث أولاد ، قال تعالى ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) النساء / 11 ، فسمّى الذكور والإناث أولاداً ، فإذا قيل في الروايات أو في كلام الفقهاء الولد والأولاد فالكلام يشمل الذكر والأنثى ما لم تكن قرينة تحدد أحدهما ، خلافاً للمصطلح العرفي الذي يخص لفظ الولد بالذكر ، نعم إذا قيل ابن وأبناء اختص الكلام بالذكر كما لو قيل بنت وبنات فيختص الكلام بالأنثى .
.
الأمر الثاني / المَقضي عنه
من الذي يجب القضاء عنه ؟
الجواب / المعروف أنه خصوص الأب ، فإذا مات الأب وجب على أكبر ولده الذكور القضاء عنه
واختلفوا في الأم فألحقها بعض الفقهاء بالأب كالسيد اليزدي رحمه الله والشيخ الفياض فأوجبا على الولد الأكبر الذكر القضاء عنها أيضاً ، لكن المعروف عدم الإلحاق ولا يجب على الولد الأكبر الذكر أن يقضي الا ما فات أباه دون غيره ، نعم إلحاق الأم هو أحوط استحباباً ، وذكروا أن الفارق هو أن ظاهر الأخبار أن الحكم بوجوب القضاء على الولد الأكبر الذكر إنما هو في مقابل اختصاصه بالحبوة ، حيث يختص الولد الذكر الأكبر من ميراث أبيه ببعض التركة كثياب بدنه وخاتمه وسيفه وسلاحه ومصحفه دون سائر أخوته ويسمى ذلك بالحبوة ، وفي مقابل هذا الاختصاص أوجب عليه الشارع القضاء وحيث أن حكم الحبوة مختص بالأب دون الأم فلا حبوة للذكر الأكبر من ميراث أمه بل من ميراث أبيه فقط إذن لا قضاء على الولد الأكبر لما فات أمه بل يقضي ما فات أباه فقط ، وناقش بعض الفقهاء في هذا الكلام وذكر أن السبب في اختصاص القضاء بالأب دون الأم هو ظاهر الأخبار وليس للملازمة بين القضاء والحبوة لأنها تتخلف في بعض الموارد فيمكن أن يكون ذلك حكمة لا علة .
الأمر الثالث / ما يُقضى
ما الذي يجب على الولد الأكبر الذكر أن يقضيه عن أبيه ؟
اتفقوا على أن ما يجب قضاؤه من العبادات على الولد الأكبر هو خصوص الصلاة والصوم دون غيرهما ، فلا يجب عليه أن يقضي كل ما في ذمة أبيه من عبادات ، فلو كانت ذمة الأب مشغولة بالحج مثلاً لم يجب عليه القضاء بل يجب على جميع الورثة إخراج نفقة الحج من أصل تركة الأب ويفرغوا ذمته من الحج ولو بالاستيجار ، وإذا مات الأب وذمته مشغولة بالخمس أو الزكاة أو الدَين لم يتحملها الولد الأكبر بل جميع ذلك يخرج من أصل التركة مقدماً على الوصايا وعلى قسمة التركة بين الورثة ، وهكذا النذورات والعهود والكفارات والضمانات فلا يجب على الولد الأكبر تحمل شيء من ذلك
إذن ما يجب قضاؤه خصوص الصلاة والصوم ولا خلاف في ذلك ، وإنما الخلاف أنه هل يجب عليه أن يقضي كل ما فات أباه من الصلاة والصيام أياً كان سبب الفوت أم أن ذلك بشروط ؟
الجواب / أما فيما يتعلق بالصلاة ففي المسألة أقوال :
القول الأول / يجب قضاء جميع ما فات الأب سواء فات بعذر كالنوم والنسيان والجهل بالتكليف أو فات عمداً من دون عذر وكذا يجب قضاء ما أتي به فاسداً ، فكل ما فات الأب في حياته يجب قضاؤه على الولد الأكبر بشرط أن يكون الأب قد تمكن من قضائه في حياته ولم يقضه أما ما لم يتمكن من قضائه فلا يجب قضاؤه وهذا القول للسيد الخوئي وغيره .
القول الثاني / نفس السابق فيجب قضاء كل ما فات سواء بعذر أو بعمد أو بفساد لكن بلا فرق بين ما تمكن من قضائه وما لم يتمكن وهذا القول للسيد الصدر والشيخ الفياض .
القول الثالث / اختصاص وجوب القضاء بما فات عن عذر كالنوم دون ما فات عن عمد أو بفساد وبما تمكن من قضائه ولم يقضه دون ما لم يتمكن من قضائه وهذا القول للسيد السيستاني .
واتفقوا على وجوب قضاء كل صلاة يمكن أن تقضى كصلاة الآيات وصلاة الطواف ولا يختص الحكم باليومية ، كما اتفقوا على اختصاص وجوب القضاء بما وجب على الميت نفسه وأما ما وجب عليه عن غيره باستيجار ونحو ذلك فلا يجب على الولد الأكبر قضاؤه ومن هذا القبيل ما وجب على الميت من فوائت أبيه ولم يؤده حتى مات فإنه لا يجب قضاء ذلك على ولده أي لا يجب على الولد أن يقضي ما فات جده لأن أباه لم يقم بقضائها في حياته فيما لو كان الأب هو الولد الأكبر للجد .
وأما الصوم فاتفقوا على وجوب قضاء ما فات لعذر كالسفر والمرض بشرط أن يكون قد وجب عليه قضاؤه في حياته ولم يقضه بخلاف ما لو لم يجب عليه قضاؤه كما لو أفطر في شهر رمضان لمرض واستمر به مرضه حتى مات ولم يتمكن من القضاء بنفسه فلا يجب القضاء على الولد الأكبر حينئذٍ
واختلفوا فيما ما فات الأب عمداً أو أتى به فاسداً فاستشكلوا في وجوب قضائه وإلحاقه بما فات لعذر ، فاحتاط السيد الخوئي والسيد الصدر وغيرهما بالإلحاق وأفتى به الشيخ الفياض ، واختار السيد السيستاني عدم الإلحاق
والمعروف والمشهور عدم اختصاص القضاء بصوم رمضان بل الحكم يشمل غيره مما يجب فيه القضاء كما لو نذر الصوم ولم يصم حتى ما مات فيجب على الولد الأكبر القضاء وكذا صوم الكفارة وخالف بعض الفقهاء فخصوا الحكم بقضاء شهر رمضان كما هو رأي السيد السيستاني في تعليقته على العروة الوثقى ، واتفقوا على اختصاص القضاء بما وجب على الميت نفسه دون ما فاته عن غيره بإجارة أو غيرها .
الأمر الرابع / بعض أحكام قضاء الولد الأكبر ما فات أباه
1. لا يجب على الولد الأكبر أن يباشر قضاء ما فات أباه بنفسه ، بل يجوز أن يستأجر غيره للقضاء من ماله .
2. لو تبرع أحدٌ فقضى عن الميت سقط الوجوب عن الولد الأكبر ، وكذلك إذا أوصى الميت باستيجار شخص لقضاء فوائته وتم تنفيذ الوصية .
3. إذا شك في فوات شئ عن أبيه وأن ذمته هل مشتغلة بالصلاة أو الصوم لم يجب القضاء .
4. إذا علم بالفوت واشتغال ذمة الأب بالصلاة أو الصوم ولكن شك في مقدار الفائت جاز له الاقتصار على الأقل ولا يجب عليه الأكثر .
5. إذا علم بالفوت وشك أن الأب قضى في حياته أو لا وجب القضاء على الولد الأكبر لأن الأصل عدم القضاء .
6. بناء على اختصاص القضاء بما فات لعذر كما في بعض الأقوال فإذا علم بالفوت ولكن شك هل فات عن عذر أو لا لم يجب القضاء ، أما بناء على عدم اختصاص القضاء بما فات لعذر فيجب القضاء مطلقاً بمجرد العلم بالفوت .
7. لا يجب الفور والاستعجال في القضاء بل يجوز التراخي ما لم يبلغ حد الإهمال والتسامح في القضاء .
8. يراعي الولد الأكبر في قضائه تقليد نفسه لا تقليد أبيه مع اختلافهما في التقليد .
9. لو كان على الولد الأكبر فوائت وقضاء عن نفسه تخيّر في تقديم القضاء عن نفسه أو القضاء عن أبيه .
هذه بعض الأحكام وتقدم في مطاوي الأمور الثلاثة السابقة بعضاً آخر منها
.
والحمّد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على خير خلقه محمدٍ وآله الطّيبين الطّاهرين