وفاء الموسوي الرتبــــــة
رقم العضوية : 6 الجنــس : التسجيل : 18/12/2012 عدد المساهمات : 2483 نقـــــــــاط التقيم : 4743 السٌّمعَــــــــــــــة : 2 علم بلدك : ادارة منتدى
| موضوع: و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين الخميس مايو 30, 2013 12:39 am | |
| تفسير الاية (82) من سورة الاسراء اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم «و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين إلا خسارا» من بيانية تبين الموصول أعني قوله: «ما هو شفاء» إلخ أي و ننزل ما هو شفاء و رحمة و هو القرآن و عد القرآن شفاء و الشفاء إنما يكون عن مرض دليل على أن للقلوب أحوالا نسبة القرآن إليها نسبة الدواء الشافي إلى المرض، و هو المستفاد من كلامه سبحانه حيث ذكر أن الدين الحق فطري للإنسان فكما أن للبنية الإنسانية التي سويت على الخلقة الأصلية قبل أن يلحق بها أحوال منافية و آثار مغايرة للتسوية الأولية استقامة طبيعية تجري عليها في أطوار الحياة كذلك لها بحسب الخلقة الأصلية عقائد حقة في المبدإ و المعاد و ما يتفرع عليهما من أصول المعارف، و أخلاق فاضلة زاكية تلائمها و يترتب عليها من الأحوال و الأعمال ما يناسبها.
فللإنسان صحة و استقامة روحية معنوية كما أن له صحة و استقامة جسمية صورية، و له أمراض و أدواء روحية باختلال أمر الصحة الروحية كما أن له أمراضا و أدواء جسمية باختلال أمر الصحة الجسمية و لكل داء دواء و لكل مرض شفاء. و قد ذكر الله سبحانه في أناس من المؤمنين أن في قلوبهم مرضا و هو غير الكفر و النفاق الصريحين كما يدل عليه قوله: «لئن لم ينته المنافقون و الذين في قلوبهم مرض و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم»: الأحزاب: 60 و قوله: «و ليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ما ذا أراد الله بهذا مثلا»: المدثر: 31. و ليس هذا المسمى مرضا إلا ما يختل به ثبات القلب و استقامة النفس من أنواع الشك و الريب الموجبة لاضطراب الباطن و تزلزل السر و الميل إلى الباطل و اتباع الهوى مما يجامع إيمان عامة المؤمنين من أهل أدنى مراتب الإيمان و مما هو معدود نقصا و شركا بالإضافة إلى مراتب الإيمان العالية، و قد قال تعالى: «و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون»: يوسف: 106 و قال: «فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما»: النساء: 65. و القرآن الكريم يزيل بحججه القاطعة و براهينه الساطعة أنواع الشكوك و الشبهات المعترضة في طريق العقائد الحقة و المعارف الحقيقية و يدفع بمواعظه الشافية و ما فيه من القصص و العبر و الأمثال و الوعد و الوعيد و الإنذار و التبشير و الأحكام و الشرائع عاهات الأفئدة و آفاتها فالقرآن شفاء للمؤمنين. و أما كونه رحمة للمؤمنين - و الرحمة إفاضة ما يتم به النقص و يرتفع به الحاجة - فلأن القرآن ينور القلوب بنور العلم و اليقين بعد ما يزيل عنها ظلمات الجهل و العمى و الشك و الريب و يحليها بالملكات الفاضلة و الحالات الشريفة الزاكية بعد ما يغسل عنها أوساخ الهيآت الردية و الصفات الخسيسة فهو بما أنه شفاء يزيل عنها أنواع الأمراض و الأدواء، و بما أنه رحمة يعيد إليها ما افتقدته من الصحة و الاستقامة الأصلية الفطرية فهو بكونه شفاء يطهر المحل من الموانع المضادة للسعادة و يهيئها لقبولها، و بكونه رحمة يلبسه لباس السعادة و ينعم عليه بنعمة الاستقامة.
فالقرآن شفاء و رحمة للقلوب المريضة كما أنه هدى و رحمة للنفوس غير الأمنة من الضلال، و بذلك يظهر النكتة في ترتب الرحمة على الشفاء في قوله: «ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين» فهو كقوله: «هدى و رحمة لقوم يؤمنون»: يوسف: 111 و قوله: «و مغفرة و رحمة»: النساء: 96.فمعنى قوله تعالى : «و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين» و ننزل إليك أمرا يشفي أمراض القلوب و يزيلها و يعيد إليها حالة الصحة و الاستقامة فتتمتع من نعمة السعادة و الكرامة.و قوله: «و لا يزيد الظالمين إلا خسارا» السياق دال على أن المراد به بيان ما للقرآن من الأثر في غير المؤمنين قبال ما له من الأثر الجميل في المؤمنين فالمراد بالظالمين غير المؤمنين و هم الكفار دون المشركين خاصة كما يظهر من بعض المفسرين و إنما علق الحكم بالوصف أعني الظلم ليشعر بالتعليل أي أن القرآن إنما يزيدهم خسارا لمكان ظلم هم بالكفر.والخسار هو النقص في رأس المال فللكفار رأس مال بحسب الأصل و هو الدين الفطري تلهم به نفوسهم الساذجة ثم إنهم بكفرهم بالله و آياته خسروا فيه و نقصوا ثم إن كفرهم بالقرآن و إعراضهم عنه بظلمهم يزيدهم خسارا على خسار و نقصا على نقص إن كانت عندهم بقية من موهبة الفطرة، و إلى هذه النكتة يشير سياق النفي و الاستثناء حيث قيل: «و لا يزيد الظالمين إلا خسارا» و لم يقل: و يزيد الظالمين خسارا و به يظهر أن محصل معنى الآية أن القرآن يزيد المؤمنين صحة و استقامة على صحتهم و استقامتهم بالإيمان و سعادة على سعادتهم و إن زاد الكافرين شيئا فإنما يزيدهم نقصا و خسارا. و للمفسرين في معنى صدر الآية و ذيلها وجوه أخر أغمضنا عنها من أراد الوقوف عليها فليراجع مسفوراتهم و مما ذكروه فيها أن المراد بالشفاء في الآية أعم من شفاء الأمراض الروحية من الجهل و الشبهة و الريب و الملكات النفسانية الرذيلة و شفاء الأمراض الجسمية بالتبرك بآياته الكريمة قراءة و كتابة هذا و لا بأس به لكن لو صح التعميم فليصح في الصدر و الذيل جميعا فإنه كما يستعان به على دفع الأمراض و العاهات بقراءة أو كتابة كذلك يستعان به على دفع الأعداء و رفع ظلم الظالمين و إبطال كيد الكافرين فيزيد بذلك الظالمين خسارا كما يفيد المؤمنين شفاء هذا، و نسبة زيادة خسارهم إلى القرآن مع أنها مستندة بالحقيقة إلى سوء اختيارهم و شقاء أنفسهم إنما هي بنوع من المجاز.
المصدر الميزان والحمد لله رب العالمين
| |
|