سبب
نزول الآية (90) من
سورة النساء ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم
مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ
يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ
فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ
سَبِيلاً﴾
سبب النزول
وردت روايات عديدة تفيد أنّ إِثنتين من القبائل العربية في زمن النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) وهما قبيلتا "بني ضمرة" و"أشجع" كانت إِحداهما وهي قبيلة
بني ضمرة قد عقدت مع النّبي اتفاقاً بترك النزاع، وكانت القبيلة الثانية
حليفة للقبيلة الأُولى دون أن تعقد مثل هذا الإِتفاق مع النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) ، وتقول الروايات إن بعض المسلمين أخذوا يشككون في وفاء
"بني ضمرة" للمسلمين، واقترحوا على النّبي أن يهاجم هذه القبيلة قبل أن
تبادر هي بالهجوم على المسلمين، فرد النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) قائلا: "كلاّ، فإِنّهم أبر العرب بالوالدين، وأوصلهم للرّحم، وأوفاهم بالعهد".
وبعد فترة علم المسلمون أنّ قبيلة "أشجع" وعلى رأسها "مسعود بن رجيلة" قد
وصلت حتى مشارف المدينة، وهي في سبعمائة رجل، فبعث النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) وفداً للتعرف على سبب مجيئهم إِلى ذلك المكان، فأجابت
هذه القبيلة يبأنّها جاءت لكي تعقد اتفاقاً مع المسلمين مماث لاتفاق "بني
ضمرة" معهم، وما أن علم النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) بهذا الأمر حتى أمر أصحابه بأن يأخذوا مقداراً من التمر هدية لهذه القبيلة، ثمّ التقى بهم النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) فأخبروه بأنّهم لعجزهم عن موازرة المسلمين في قتال
الأعداء، ولعدم رغبتهم في المشاركة في قتال ضد المسلمين، لما تربطهم بهم من
صلة الجوار، لذلك يرومون عقد اتفاق أو ميثاق مع المسلمين بتحريم العدوان
بينهما، فنزلت
الآية المذكورة بهذا الشأن وهي تبيّن للمسلمين ما يجب عليهم أن يفعلوه في مثل هذه الحالة.
ويقول مفسرون آخرون إنّ قسماً من هذه
الآية قد نزل في شأن قبيلة "بني مدلج" التي جاءت إِلى النّبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) وأخبرته أنّها تريد الإِتفاق معه على عدم اللجوء إِلى
العدوان فيما بينهما، وذلك لرغبتها في البقاء على الحياد تجاه المسلمين
ودعوتهم.