في حلمه وتواضعه : شتم بعضهم زين العابدين عليه السلام ، فقصده غلمانه فقال : دعوه فان ما خفي منا أكثر مما قالوا ، ثم قال له : ألك حاجة يا رجل ؟ فخجل الرجل فأعطاه ثوبه وأمر له بألف درهم ، فانصرف الرجل صارخا يقول : أشهد أنك ابن رسول الله .
ونال منه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يكلمه ، ثم أتى منزله وصرخ به ، فخرج الحسن متوثبا للشر ، فقال للحسن : يا أخي إن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه ، وإن كنت قلت ما ليس في يغفر الله لك ، فقبل الحسن بين عينيه وقال : بل قلت ما ليس فيك وأنا أحق به .
وشتمه آخر ، فقال : يا فتى إن بين أيدينا عقبة كؤدا ، فان جزت منها فلا أبالي بما تقول ، وإن أتخير فيها فأنا شر مما تقول .
ابن جعدية قال : سبه رجل ، فسكت عنه فقال : إياك أعني ، فقال : وعنك أغضي .
وكسرت جارية له قصعة فيها طعام فاصفر وجهها ، فقال لها : اذهبي فأنت حرة لوجه الله .
وقيل : إن مولى لعلي بن الحسين يتولى عمارة ضيعة له ، فجاء ليطلعها فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا غاضه من ذلك ما رآه وغمه ، فقرع المولى بسوط كان في يده ، وندم على ذلك ، فلما انصرف إلى منزله أرسل في طلب المولى ، فأتاه فوجده عاريا والسوط بين يديه ، فظن أنه يريد عقوبته ، فاشتد خوفه ، فأخذ علي بن الحسين السوط ومد يده إليه وقال : يا هذا قد كان مني إليك ما لم يتقدم مني مثله ، وكانت هفوة وزلة ، فدونك السوط واقتص مني ، فقال المولي : يا مولاي والله إن ظننت إلا أنك تريد عقوبتي وأنا مستحق للعقوبة ، فكيف أقتص منك ؟ قال : ويحك اقتص ، قال : معاذ الله أنت في حل وسعة ، فكرر ذلك عليه مرارا ، والمولى كل ذلك يتعاظم قوله ويجلله ، فلما لم يره يقتص ، قال له : أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك ، وأعطاه إياها .
وانتهى إلى قوم يغتابونه ، فوقف عليهم فقال لهم : إن كنتم صادقين فغفر الله لي ، وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم .
- مناقب ابن شهرآشوب : حلية أبي نعيم وتاريخ النسائي ، روي عن أبي حازم وسفيان ابن عيينة ، والزهري قال : كل واحد منهم : ما رأيت هاشميا أفضل من زين العابدين ، ولا أفقه منه .
وقال في قوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء " لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة .
وقلما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يذكر فيه ، قال علي بن الحسين : أو قال زين العابدين .
وقد روى عنه الطبري ، وابن البيع ، وأحمد ، وابن بطة ، وأبو داود ، وصاحب الحلية ، والأغاني ، وقوت القلوب ، وشرف المصطفى ، وأسباب نزول القرآن والفائق ، والترغيب والترهيب ، عن الزهري ، وسفيان بن عيينة ، ونافع والأوزاعي ، ومقاتل ، والواقدي ومحمد بن إسحاق .
الأصمعي : كنت بالبادية وإذا أنا بشاب منعزل عنهم في أطمار رثة ، وعليه سيماء الهيبة ، فقلت : لو شكوت إلى هؤلاء حالك لأصلحوا بعض شأنك فأنشأ يقول :
لباسي للدنيا التجلد والصبر * ولبسي للأخرى البشاشة والبشر
إذا اعترني أمر لجأت إلى العز * لأني من القوم الذين لهم فخر
ألم تر أن العرف قد مات أهله * وأن الندى والجود ضمهما قبر
على العرف والجود السلام فما بقي * من العرف إلا الرسم في الناس والذكر
وقائلة لما رأتني مسهدا * كأن الحشا مني يلذعها الجمر
أباطن داء لو حوى منك ظاهرا * فقلت الذي بي ضاق عن وسعه الصدر
تغير أحول وفقد أحبة وموت * دوي الافضال قالت كذا الدهر
فتعرفته فإذا هو علي بن الحسين فقلت أبي أن يكون هذا الفرخ إلا من ذلك العش .
بيان : قوله : " وقائلة " منصوب بفعل مقدر كرأيت أو أذكر ( * ) وقوله : " أباطن داء " قول القائلة و " لو " للتمني .
- كشف الغمة : كان إذا مشى لا يجاوز يده فخذه ، ولا يخطر بيده ، وعليه السكينة والخشوع .
وقال سفيان : جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال : إن فلانا قد وقع فيك وآذاك ، قال : فانطلق بنا إليه ، فانطلق معه وهو يرى أنه سينصر لنفسه ، فلما أتاه ، قال له : يا هذا إن كان ما قلت في حقا ، فإنه تعالى يغفره لي ، وإن كان ما قلت في باطلا ، فالله يغره لك .
وكان يقول : اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامح العيون علانيتي وتقبح عندك سريرتي ، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي ، فإذا عدت فعد علي .
وكان إذا أتاه السائل يقول : مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة .
وإنه كان لا يحب أن يعينه على طهوره أحد وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام ، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ، ثم توضأ ثم يأخذ في صلاته ، وكان يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار في الليل ، ويقول : يا بني ليس هذا عليكم بواجب ، ولكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم عليها وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر .
- كشف الغمة : وكان يوما خارجا فلقيه رجل فسبه ، فثارت إليه العبيد والموالي ، فقال لهم علي : مهلا كفوا ، ثم أقبل على ذلك الرجل فقال : ما ستر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها ، فاستحيى الرجل ، فألقى إليه علي خميصة كانت عليه ، وأمر له بألف درهم ، فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنك من أولاد الرسل .
وكان عنده قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فأقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس بني لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله ، فقال علي للغلام وقد تحير الغلام واضطرب : أنت حر فإنك لم تعتمده ، وأخذ في جهاز ابنه ودفنه .
وعن عبد الله بن علي بن الحسين قال : كان أبي يصلي بالليل حتى يزحف إلى فراشه (بيان) : الزحف : مشي الصبي بالانسحاب على الأرض ، أي كان يعسر عليه القيام لشدة الاعياء من العبادة .
- كشف الغمة : الحافظ عبد العزيز بن الأخضر ، روى عن يوسف بن أسباط عن أبيه ، قال : دخلت مسجد الكوفة ، فإذا شاب يناجي ربه وهو يقول في سجوده : " سجد وجهي متعفرا في التراب لخالقي وحق له " فقمت إليه ، فإذا هو علي بن الحسين فلما انفجر الفجر ، نهضت إليه فقلت له : يا ابن رسول الله تعذب نفسك وقد فضلك الله بما فضلك ؟ فبكى ثم قال : حدثني عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله : كل عين باكية يوم القيامة إلا أربعة أعين : عين بكت من خشية الله ، وعين فقئت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين باتت ساهرة ساجدة يباهي بها الله الملائكة ويقول : انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ، قد جافي بدنه عن المضاجع ، يدعوني خوفا من عذابي وطمعا في رحمتي ، اشهدوا أني قد غفرت له .
وعن سفيان : قال : كان علي بن الحسين يحمل معه جرابا فيه خبز فيتصدق به ، ويقول : إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ، وعنه قال : كان يقول : ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم .
وعن عبد الله بن عطا قال : أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنبا استحق به العقوبة فأخذ له السوط وقال : " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " فقال الغلام : وما أنا كذاك إني لأرجو رحمة الله وأخاف عذابه ، فألقى السوط وقال : أنت عتيق .
وسقط له ابن في بئر فتفزع أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه ، وكان قائما يصلي ، فما زال عن محرابه ، فقيل له في ذلك ، فقال : ما شعرت ، إني كنت أناجي ربا عظيما .
وكان له ابن عم يأتيه بالليل متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير فيقول : لكن علي بن الحسين لا يواصلني ، لا جزاه الله عني خيرا ، فيسمع ذلك ويحتمل ويصبر عليه ولا يعرفه بنفسه ، فلما مات علي فقدها فحينئذ علم أنه هو كان ، فجاء إلى قبره وبكى عليه .
وكان يقول في دعائه : اللهم من أنا حتى تغضب علي ، فوعزتك ما يزين ملك إحساني ، ولا يقبحه إساءتي ، ولا ينقص من خزائنك غناي ، ولا يزيد فيها فقري .
وقال ابن الأعرابي : لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين إلى نفسه أربعمائة منا يعولهن إلى أن انقرض جيش مسلم بن عقبة ، وقد حكي عنه مثل ذلك عند اخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز ، وقال - وقد قيل له : ما لك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة ؟ - فقال : أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله ، وقال رجل لرجل من آل الزبير كلاما أقذع فيه فأعرض الزبيري عنه ، ثم دار الكلام فسب الزبيري علي بن الحسين فأعرض عنه ولم يجبه ، فقال له الزبيري : ما يمنعك من جوابي ؟ قال : ما يمنعك من جواب الرجل ، ومات له ابن فلم ير منه جزع ، فسئل عن ذلك فقال : أمر كنا نتوقعه ، فلما وقع لم ننكره .
بيان : قال الفيروزآبادي قذعه كمنعه رماه بالفحش وسوء القول كأقذعه .
- كشف الغمة : قال طاوس : رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه فجئته حين فرغ من الصلاة ، فإذا هو علي بن الحسين فقلت له : يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا ، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف ، أحدها : أنك ابن رسول الله ، والثاني : شفاعة جدك ، والثالث : رحمة الله فقال : يا طاوس أما أني ابن رسول الله فلا يؤمنني ، وقد سمعت الله تعالى يقول " فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني لان الله تعالى يقول : " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " وأما رحمة الله فإن الله تعالى يقول " إنها قريبة من المحسنين " ولا أعلم أني محسن .
- الكافي : أبو علي الأشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن علي بن مهزيار عن فضالة ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله قال : كان علي بن الحسين يقول : إني لأحب أن أقدم على العمل وإن قل .
وبهذا الاسناد عن فضالة .
عن العلا ، عن محمد ، عن أبي جعفر قال : كان علي بن الحسين يقول : إني لأحب أن أقدم على ربي وعملي مستو .
- الكافي : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن خلاد ، عن الثمالي عن علي بن الحسين قال : قال : ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم وما تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيط لا أكافئ بها صاحبها .
بيان : أي [ لا ] أحب ذل نفسي وإن حصلت لي به حمر النعم ، أو لا أحب ذل نفسي ولا أرضى بدله حمر النعم ، فيكون تمهيدا لما بعده ، فإن شفاء الغيظ مورث للذل .
- من كتاب عيون المعجزات المنسوب إلى السيد المرتضى - ره - : روي عن أبي خالد كنكر الكابلي أنه قال : لقيني يحيى بن أم الطويل - رفع الله درجته - وهو ابن داية زين العابدين فأخذ بيدي وصرت معه إليه فرأيته جالسا في بيت مفروش بالمعصفر ، مكلس الحيطان ، عليه ثياب مصبغة ، فلم أطل عليه الجلوس ، فلما أن نهضت قال لي : صر إلي في غد إن شاء الله تعالى ، فخرجت من عنده ، وقلت ليحيى أدخلتني على رجل يلبس المصبغات ، وعزمت على أن لا أرجع إليه ، ثم إني فكرت في أن رجوعي إليه غير ضائر ، فصرت إليه في غد ، فوجدت الباب مفتوحا ولم أر أحدا ، فهممت بالرجوع ، فناداني من داخل الدار ، فظننت أنه يريد غيري ، حتى صاح بي : يا كنكر ادخل ، وهذا اسم كانت أمي سمتني به ولا علم أحد به غيري ، فدخلت إليه فوجدته جالسا في بيت مطين على حصير من البردي ، وعليه قميص كرابيس ، وعنده يحيى ، فقال لي : يا أبا خالد إني قريب العهد بعروس ، وإن الذي رأيت بالأمس من رأي المرأة ، ولم أرد مخالفتها ، ثم قام وأخذ بيدي وبيد يحيى بن أم الطويل ومضى بنا إلى بعض الغدران وقال : قفا ، فوقفنا ننظر إليه فقال : " بسم الله الرحمن الرحيم " ومشى على الماء حتى رأينا كعبه تلوح فوق الماء ، فقلت : الله أكبر الله أكبر ، أنت الكلمة الكبرى والحجة العظمى ، صلوات الله عليك ، ثم التفت إلينا وقال : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المدخل فينا من ليس منا ، والمخرج منا من هو منا ، والقائل إن لهما في الاسلام نصيبا أعني هذين الصنفين .
روى ابن أبي الحديد عن سفيان الثوري ، عن عمرو بن مرة عن أبي البختري ، قال : أثنى رجل على علي بن الحسين في وجهه وكان يبغضه قال : أنا دون ما تقول ، وفوق ما في نفسك .