حمد الله ، وأثنى عليه ، وذكر جده فصلى عليه ثم قال : أيها الناس أحذركم من الدنيا وما فيها ، فإنها دار زوال وانتقال ، تنتقل بأهلها من حال إلى حال ، وهي قد أفنت القرون الماضية والأمم الماضية ، وهم الذين كانوا أكثر منكم مالا ، وأطول أعمارا ، وأكثر آثارا ، أفنتهم أيدي الزمان ، وأحتوت عليهم الأفاعي والديدان ، أفنتهم الدنيا فكأنهم لا كانوا لها أهلا ولا سكانا ، وقد أكل التراب لحومهم ، وأزال محاسنهم ، وبدد أوصالهم وشمائلهم ، وغير ألوانهم ، وطحنتهم أيدي الزمان ، أفتطمعون بعدهم بالبقاء ، هيهات هيهات ، فلابد من اللحوق والملتقى ، فتدركوا ما مضى من عمركم وما بقي ، وافعلوا فيه ما سوف يعد لكم من الأعمال الصالحة قبل انقضاء الأجل ، وفروغ الأمل ، فعن قريب تؤخذون من القصور إلى القبور ، حزينين غير مسرورين ، فكم والله من فاجر قد استكملت عليه الحسرات ، وكم من عزيز وقع في مسالك الهلكات ، حيث لا ينفعه الندم ولا يغاث من ظلم ، وقد وجدوا ما أسلفوا ، واحذروا ما تزودوا ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربك أحدا ، فهم في منازل البلوى همود ، وفي عسكر الموتى خمود ، ينتظرون صيحة القيامة ، وحلول يوم الطامة ( ليجزى الذين آمنوا ) ( ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى ) .