- قال المفيد : فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنين وبيعة الناس ابنه الحسن دس رجلا من حمير إلى الكوفة ، ورجلا من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار ، ويفسدا على الحسن الأمور . فعرف ذلك الحسن فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة فأخرج وأمر بضرب عنقه وكتب إلى البصرة ، باستخراج القيني من بني سليم فأخرج وضربت عنقه وكتب الحسن إلى معاوية : أما بعد ، فإنك دسست الرجال للاحتيال والأغتيال وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء وما أوشك ذلك ، فتوقعه إن شاء الله وبلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذو حجى ، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول : فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى * تجهز لأخرى مثلها فكأن قد فإنا ومن قد مات منا لكالذي * يروح فيمسي في البيت ليغتدى . - قال الثقفي : وأقبل جارية [ بن قدامة ] حتى دخل على الحسن بن علي فضرب على يده فبايعه وعزاه وقال : ما يجلسك ؟ [ سر يرحمك الله ] سر بنا إلى عدوك قبل أن يسار إليك فقال : لو كان الناس كلهم مثلك سرت بهم ولم يحمل على الرأي شطرهم أو عشرهم . - قال ابن أعثم : وإذا بكتاب عبد الله بن عباس قد ورد عليه من البصرة وإذا فيه : لعبد الله الحسن أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس . أما بعد يا ابن رسول الله ! فإن المسلمين ولوك أمرهم بعد أبيك ( رضي الله عنه ) ، وقد أنكروا أمر قعودك عن معاوية وطلبك لحقك ، فشمر للحرب وجاهد عدوك ، ودار أصحابك وول أهل البيوتات والشرف ما تريد من الأعمال ، فإنك تشتري بذلك قلوبهم ، واقتد بما جاء عن أئمة العدل من تأليف القلوب والإصلاح بين الناس . واعلم بأن الحرب خدعة ولك في ذلك سعة ما كنت محاربا ما لم تنتقص مسلما حقا هو له ، وقد علمت أن أباك عليا إنما رغب الناس عنه وصاروا إلى معاوية لأنه واسى بينهم في الفيء وسوى بينهم في العطاء ، فثقل ذلك عليهم ، واعلم بأنك إنما تحارب من قد حارب الله ورسوله حتى أظهره الله أمره ، فلما أسلموا ووحدوا الرب ، ومحق الله الشرك وأعز الدين ، أظهروا الإيمان وقرأوا القرآن وهم بآياته مستهزؤن وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى ، وأدوا الفرائض وهم لها كارهون ، فلما رأوا أنه لا يغزو في هذا الدين إلا الأنبياء الأبرار والعلماء الأخيار وسموا أنفسهم لسيما الصالحين ، ليظن بهم المسلمون خيرا ، وهم عن آيات الله معرضون . وقد منيت أبا محمد بأولئك القوم وأبنائهم وأشباههم ، والله ما زادهم طول العمر إلا غيا ، ولا زادهم في ذلك لأهل الدين إلا غشاء فجاهدهم رحمك الله ، ولا ترض منهم بالدنية ، فإن أباك عليا ( رضي الله عنه ) لم يجب إلى الحكومة في حقه حتى غلب على أمره فأجاب وهو يعلم أنه أولى بالأمر ، إن حكم القوم بالعدل ، فلما حكم بالهوى رجع إلى ما كان عليه ، وعزم على حرب القوم حتى وافاه أجله ، فمضى إلى ربه ( رحمه الله ) ، فانظر رحمك الله أبا محمد ! ولا تخرجن من حق أنت أولى به من غيرك وإن أتاك دون ذلك - والسلام عليك ورحمة الله وبركاته . قال : فلما ورد كتاب عبد الله بن عباس وقرأه سره ذلك ، وعلم أنه قد بايعه وأنه قد أمره بما يجب عليه في حق الله ، دعا بكاتبه وأمره أن يكتب إلى معاوية .